تعاون من نوع آخر.. ولأهداف أخرى!

تعاون من نوع آخر.. ولأهداف أخرى!

تلقت أوساط مختلفة إعلان روسيا نيتها العمل من أجل تعاون إقليمي «غير تقليدي» لمحاربة الإرهاب، يضم كلاً من سورية والسعودية وتركيا والأردن، بشيء من الدهشة وبكثير من الترقب والحذر..

إنّ المتابع الجدّي لمجمل التغيرات الدولية والإقليمية والسورية، لن يصعب عليه فهم الخطوة الروسية، سواء لجهة مقدماتها الضرورية، أو لجهة غاياتها النهائية..
يمكن، استناداً للتحليل السياسي، تثبيت جملة من النقاط الأساسية التي توضح مقدمات وغايات الفكرة الروسية حول التعاون الإقليمي غير التقليدي، وهي:

أولاً: إنّ فشل «تحالف واشنطن» -المقصود بطبيعة الحال- في أداء المهمة التي أخذها على عاتقه، فتح الطريق أمام الاقتراح الروسي. رغم ذلك، وإن أردنا المضي نحو الأعمق، فإنّ مسألة الفشل هذه ليست إلّا المبرر الشكلي للدخول السياسي الروسي المباشر على خط محاربة الإرهاب في المنطقة، عبر فكرة التعاون الإقليمي، فحقيقة الأمور أنّ دخولاً من هذا النوع، ليس إلا خطوة إضافية في الترجمة السياسية للتوازن الدولي الجديد الذي تتراجع فيه واشنطن وحلفاؤها بوتائر متسارعة.

ثانياً: إنّ الانتقال من صيغة «تحالف دولي» إلى «تعاون إقليمي» محدود، يتضمن الفكرة الروسية غير المعلنة حول فصل الملفات بعضها عن بعض ومعالجتها بالتزامن، وذلك خلافاً لسياسة الحريق المتصل الشامل الأمريكية التي عملت بشكل واضح خلال أعوام متتالية على ربط الملفات- الحرائق ربطاً يجعل من كل منها مغذياً للآخر، بحيث لا تنطفأ النيران أبداً. كما أنّ هذا الانتقال يشكل خطوة عملية في الانتقال بالترجمة السياسية للتوازن الجديد من أطره الدولية العامة، إلى الأطر الإقليمية.

ثالثاً: إنّ فكرة التعاون المطروحة، تأخذ معناها ضمن سياقها المتكامل، وهذا ما يسعى البعض لإغفاله. السياق المتكامل يتكون من مسألتين متلازمتين: محاربة الإرهاب وإنهاؤه بالتزامن مع الحل السياسي (تنفيذ بيان جنيف)، وهذا ما ظهر واضحاً تماماً في كلام بوتين ولافروف وغيرهما من المسؤولين الروس. أي أنّ التحالف المزمع تشكيله بالتزامن مع إطلاق الحل السياسي، ينهي الجدل البيزنطي حول أي المهمات ينبغي الانطلاق بها أولاً: محاربة الإرهاب أم الحكومة الانتقالية، وذلك بإضافة التعاون الإقليمي هذا، كمؤسسة لمحاربة الإرهاب، إلى مؤسسة جنيف نفسها باعتبارها مؤسسة الحل السياسي في سورية، وهو ما سيعيد الاعتبار إلى ما كررناه مراراً من أنّ مهام محاربة الإرهاب وإيقاف الكارثة الانسانية وإيقاف العنف وإطلاق العملية السياسية هي مهام مترابطة ومتزامنة.

رابعاً: إنّ ارتباط فكرة التعاون الإقليمي بمؤسسة جنيف، يؤمن لمختلف الأطراف المتشددة المساهمة بالأزمة السورية، سلالم لتنزل عن أشجار التمترس حيث اعتلت وعلقت منذ فترة بعيدة. فحجم التورط السعودي والتركي والأردني ومعارضاتهم، ومن خلفهم الأمريكي بطبيعة الحال، في الأزمة السورية، وكذلك حجم تورط متشددي النظام السوري، يضع الجميع أمام معركة وجود بالمعنى السياسي! أي أنّ درجة تورط الأطراف المأزومة هذه تجعل من الإيغال في التورط خياراً بالنسبة لأقسام منها، وذلك دون أي اعتبار للكارثة الإنسانية السورية ولاستمرار إحراق سورية، وهذا كلّه يصب في خانة الجناح الفاشي الأمريكي والعالمي. ومسألة «تركيب السلالم» التي ذكرناها، تصب في خانة عزل الجناح الفاشي وتمظهراته المختلفة، وهو ما سيقدم في حال نجاحه خدمة كبرى للبشرية ككل، وللسوريين خصوصاً.

خامساً: إنّ الحديث عن أنّ التعاون لن يكون تعاوناً عسكرياً تقليدياً، يعزز الفكرة السابقة، فمعلوم لكل ذي بصيرة أنّ «داعش» ومثيلاتها، تصنيع أمريكي من حيث الأساس، وبدعم سعودي وتركي وأردني على الأقل. ما يعني أنّ قيام تعاون من هذا النوع سيسمح بوقف هذا الدعم وشلّه، بالتوازي مع تأمين مخارج سياسية لداعميه الإقليميين الذين بدأوا يتضررون منه، بما يسهم في تسريع عملية تطويق ظاهرة الإرهاب وإنهائها. وذلك بالتزامن مع إطلاق عملية الحل السياسي الداخلي في سورية، والتي تسمح بتأمين الحد الضروري من الوحدة الوطنية لمحاربة الإرهاب، والتي ستؤمن حال توفرها أساساً صلباً لسحق الإرهاب و«تنفيس البعبع» المنفوخ أمريكياً، والذي ساعد في نفخه وفتح المساحات أمامه، المتشدوون من الأطراف المختلفة.

سادساً: إنّ مجرد قيام تعاون بين الدول الأربعة، (سورية والسعودية وتركيا والأردن)، بإطار محاربة الإرهاب، يعني تأريض جميع الطروحات المتشددة المطالبة بـ«الإسقاط»، الأمر الذي يفتح المجال أمام مسألة الحل السياسي التي كانت تلقى ممانعة هائلة - مبررة ظاهرياً - من جانب رافضي «الإسقاط».
إنّ احتمالات نجاح فكرة التعاون الإقليمي المرتبط بإطلاق الحل السياسي، هي احتمالات عالية، وإنّ الضغط من أجل إنجاح هذه الفكرة هو مسألة ضرورية تستند إلى أمرين:
أولاً: إنّ عدم وقف الاستنزاف والكارثة الإنسانية في سورية، يعني مخاطرة كبرى ببقائها دولة موحدة أرضاً وشعباً. كما يعني مخاطرة أكبر بتحويل الإقليم كله إلى ساحة لحريق وحرب كبرى يستمران عقوداً.
ثانياً: إنّ مجرد الدخول في عملية الحل السياسي، يعني فتح الأفق لصوت الشعب السوري، الذي سيتكفل بتقليص شتى أنواع التدخلات السلبية في شؤون بلده- والتي بلغت مراحل عالية جداً- وصولاً إلى تصفيرها. ومن لا يثق بقدرة الشعب السوري وقواه الوطنية الحقيقية على فعل ذلك، فليس لديه ما يراهن عليه إطلاقاً، لا في الداخل ولا في الخارج.