«داعش» وخطر التفتيت..
هشام الأحمد هشام الأحمد

«داعش» وخطر التفتيت..

فجّرت الأزمة الاقتصادية الرأسمالية صراعاً دولياً حول شكل ومضمون النظام العالمي القائم. والميل العام بات واضحاً؛ أمريكا، والغرب الرأسمالي عموماً، نحو المزيد من الأفول، سياسياً واقتصادياً، في مقابل صعود قوىً دولية جديدة. فيما مثّلت منطقتنا مسرحاً رئيسياً وخطيراً لهذا الصراع إذ تشهد ظهور وتمدّد الفاشية بأبشع صورها.

مثّل تنظيم «داعش» البيضة الفاسدة التي تمخّض عنها الجسد الرأسمالي المتفسّخ. وليس بخفيٍ على أحد أن هذا النوع من التنظيمات نشأ وترعرع في كنف الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية، لكي يشكّل عثرة في وجه الخصوم والمنافسين الدوليين..
لقد عملت أمريكا على زرع بذور الفاشية في أفغانستان منذ أن بدأت تناقضات المنظومة الرأسمالية العالمية تفعل فعلها، أي في بداية سبعينيات القرن الماضي، تلك التناقضات أفضت بتراكمها إلى الأزمة العميقة والمستعصية الراهنة، التي أصابت اليوم المنظومة الرأسمالية ككل. واستخدمت أمريكا تلك الأدوات لكي تضرب بها خصومها الدوليين (الاتحاد السوفييتي في حينه)، واستمرّت وظيفتها في يوغسلافيا والشيشان والعراق. ولعبت دوراً كبيراً في العمل على إرساء مشروع «الشرق الأوسط الجديد» في منطقتنا، وذلك من خلال تفعيل مختلف التناقضات الثانوية، الطائفية والإثنية والقومية، للوصول إلى إعادة رسم خارطة منطقتنا، على أساس تقسيمها إلى دويلات طائفية متناحرة..
ومع بداية ظهور التراجع الأمريكي في ميزان القوى الدولي الجديد، ممثلاً بفشل التدخّل العسكري المباشر في سورية، أسندت الولايات المتحدة قسماً واسعاً من دورها إلى تلك التنظيمات، وكانت مهمتها في البداية تعطيل مسار الحلول السياسية في المنطقة، والتي يدعوا إليها منافسي أمريكا الدوليين، روسيا والصين. ومع استمرار الفشل في الحفاظ على الدور الأمريكي في المنطقة، بات الجهد الأمريكي منصباً على ترتيب وضع كارثي على المستوى العسكري والأمني، وعلى المستوى الإنساني، بحيث تَرِث الأطراف الدولية الصاعدة ملفات شائكة يطول حلها، وتعمل على استنزاف قواها سياسياً واقتصادياً.
من هذه الزاوية تحديداً، يمكن فهم مسألة تمدّد «داعش» في سورية والعراق، وحجم الدعم والتمويل الذي تتلقاه من الأطراف الإقليمية المرتبطة بالغرب، والتهويل الإعلامي المرافق في تغطية دورها. فـ«داعش» ليست إلّا ثمرة «الحلول» الأمريكية للأزمة التي يعيشها الغرب، والتي تدفع موضوعياً باتجاه المزيد من تراجعه على الساحة الدولية.
لم تكن «داعش» أولى القوى الفاشية التي شكّلت خطراً على المنطقة، سبقها ظهور العديد من القوى الفاشية في سورية المرتبطة بالغرب وأدواته الإقليمية. إلا أن الجديد الذي حملته «داعش» هو امتداد الأزمة إلى العراق، الغارق أصلاً في مستنقع فساد تركيبة حُكمه الطائفية، وحجم المخلّفات التي تركها الاحتلال الأمريكي. الأمر الذي يعني أن أمريكا مستمرة في توسيع خارطة الحريق في منطقتنا، بما يخدّم أهدافها المتوسطة والبعيدة المذكورة آنفاً. هذا التمدّد يشي بأن الباب لا يزال مفتوحاً، أمريكياً، أمام إشعال مناطق جديدة في المنطقة؛ بمعنى أن الخطر لن يشمل العراق وسورية فحسب، بل بلداناً أخرى، ضمناً التي تدور حكوماتها في الفلك الغربي، كالأردن وتركيا.
هذا التحدي الخطير الذي بات يواجه شعوب المنطقة، والذي لا يقتصر على «داعش» فقط بل يشمل كل الأدوات الأمريكية الإقليمية، بات يطرح تساؤلاً ملحّاً حول ماهية برنامج مقاومة المشروع الأمريكي وأدواته؟ وهل يتغير ملف مواجهة هذا الخطر من بلد إلى آخر؟
إن المواجهة الجذرية للخطر الأميركي على منطقتنا، نموذجاً مواجهة «داعش»، يتطلب من دول المنطقة وقواها السياسية وشعوبها السير في طريق معاكسة للمشروع الأمريكي التفتيتي: النضال من أجل وحدة شعوب الشرق في مواجهة التحديات بمختلف أشكالها، وما يعنيه ذلك من صياغة مشروع وطني جامع على مستوى شعوب المنطقة، والعمل على إيجاد الحلول السياسية لمختلف الانقسامات التي تعيشها المنطقة، ومن ثم إفساح المجال أمام المبادرات الشعبية والوطنية، وما يتطلبه ذلك من تنسيق على المستوى الشعبي والحكومي، للتصدّي للأدوات التفتيتية.