«بارازيت» تركي

«بارازيت» تركي

يرتفع يوماً بعد آخر، مستوى الشغب الذي تمارسه تركيا الأردوغانية، في الملفات الداخلية التركية، وفي العديد من ملفات المنطقة، وفي الأزمة السورية على وجه الخصوص. الجديد في الخطاب التركي الرسمي، هو الهجوم الإعلامي بمختلف الاتجاهات، على القوى الدولية الكبرى، ومنها الولايات المتحدة، بما تعنيه لتركيا ضمن علاقات التبعية المزمنة..

القاسم المشترك بين القوى الدولية التي يهاجمها أردوغان هو التوافق على ضرورة الإقلاع بالحل السياسي للازمة السورية، وتحديداً التوافق الروسي- الأمريكي، الذي حدث على خلفية التوازن الدولي الجديد، وصعود الدور الروسي. بمعنى آخر أن من جملة ما هو مستهدف من التصعيد التركي مؤخراً في الميدان الإعلامي والسياسي والعسكري، هي عملية الحل السياسي بحد ذاتها، التي توافقت عليها القوى الدولية، وأكدت عليها في اجتماعات ميونيخ مؤخراً.
في سياق آخر يشهد الداخل التركي توتراً غير مسبوق في مناطق الشرق ضد المدن والبلدات الكردية، ومواقع حزب العمال الكردستاني، بالاضافة إلى سلسلة التفجيرات التي حدثت في العديد من المدن التركية مؤخراً، والتي يستغلها أردوغان لتجييش الرأي العام، باتجاه سياسته المتعلقة بالأزمة السورية، بطريقة أصبح فيها هذا الاستغلال نشازاً حتى في الأوركسترا الأمريكية، وبالإضافة إلى الاستمرار في ابتزاز الدول الأوربية بورقة اللاجئين...

التأخر عن الركب

لاشك أن مواقف أردوغان، هي امتداد للمواقف السابقة للقوى الغربية في الأزمة السورية، وهي بالتالي استمرار لمحاولات التدخل الفج والمباشر على خط الأزمة، واذا كانت البراغماتية دفعت الكثير في الغرب الرسمي، إلى الاعتراف بالوقائع الجديدة، والتوازن الدولي الجديد، وباتت تتصرف على هذا الأساس، على الأقل في خطابها المعلن، إلا أن أردوغان الذي يخشى أن يخرج خالي الوفاض من الأزمة السورية، بعد إقلاع الحل السياسي، ما زال يرتكب الحماقة تلو الأخرى، ليخسر المزيد من المواقع مع كل خطوة جديدة يخطوها، ولتأتي البروباغندا الأردوغانية بمثابة ستارة من الدخان للتغطية على ذلك التراجع، وتلك الخسائر..
وكما فشل في ايجاد الإطار القانوني لفرض نفسه كزعيم أوحد في الداخل التركي، وكما تراجع عن عمق الـ«ستين كيلومتراً» التي كان يتحدث عنها لفرض منطقة آمنة، إلى مجرد عشرة كيلومترات تبقي «اعزاز خطاً أحمر»، يتراجع ويتقزم دوره العملي يوماً بعد آخر في الأزمة السورية، وتحديداً من زاوية دور القوى المسلحة المدعومة منه، إثر عمليات التقدم البري التي ينجزها الجيش السوري مدعوماً بالضربات الجوية الروسية، وتحديداً بعد الحماقة التي ارتكبها باسقاط الطائرة الروسية.

الخيار المجنون

من خلال الخطاب الشعبوي، الطائفي مرة، والقومي مرة أخرى، الذي يستخدمه أردوغان في تجييش بعض قطاعات الرأي العام التركي، والأساليب التي يستخدمها في صراعه مع حزب العمال الكردستاني، وطبيعة القوى التي يعتمد عليها، في الداخل والإقليم، ومحاولاته لإيجاد توافق مع البترودولار السعودي، يلاحظ أن ما تبقى من الإسلام السياسي يدفع بتركيا، بما تعنيه من وزن جيوسياسي، إلى المجهول. فهل يحاول أردوغان يائساً تمرير خيار القوى الفاشية العالمية، بإشعال مزيد من الحرائق في المنطقة، بما فيه إشعال تركيا؟ أم أن ما يقوم به ويقوله هو مجرد «بارازيت» قوى خارجة عن التاريخ؟

آخر تعديل على الإثنين, 22 شباط/فبراير 2016 14:45