«آسيا نيوز»: مشكلة اليساري الوطني أنه لا يستطيع القبول بكل النظام ولا بكل المعارضة

«يعتبر النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء في سورية واحداً من آخر الأوفياء لكارل ماركس في العالم العربي. المعارض الذي كان زعيماً لحزب منشق عن الحزب الشيوعي السوري (فرع بكداش) يعتبر أيضاً من أقرب المقربين إلى السلطات الروسية في فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وموقعه في عالم اليسار العربي محفوظ واحترامه في نفوس اليساريين الجذريين موجود أيضا ومحفوظ. مشكلة اليساري الوطني الأولى هي أنه لا يستطيع القبول بكل النظام السوري ولا يستطيع القبول بكل المعارضة، فكلاهما برأيه يملك ما يجب أن يبتعد عنه المرء ليبقى نقياً. في حوارنا معه يجيب على أسئلة صعبة بدبلوماسية وبشروحات يعرف الشيوعيون كيف يدخلون المستمع اليها ثم يخرجونه منها بسلاسة. فيما يلي نص المقابلة الهامة مع رجل غاب عن وظيفته بحسب المرسوم الرئاسي الذي عزله من منصب تركه هو بمحض إرادته في توقيت اختاره بنفسه فجاء مرسوم الرئيس في ٢٩ أكتوبر ٢٠١٣ كتحصيل حاصل».

بهذه المقدمة مهدت وكالة أنباء «آسيا نيوز» للحوار الموسع الذي أجرته الصحفية يارا أنبيعة مع د.قدري جميل عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير وأمين مجلس حزب الإرادة الشعبية ونشرته على موقعها يوم 29/11/2014، تحت عنوان «قدري جميل لـ«آسيا»: الشعب السوري سيحظى بالراحة قريباً!»، متناولاً مختلف جوانب الأزمة السورية ومستجداتها، ونعيد فيما يلي نشر أبرز ما جاء فيه.
نساند ونشارك بأي جهد لإنهاء الأزمة
ففي رده على سؤال حول الحلول التي يُعمل عليها لإنهاء الأزمة، بجهود روسية حالياً، وعن كون الحزب والجبهة جزءاً من ذلك أجاب د.جميل: «منذ بداية الأزمة ونحن نساند وندفع ونشارك بأي جهد مخلص، داخلي أو خارجي من الأصدقاء الحقيقيين للشعب السوري- وأقصد روسيا والصين وإيران- باتجاه إنهاء الكارثة الإنسانية التي كانت تتفاقم تباعاً على كاهل السوريين وصولاً إلى وضعها المأساوي الحالي. اليوم لا يوجد شيء أسمه مبادرة روسية أو حل روسي، وإنما استكمال للجهود الروسية الموجودة منذ اليوم الأول على قاعدة أن لا حل عسكرياً للأزمة بل حل سياسي متوافق عليه بين السوريين أنفسهم عبر الحوار الشامل حول كل القضايا بما يفضي إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل الذي يستحقه السوريون والذي أثبتت الأزمة ضرورته بما يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً. وإن القاعدة المتوافرة بين أيدي جميع الفرقاء اليوم هي بيان جنيف١ ومجريات وخلاصات جنيف٢ الذي تم إجهاضه أمريكياً».
التقسيم خطر يتفاقم احتماله مع غياب الحل
وحول ما إذا كان يرى أي احتمال لتقسيم سورية، أوضح جميل أن «التقسيم هو هدف أمريكي قديم ومعلن ولا يقتصر في استهدافاته على سورية، وإنما دول المنطقة برمتها. وإن هذا الخطر قائم كاحتمال كلما تلكأنا في إنجاز الحل السياسي المنشود وفي كسر حالة الاستعصاء والاستنزاف القائمة» معرباً عن اعتقاده بأن «إرادة الوطنيين السوريين وعموم الشعب السوري وطبيعة وتركيبة ومصالح المجتمع السوري، وكذلك مصالح أصدقاء سورية الحقيقيين ودول المنطقة وطبيعة الأخطار المستجدة انطلاقاً من الواقع السوري لا تسير باتجاه التقسيم بل باتجاه إنهاء الكارثة وإيجاد الحل، لأن أي تقسيم في حال وقوعه لن تتوقف آثاره وتداعياته عند سورية».
