«القبر الابيض المتوسط».. وحكاية «أجمل شعب غريق في العالم»

«القبر الابيض المتوسط».. وحكاية «أجمل شعب غريق في العالم»

ما يحدث في هذه البلاد أكبر من أن توثقه صورة، أو يعرض في تقريرإخباري، ما يجري في خريطة الدم، أكبر من أن توقفه هذه الصحوة الإنسانية الطارئة في إعلام الدم.. كان الهروب من جحيم الحرب، والموت غرقاً في البحر، أو اختناقا في برادات نقل لحوم الدجاج، المادة الرئيسية في وسائل الإعلام العالمي، قوافل لجوء السوريين براً وبحراً، تصريحات الرؤساء والزعماء، الوجدانيات التي خاطبت نفسية الإنسان السوري المقهور.. تكاد أن تحول الأزمة السورية الى قضية لاجئين.. ليس إلا؟!

بعد سنوات من النفخ في جمر الأزمة السورية، وتأجيجها بشكل مباشر أو غير مباشر، والصمت تجاه المآلات المحتملة، وعدم الحديث عن الحلول، تحاول دول، ومنظمات دولية، ووسائل إعلام متعدده تحويل القضية السورية، إلى قضية إنسانية، دون الغوص في مقدماتها، وأسباب وصولها إلى هذا المستوى الكارثي، ودور ما يسمى المجتمع الدولي في ذلك..
 أي أن الضجة الإعلامية المثارة هذه الأيام عن الأزمة السورية، على خلفية تعدد أشكال موت السوريين، وتعدد أشكال إذلالالهم، وتعدد طرق تيههم وضياعهم، رغم شكلها الإنساني،  إنما هي على الأرجح مقدمة لخيارات سياسية جديدة، تحاول جهات ما، الدخول على خط الأزمة السورية، وتثبيت وجودها من خلالها، سواء من خلال استمرار دوران طاحونة الدم، أو على طاولة المفاوضات التي بدأت بالانطلاق مؤخراً..


تجاهل وتطنيش الحل الحقيقي

قضية «ترانسفير» السوريين، حسب منطق المعالجة السائد، ليست قضية وطن، ووجوده بوحدته الجغرافية والسياسية، وتدمير قواه المنتجه وبالأخص البشرية منها، ونسيجه الاجتماعي.. بل هي مجرد قضية ذات بعد «إنساني»!؟ 
الفرق بين هذا المنطق وذاك، ليست مسألة شكلية، بل هو جوهر وعمق الظاهرة، فعلى أساس اعتماد أحد المنطقين سيكون السؤال عن المقدمات والأسباب، وسيكون الخيار بين الحلول الواقعية، أو الحلول الآنية والشكلية.


في المقدمات

أن تكون سورية على رأس قائمة عمليات النزوح، بعد الحرب العالمية الثانية، ليس صدفة، بل أن ذلك يعكس حجم التراكمات السابقة على الأزمة من جهة، وعمق الأزمة الراهنة، و طريقة التعاطي معها من جهة أخرى.. فالحرب التي عصفت بالبلاد، واستمدت عوامل استمرارها، على أساس أوهام « الإسقاط، والحسم» وحجم التدخل الخارجي، ومحاولات الاستثمار في الأزمة السياسية، وغول الإرهاب التكفيري، ودور قوى دولية في تغذية ميدان الحرب بـ« الجهاديين» والسلاح والتمويل، كل تلك العوامل أدت إلى حالة إحباط عامة، وقلق شعبي عام، لم يجد أمامه سبيلاً إلا البحث عن الحلول بطريقته، فكانت الهجرة رغم كل مرارتها ومآسيها..


إرهاب اقتصادي اجتماعي..

اللافت للانتباه، أن الهجرة لم تقتصر فقط على المناطق المتوترة، التي تعتبر ساحة حرب، بل شملت أيضاً سكان المناطق الآمنة، وشبه الآمنة أيضاً، ليكون السبب هذه المرة حالة الإفقار الناتجة عن الاستمرار والإمعان في السياسات الاقتصادية الليبرالية، بما تعنيه ترك المواطن السوري تحت رحمة وحوش السوق، وتدهور المستوى المعاشي، وارتفاع معدلات الفقر، وصولاً إلى الموت جوعاً في بعض المناطق السورية، جاءت لتكمل فصول المأساة السورية، وتعطيها زخماً جديداً...


بين الحل الإنساني.. والحل السياسي؟

لاشك أن مشكلة النزوح، هي إحدى التجليات الأساسية لاستمرار الأزمة السورية، وهي في الوقت نفسه ذات بعد إنساني، ولكنها تبقى جانباً من الجوانب، وهي نتيجة لأزمة وطنية عامة، وبالتالي فإن أي حل حقيقي لأزمة اللجوء والنزوح الجماعي، خارج إطار حل الأزمة بشكل عام،  ما هو إلا وهم، يضاف إلى سلسلة الأوهام التي فرضتها  وسائل الإعلام، بمعنى آخر، فإن تفعيل الحل السياسي والإسراع به، يشكل الخطوة الفعلية ليس للحد من ظاهرة اللجوء، وإيقافها فحسب، بل حتى لإعادة المهجرين أيضاً.
إن هذا الاهتمام الإعلامي غير المسبوق بمشكلة اللاجئين السوريين، يجب أن يوظف باتجاه دفع الحل السياسي إلى الأمام، بأبعاده الثلاثة، إيقاف الكارثة الإنسانية، وقف العنف، وعملية التغيير الجذري والشامل، لا كأداة للالتفاف عليها وتوظيف الكارثة من قبل القوى الدولية، لفرض ما يسمى المناطق الآمنة، أو غيرها من المشاريع، التي تندرج في إطار تعميم الفوضى الخلاقة الأمريكية، كما كان عهدنا بهذه الدول.

