الصحافة العربية تقرّ باجتماع موسكو واقعاً!

الصحافة العربية تقرّ باجتماع موسكو واقعاً!

بدأت الصحافة العربية والمحلية خلال الأسبوع الفائت بالتعامل مع اجتماع موسكو باعتباره أمراً واقعاً، وضمن صيغته الفعلية كلقاء تشاوري تحضيري على أساس بيان «جنيف-1»، وكانت هذه الصحافة ذاتها وبأغلب منابرها قد اشتغلت طوال الشهرين الماضيين على الترويج لـ«تصوراتها» الخاصة حول الاجتماع والتي أخذت أحد طريقين: فإما حديث عن «مبادرة» و«مؤتمر» عوضاً عن «اجتماع» وصولاً إلى نفي جنيف باعتباره أساساً، وإما «تنبؤات» متواترة بأن الاجتماع لن يقيض له الانعقاد.. وفي كلا الحالتين فإنّ متشددين من أطراف مختلفة داخلية وإقليمية ودولية اشتغلوا قدر استطاعتهم لمنع الاجتماع من الانعقاد وفشلوا حتى الآن. وليس انتقالهم إلى الإقرار بأنّه قائم إلا تكيفاً مع الأمر الواقع بحثاً عن طرق جديدة لنسف الحل السياسي عبر محاولة إفشال «موسكو» ما دام منع انعقاده غير ممكن. 

إعداد قاسيون
«موسكو بمن حضر»..!
في إطار متابعات الصحافة العربية، وطريقة تعاملها مع اجتماع موسكو ومستجدات هذا التعامل نقرأ في صحيفة الحياة السعودية الصادرة في لندن بتاريخ 5/1/2015: (أبلغ قيادي معارض «الحياة» أمس أن الخارجية الروسية تنوي عقد «موسكو -١» بين ٢٦ و٢٩ الشهر الجاري «بمن حضر» حتى لو اعتذر عن المشاركة عدد من قادة الفصائل المعارضة. كما نقلت بشكل مشوه عن القيادي في «جبهة التغيير والتحرير» مازن مغربية ما كان قد أكده في تصريحه لها من أن «هيئة التنسيق» عرضت مسودة الوثيقة على أطراف المعارضة بما فيها «الائتلاف» موضحاً أنها «ليست نهائية ولم نوقع عليها».
وتابعت الصحيفة نقلاً عن مصادر في المعارضة السورية (أن الخارجية الروسية وجهت دعوات خطية إلى ٣١ شخصية معارضة بينها ١٥ من داخل سورية بحيث يكون «لقاءً تشاورياً وتمهيدياً غير رسمي وغير ملزم وتقتصر مهمته على كسر احتكار الائتلاف للمعارضة» كما حصل في مفاوضات جنيف بداية العام الماضي وذلك «تمهيداً لاستئناف المفاوضات بين وفدي المعارضة والحكومة في جنيف-٣». ووجهت رسائل الدعوات إلى خمس شخصيات من «الائتلاف» برئاسة هادي البحرة وأربع من «هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي» ومنسقها العام حسن عبد العظيم وثلاث من «جبهة التغيير والتحرير» و«رئيسها» نائب رئيس الوزراء الأسبق قدري جميل، إضافة إلى ممثلين من أحزاب رخصتها الحكومة في السنتين الماضيتين مثل سهير سرميني ومجد نيازي ورجال أعمال وممثلين من المجتمع المدني).
وفي مكان آخر من مادة الحياة نقلت الصحيفة أنّ: (البحرة وعبد العظيم أبلغا موسكو اعتراضهما على توجيه الدعوات لشخصيات وليس للكتلتين وعدم وجود مرجعيات للقاء التشاوري، مطالبين اعتبار بعض المدعوين من دمشق مثل سرميني ونيازي «ضمن وفد النظام».) وأضافت نقلاً عن أحد مصادرها: (طلب عبد العظيم دعوة عشرة أشخاص من «هيئة التنسيق»، الأمر الذي ترفضه موسكو، ملمحاً إلى أن دمشق طلبت دعوة ممثلي أحزاب مرخصة من الحكومة. وأضاف المصدر: «لو حضر عشرة أشخاص فان لقاء موسكو سيعقد لأنه تشاوري وتمهيدي ولن يحصل فيه تصويت أو اتخاذ قرارات كبرى أو تفاهمات سياسية». وزاد: «هناك هدفان للمؤتمر: تغيير تمثيل المعارضة وكسر احتكار الائتلاف لها، واستئناف مسار مفاوضات جنيف).
معارضة «الداخل»
و«اجتماع القاهرة»
صحيفة السفير وفي مقال للكاتب محمد بلوط نشر في السادس من الجاري تحت عنوان «المعارضة السورية الداخلية تحجّم الائتلاف» تقول: (شقت المعارضة السورية الداخلية طريقها نحو استعادة المبادرة السياسية، وتحصين موقعها المركزي الذي يمنحها إياه إطلاق المسار السياسي مجدداً بمبادرة روسية، وإزاحة «الائتلاف الوطني» وصقوره من المشهد). وفي تناولها لاجتماع القاهرة الذي جرى تقديمه والتركيز عليه إعلامياً وبشكل مكثف خلال الفترة الماضية وما لبث أنّ انسحب من دائرة الضوء تقول الصحيفة: (لا تزال إدارة اجتماع القاهرة موضع خلاف بين أجنحة المعارضة. إذ لا أحد يدري من هو الأب الشرعي للاجتماع في القاهرة، فضلاً عن وجود أو عدم وجود مبادرة مصرية وراءه. وسيكون الأمر أصعب في الأيام المقبلة، بعدما أضاف خالد خوجة أبوته للاجتماع القاهري، إلى جانب «هيئة التنسيق» ومجلس العلاقات الخارجية المصري). وتتابع الصحيفة في توصيف الحال التي وصلت إليها تحضيرات القاهرة: (والحال أن موعداً نهائياً لهذا الاجتماع لم يحدد بعد، كما لم تر النور لوائح المدعوين التي ينبغي أن تضم 50 اسماً على الأقل). وعن علاقة مصر الرسمية بدعوات مؤتمر القاهرة والمسؤولية السياسية عنه تتابع الصحيفة: (وفي إطار النقاش عن أبوة الاجتماع نفسه يقول مسؤول في المعارضة السورية إن المصريين ليسوا المبادرين بل المضيفون لا أكثر لاقتراح طرحه وفد من «هيئة التنسيق» قبل عشرة أيام، خلال لقاء مع وزير الخارجية سامح شكري. أوكل المصريون إلى مجلس العلاقات الخارجية أمر تنظيم الاجتماع، الذي لن يمولوا بأي حال نفقات انعقاده، ويشترطون عدم حضور جماعة «الإخوان المسلمين» وأعضاء «إعلان دمشق». ويظهر المصريون بوضع الاجتماع تحت مسؤولية مؤسسة بحثية مستقلة، حذراً كبيراً من الاجتماع نفسه، وتحفظاً واضحاً على تبنيه، وإلا كانت الدعوات وجهت باسم وزارة الخارجية المصرية مباشرة).
تغييرات واستحقاقات.. وتهليل
أما في الأخبار اللبنانية، وفي مادة للكاتب صهيب عنجريني نشرت الثلاثاء الماضي تحت عنوان «قيادة متعددة الجنسيات لـ«الائتلاف» وظلّه» رصدت الصحيفة التحولات الجارية في ائتلاف الدوحة على خلفية اقتراب موعد اجتماع موسكو واستحقاقات المشهد السوري المترتبة بالمحصلة عليه، فقالت الصحيفة: (انتخاب خوجا حمل أيضاً إجابات حاسمة حول موقف «الائتلاف» من مؤتمر موسكو العتيد، فـ«الائتلاف غير معني بالمؤتمر»، وفقاً لرئيسه. ولا يُتوقع أن يؤثر هذا الموقف على مؤتمر موسكو جوهريّاً، فالدعوة الروسية في الأساس كانت قد أكدت تعاملها مع أشخاص، لا كيانات).
وفي سياق متابعة مواقف المعارضات السورية المختلفة من اجتماع موسكو تناقلت صحف متعددة بشيء من التهليل أخبار رفض جزء من المعارضة حضور الاجتماع، من ذلك مادة الكاتب طارق العبد في السفير اللبنانية المنشورة بتاريخ 9/1/2015 تحت عنوان: «المعارضة السورية ومؤتمر موسكو: مقاطعة.. ومشاورات» والذي أفرد أكثر من ثلثي مادته لنشر رأي تيار بناء الدولة الذي رفض حضور الاجتماع ومما جاء فيها: (أيام قليلة وينطلق لقاء موسكو التشاوري بين الحكومة السورية وشخصيات من المعارضة في الداخل والخارج، لكن جزءاً من الكيانات السياسية للمعارضة لا يبدو على وفاق مع الدعوة الروسية للقاء الذي سيعقد بمن حضر. وفيما يبدو قرار «الائتلاف الوطني» متوقعاً بالغياب، كانت المفارقة بقرار مماثل من معارضين في الداخل).