وحول ما إذا كان تعثر المفاوضات الإيرانية الأميركية يؤثر على الأزمة في سورية، وكيف، أجاب د.جميل: «لا اعتقد أن هذه المفاوضات تعثرت، بل قطعت أشواطاً للأمام ولكن تم تمديد إطارها الزمني بضغط من محور واشنطن-تل أبيب- الرياض الذين يقاومون المسار الموضوعي للملف» موضحاً أن هذا التمديد هو ما سينعكس على الأزمة السورية بحكم تشابك ملفات المنطقة. وأضاف أنه لا يمكن للأزمة السورية موضوعياً أن تبقى مفتوحة إلى أجل غير مسمى لأنه «يبدو أن مختلف الأطراف باتت جاهزة للتوجه إلى الحل، كل حسب أهدافها وأجنداتها بطبيعة الحال، ولكن لا مخرج آخر. وهذا يعني دون أية أوهام أن مختلف الأطراف ستحاول أن تحقق بالوسائل السياسية والتفاوضية الأهداف التي كانت تسعى إليها بالسلاح وعسكرة الصراع. وهذا بحد ذاته سينعكس انفراجاً بالنسبة للمواطن السوري العادي الذي يعاني ويستنزف على كل الجبهات والصعد».
«بريكس» صاعدة.. أمريكا آفلة
وعن مدى قدرة موسكو على لعب دور إيجابي في حل الأزمة السورية، أوضح جميل أن «روسيا ومعها دول بريكس هي قوة دولية صاعدة وتثبت حضورها الاقتصادي والسياسي والعسكري في مواجهة التفرد الأمريكي الكلاسيكي الآخذ بالأفول دولياً، في مختلف الملفات والقضايا، ومن بينها الأزمة السورية» مضيفاً أن «مشكلة بعض التحليلات أنها لا ترى هذا التحول في ميزان القوى الدولي، بل لاتزال أسيرة المعطيات السابقة على مدى العقدين السابقين عندما كانت واشنطن الآمر الناهي في العالم أو دركي العالم. ولكن موسكو التي تتبع سياسة هادئة وثابتة أعلنت مراراً وتكراراً أنها لن تنجر إلى التدخل المباشر في الصراعات القائمة، بحيث لا تحقق للأمريكي الآفل مبتغاه».
وتعقيباً على سؤال يتعلق بالدلالات الجديدة لتحذير لافروف من المنطق الأمريكي المنحرف والنوايا الأمريكية للإطاحة بالرئيس الأسد، قال د.جميل: «إن هذا موقف روسي قديم وثابت تجاه سبل حل الأزمة السورية وضرورة عدم وضع شروط مسبقة على الحل إذا ما أُريد إنجاحه» مضيفاً أن «موضوعة الإسقاط أو الإطاحة وكذلك موضوعة الحسم تجاوزهما الزمن ومجريات الأزمة ولم تعد واردة في أي طرح سياسي جدي اليوم لحلها».
وعما إذا كانت واشنطن ستستغل الضربات الجوية ضد أهداف للنظام والحكومة السوريين، قال أمين حزب الإرادة الشعبية «كلنا يعلم أن هدف واشنطن هو إسقاط الدولة السورية وتفتيت المجتمع السوري وإنهاء الوجود الجيوسياسي لسورية أكثر منه إسقاط النظام فيها، وعلى اعتبار أن الجيش العربي السوري هو من أهم مؤسسات الدولة السورية وهو الضامن بهذا المعنى للوحدة الوطنية السورية فهذا الخطر قائم، ولاسيما أن التحالف الأمريكي قائم كخطوة منفردة وخارج إطار الشرعية الدولية».
لا شروط مسبقة لدينا..!