وريع اقتصادي أيضاً

كانت «قاسيون» قد نشرت في عددها رقم «716» دراسة تبين فيه بالأرقام، الريع المالي التي تجنيه، الدول التي على خلفية دورها الإغاثي السورين، في محنتهم الإنسانية
بلغ عدد اللاجئين السوريين في الخارج 3،9 مليون سوري، ويتوقع أن يصل عددهم إلى 4،2 مليون سوري مع انتهاء عام 2015.
6% من هؤلاء طلبوا اللجوء في أوروبا: 270 ألف سوري.
45% من اللاجئين السوريين في تركيا: 1800 ألف سوري.
3،7 مليار يورو= 4 مليار $
مجمل ما أنفقته دول الاتحاد الأوروبي من مساعدات على قضية اللجوء السوري منذ بداية الحرب.
5 مليار دولار كان من المفترض أن توزع خلال عام 2015، كمساعدات للدول التي تستضيف السوريين، حصة الأتراك منها هي الأكبر2،2 مليار دولار تقديرياً وفق نسبة 45% من عدد اللاجئين.
هل الاتحاد الأوروبي وتركيا خاسرين من اللجوء السوري؟!
يشكل اللاجئون السوريون قوة عمل مدربة، وقابلة للاستغلال في تركيا، والاتحاد الأوروبي، فما هي العائدات التي سيحققها السوريين العاملين في تلك الدول.


الاتحاد الأوروبي:

+ 11،1 مليار دولار سنوياً إنتاج اللاجئين السوريين الوسطي لدول الاتحاد الأوروبي
عدد العمال من اللاجئين: 135000 عامل سوري-
وسطي عدد ساعات العمل السنوية:1557 ساعة عمل سنوية-
الناتج الذي يحققه العامل في الساعة: 53 $ ناتج في الساعة


تركيا:

+ 48 مليار $ سنوياً إنتاج اللاجئين السوريين الوسطي لتركيا
عدد العمال من اللاجئين: 900 ألف عامل سوري.
وسطي عدد ساعات العمل السنوية: 1855 ساعة عمل سنوية.
الناتج الذي يحققه العامل في الساعة: 28،9 $ ناتج في الساعة.
*بفرض نصف اللاجئين يعمل فقط، وبفرض أنهم يعملون كما يعمل العمال الأوروبيون أو الأتراك وليس بساعات عمل سنوية أعلى، أو بضغط عمل أكبر يحقق إنتاجية أعلى للعامل.
يفترض الإشارة إلى أن الكثير من السوريين يعملون في (العمل الأسود) أي اقتصاد الظل في دول الاتحاد الأوروبي، أما في تركيا، فعمالة الأطفال، والعمل لساعات طويلة وبأجور منخفضة هو السمة العامة لتشغيل اللاجئين، ما يدل على أن التقديرات الفعلية لحجم الناتج الذي تحققه الدول المضيفة للاجئين، من عملية اللجوء هو أكبر من ذلك.
مليار $ من السوريين إلى الاقتصاد الأسود
إن حوالي 270 ألف لاجئ سوري إلى أوروبا انتقلوا عبر طرق التهريب، في عمليات أدت إلى موت كثير من السوريين غرقاً، وتعرض الكثير منهم لعمليات النصب والسرقة، والتعنيف.
إلا أن عمليات التهريب قد كلفت اللاجئ السوري بالحد الوسطي: 4000 دولار.
270 ألف لاجئ سوري × 4000 $ تهريب= 1 مليار $ إضافية مسحوبة من أموال السوريين إلى الاقتصاد الأسود التركي والأوروبي.
أما اللجوء السوري في لبنان والأردن فيحقق عمالة رخيصة، ومصادر نهب من المساعدات الدولية تفضحها شروط عيش اللاجئين السوريين حيث  55% من السوريين في لبنان، و 86% من السوريين في الأردن تحت خط الفقر..
9،1 مليار دولار مجموع مساعدات المانحين للاجئين السوريين حتى عام 2015.
ينتج نصف اللاجئين السوريين في تركيا فقط خلال عام واحد: 5 أضعاف ما قدمه العالم من صدقات ومنح خلال حربهم!


مفارقة..

ينتج السوريون في تركيا والاتحاد الأوربي أكثر من 59 مليار دولار سنوياً، بينما اللاجئون السوريون مهددون اليوم بتقليص مساعدات الغذاء بسبب فجوة في التمويل بمقدار 3 مليار دولار تقريباً.
59 مليار دولار سنوياً من العمل السوري
9،1 مليار دولار مساعدات 4 سنوات