فضاء إعلامي قديم!
إذا كانت السنوات القليلة الماضية التي عاشها العالم العربي تثبت مقولة موت الفضاء السياسي القديم الذي لم يعد قادراً على التعبير عن الناس وتطلعاتهم وبداية ولادة فضاء سياسي جديد، فإنّ القياس نفسه يصلح على الإعلام.. فالصحف التي شكلت فيما مضى حوامل أساسية لمشاريع تحررية ووطنية كبرى، باتت اليوم بمعظمها ملحقة بالفضاء السياسي القديم، تتعثر بتعثره وتتخبط على وقع تراجعاته، فنراها تصنع بشكل يومي مصطلحات جديدة تحاول من خلالها تثبيت «مشروعية» الفضاء الميت، فتخلط الحابل بالنابل، وتنقلب ضد ما ناضلت من أجله عقوداً، فيغدو «الغرب الإمبريالي» محارباً للإرهاب، وتصبح معاناة الشعوب العربية نتيجة لتخلف تلك الشعوب نفسها وهذا التخلف هو نتاج «ثقافة» تلك الشعوب «الإسلامية» و«العربية»، ويصبح من الضروري القفز إلى الحاضنة الغربية «المتطورة والإنسانية والمتقدمة».. تقدم الطريقة التي تعالج بها مسألة الإرهاب نموذجاً واضحاً على هذا التخبط والضياع الفكري والأيديولوجي.. ولعل ارتفاع النبرة الباحثة عن «أيديولوجية جديدة» مؤخراً، تقدم مؤشراً على المحاولة البائسة التي تقوم بها بعض الصحف العربية المشهورة للالتفاف خلسة على مبادئها، محاولة تمرير ذلك دون انتباه أحد!!