ورداً على سؤال حول طبيعة الاتصالات مع قوى معارضة أخرى حالياً أوضح جميل: «منذ البداية لم يكن لدينا أي شرط مسبق على اللقاء مع كل القوى سواء في النظام أم المعارضة بهدف تحقيق مستلزمات الحل السياسي في سورية وإنهاء الكارثة الإنسانية فيها على قاعدة ثلاثية وقف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية، وحينها ربما كنا الوحيدين في تقديم تلازم وتكامل وتسلسل هذا الطرح. وجاءت التطورات ومختلف مراحل الأزمة السورية لتظهر أحقية وموضوعية هذا الطرح وضرورة ابتعاد مختلف الأطراف عن النظرات والحسابات الضيقة وأن لا أفق أمام وهم شعارات «خلصت المؤامرة» أو «الجمعة القادمة سنسقط النظام»، أو محاولات بعض قوى المعارضة استلام السلطة عبر الاستقواء بالخارج أو محاولة متشددي النظام إعادة عقارب الزمن إلى الوراء». وأضاف «وعليه لدينا اليوم مذكرة تفاهم موقعة مع هيئة التنسيق للعمل الوطني الديمقراطي ومذكرة أخرى مع مجلس العشائر العربية وكما تعلمون جرى في موسكو مؤخراً لقاء بيني والسيد معاذ الخطيب الرئيس السابق لما يسمى بالائتلاف الوطني وسنواصل هذا الجهد بهدف إيجاد فرز حقيقي على أسس وطنية في ثنائية «نظام- معارضة» على أساس برامج، أي برنامج الخلاص من الأزمة وبرنامج العمل الوطني المتكامل سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً».
نزيف الشعب مستمر
وحول من هي الجهة/ الجهات  في المعارضة السورية التي تستطيع أن تحاور أو أن تفاوض الحكومة السورية ولازالت تؤمن بالحل السياسي، أضاف جميل: «استناداً لكل ما قلته سابقاً فمن لا يؤمن بالحل السياسي لن يكون له مكان لا في الخارطة السياسية السورية ولا في الوجدان الشعبي السوري. فالشعب السوري، رجالاً ونساءً وأطفالاً، ينزف دماً واعتقالاً وفقداً وخطفاً وحصاراً وجوعاً وبرداً ونزوحاً وهجرة وفقراً وغلاء أسعار.. فماذا ننتظر أكثر؟ المهم هو إطلاق الحل وكل البقية هي تفاصيل يجري التوافق عليها».
وعن ما هي الحيثية الشعبية الحقيقية في الشارع السوري لدى الحزب وجبهة التحرير والتغيير، قال جميل: «إن كان المقصود من السؤال هو عدد العضوية فيمكنني الحديث عن حزبنا، وهنا أطمأنك أن أعدادنا بازدياد. وبخصوص الجبهة والحزب من حيث درجة الشعبية فلا توجد إلى الآن في سورية ولم توجد سابقاً أية آليات لقياس الشعبية، أي مثلاً طرح البرامج والتنافس فيما بين القوى السياسية وإجراء الاستطلاعات وقياس الرأي وصناديق الاقتراع النزيهة والشفافة بلا أية شوائب. وأما فيما يتعلق بتناغم الشارع السوري، موالاة ومعارضة، مع طروحات الجبهة والحزب فيمكنني أن أطمأنك أيضاً أن خطها البياني يسير بالمحصلة في خط صاعد، لأنهما من أوائل القوى التي طرحت الحل السياسي الذي يجمع على ضرورته اليوم ٩٠ بالمئة من السوريين».
وعن كيف يرى د.قدري جميل مستقبل الأزمة في سورية، أجاب أن «الأزمة تسير موضوعياً نحو نهاياتها» محذراً «وإلا لن تكون هناك سورية بالمعنى الذي نعرفه جميعاً إلى اليوم. وما يعرقل هذا المسار الموضوعي هو قوى الإرهاب والتشدد أينما كانت في الداخل وفي القوى والأطراف الإقليمية والدولية المعادية لجوهر مصالح الشعب السوري».

رابطا اللقاء كاملاً على «آسيا نيوز» و«قاسيون»:
http://www.asianewslb.com/vdcf0edymw6dy0a.kiiw.html
http://www.kassioun.org/politics/item/11082-2014-11-29-09-30-25

آخر تعديل على الجمعة, 12 كانون1/ديسمبر 2014 20:59