تعددية سياسية أم تعددية الأقنعة؟

كان من المفترض أن تكون الانتخابات التي جرت قبل أيام خطوة باتجاه إطلاق الحل السياسي الشامل، بما يعنيه ذلك من توسيع دائرة التمثيل لتشتمل على قوى اجتماعية جديدة أظهرتها الأزمة التي ما انفكت تعصف بالبلاد منذ عام ونيف، إلا أنه كان واضحاً أن النظام الانتخابي الفاسد سيحول دون إنجاز تلك العملية، كونه يعيق عملياً وصول أي قوى لا تنتمي إلى جهاز الدولة أو قوى المال، ومع ذلك عزمت القوى الوطنية في المعارضة والمجتمع الداعمة للحل السياسي على التنازل والمشاركة على الرغم من إدراكها لحجم الإقصاء الذي يفرضه النظام الانتخابي الفاسد، كيلا تخلف وعودها لجماهيرها بدعم أو تشجيع كل ما من شأنه إخراج البلاد من دوامة العنف الدائر..

وسط مقاطعة شرائح ليست بقليلة من الحركة الشعبية والقوى السياسية للانتخابات، نتيجة بقاء الاستعصاء الذي يلف الأزمة قائماً، ونتيجة انعدام الثقة بالنظام وقدرته على إطلاق الحلول الحقيقية، بدلا من ممارسة الخداع الإعلامي حول التحسن في أحوال البلاد- الذي بات مفضوحاً- كان مطلوباً من النظام ألا يضيع الفرصة التي سنحت له من خلال العملية الانتخابية لإعادة الثقة مع الشعب، من خلال السماح للقوى الوطنية في المعارضة والمجتمع بالنشاط السياسي والإعلامي والانتخابي، وعدم مضايقتها، وكف يد الأجهزة الأمنية عن العملية السياسية، وحصر مهامها بمواجهة المسلحين..

بدلا من ذلك أتحفنا النظام قبل الانتخابات بسلسلة من التمثيليات بدأت بهجوم إعلامي شرس على بعض «المستحاثات- الأعضاء» في المجلس السابق، محملا إياهم كامل المسؤولية عن انفجار الأزمة، صانعاً منهم رموزاً افتراضية للفساد،كدريئة وهمية للهجوم على الفساد، تلتها دعاية أن المجلس الجديد سيعكس واقع التعددية السياسية الجديدة، أي ستكون الأحزاب المرخصة حديثاً قادرة على الدخول إلى المجلس، وغيرها من «التكهنات» بمشاركة عالية في الانتخابات... ألخ.

إلا أن الأمور جرت موضوعيا حسبما يفرض النظام الانتخابي، وليس حسبما تفترض البروبوغندا الإعلامية المقيتة، من جديد تحالف تماسيح المال مع بيروقراط جهاز الدولة، ونحتت قوائم للإستفتاء وليس للإنتخاب وسط فوضى أسماء المرشحين، إضيف إليها القليل من الرموز السياسية الوطنية المعارضة بغية تجميلها، محددة بذلك حجما افتراضياً للقوى الوطنية التي ماعاد بالإمكان تجاهلها..

السؤال الأهم: أي تعددية سياسية ستتمخض عن المجلس الجديد؟ في حين تشير النتائج الأولية للانتخابات إلى نجاح ما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الأحزاب السياسية المرخصة، هل تعني التعددية استبدال قائمة الجبهة الوطنية التقدمية بقائمة «الوحدة الوطنية»؟ واستبدال بعض الوجوه المتخلفة التي بات زيفها مفضوحاً بوجوه أكثر زيفاً وتملقاً؟ مع الإبقاء على رجال النهب «المستقلين»؟

إن الطريقة التي جرت فيها الانتخابات تشير إلى أن المجلس الجديد سيكون نسخة عن سابقه من حيث تقاسم المقاعد بين قوى الفضاء السياسي القديم وقوى الفساد والنهب الجديد، أما التعددية التي يروجون لها إنما تعني في الحقيقة الإبقاء على الفساد، مع تعدد الأقنعة التي يرتديها..