فرصة اضطراب العدو!

فرصة اضطراب العدو!

لا تزال الماكينات السياسية والإعلامية لقوى العرقلة الإقليمية، وفي مقدمتها تركيا والسعودية، تلقي بقنابلها الدخانية فوق المشهد السوري. وليس التصعيد التركي العسكري المباشر على الأرض السورية في الفترة الأخيرة، والمستمر حتى الآن بأشكال مختلفة، إلّا آخر الطلقات التي في جعبة أردوغان وجماعته، وإن دلّت على شيء فهي تدل على عمق المأزق الذي دخله ومعه كل معيقي ورافضي الحل السياسي، سواء علناً أو سراً.

إنّ ما أثبتته أحداث الأسبوع الماضي، هو أنّ التوافق الروسي الأمريكي على إنهاء الأزمة السورية سياسياً، واستناداً إلى بيان جنيف الأول ومقررات فيينا الأول والثاني والقرار الدولي 2254 وبيان ميونيخ بعده، وعلى محاربة الإرهاب بالتوازي مع ذلك، هو توافق الأمر الواقع الناجم عن ميزان القوى الدولي الجديد والذي سيجري تذليل كل العقبات التي تقف في طريقه أياً كانت.
إنّ استمرار تشبث معيقي الحل السياسي بأطياف جنيف2 وبعقليته وآلياته، تشير وضوحاً إلى ماهية ومعاني الانتقال نحو جنيف3 بعقليته وآلياته المختلفة عن سابقه، فهذا الانتقال إذ يعني دفن جنيف2، فإنّه يعني أيضاً إعادة توزيع النفوذ في المنطقة بأكملها بما يخدم استقرارها واستمرارها، بكل ما يعنيه ذلك من ضرورة تقليم وتشذيب الأطراف المعرقلة وحتى إبعادها عن المشهد كلياً إن بقيت على معاداتها الضمنية أو الصريحة للحل السياسي.
إنّ الظرف الذي تعيشه سورية اليوم، ورغم كارثيته ومأساويته على الصعيد الإنساني، إلّا أنّه أيضاً ظرف انعطافي بكل ما للكلمة من معنى، فأعداء الحل السياسي وأعداء الشعب السوري مرتبكون أشد الارتباك، وصفوفهم مخلخلة أشد التخلخل، ولذلك فإنّ على الوطنيين السوريين في هذه اللحظة، وأياً كانت مواقعهم، العمل جدياً للاستفادة من هذه الفرصة بتصعيد الهجوم إلى الحد الأقصى بأداة الحل السياسي، وصولاً إلى إخراج سورية من كارثتها الإنسانية العميقة وباتجاه القضاء على الإرهاب، وافتتاح مرحلة التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
إنّ الاستفادة الوطنية من هذه الفرصة، تستلزم توفير عوامل النجاح والتقدم لعملية الحل السياسي كلها، ولاستكمال مؤتمر جنيف3 بمسؤولية عالية تجاه الدم السوري النازف، وتجاه وحدة البلاد أرضاً وشعباً، وتجاه القضايا المصيرية لدى الشعب السوري، وفي مقدمتها تحرير أراضيه المحتلة، وتجاه الثوابت الوطنية التاريخية لدى الشعب السوري، وعلى رأسها النضال بوجه المطامع الاستعمارية والمآرب الإمبريالية والصهيونية، بما في ذلك في فلسطين المحتلة.
إن استفادة من هذا النوع تستلزم رفع درجات التنسيق والتعاون مع حلفاء الدولة السورية والشعب السوري إلى الحد الأقصى، وصولاً إلى تكريس مضامين وطنية حقيقية لعمليتي الحل السياسي ومحاربة الإرهاب.
لقد أقلعت قافلة الحل السياسي، يدفعها توازن دولي جديد يتقدم فيه بثبات حلفاء الشعب السوري التاريخيون، ولن توقفها رغبات المتشددين ولا تصريحاتهم النارية، هنا أو هناك. وهذه القافلة لا تعد بإيقاف الكارثة الإنسانية السورية فحسب، بل وبتكريس سورية نموذجاً جديداً على شاكلة العالم الجديد، نموذج يستند إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.