لا مضمون للحوار دون مشاركة الحركة الشعبية

لا مضمون للحوار دون مشاركة الحركة الشعبية

مع نضوج الظرف الموضوعي لبدء عملية حوار بين أطراف الأزمة السورية نتيجة، ومع صدور عدة إشارات بضرورة التوجه للحوار من بعض قوى المعارضة التي كانت ترفضه سابقا، تطرح مرة أخرى مسألة  الأطراف السياسية التي يجب أن تشارك بالحوار، من أجل ضمان نجاح عملية الحوار كأحد مداخل حل الأزمة الوطنية الكبرى. لا شك بأن مشاركة الحركة الشعبية بعملية الحوار هي ضمانة أساسية لنجاح عملية الحوار بتأدية وظيفتها، فمن هي الحركة الشعبية ؟ و لماذا التركيز على ضرورة مشاركتها ؟

من هي الحركة الشعبية

الحركة الشعبية هي كل فئات الشعب السوري المتضررة من بنية العلاقات الاقتصادية السياسية القائمة والتي دخلت حيز النشاط والفعل السياسي، بغض النظر عن موقعها من الاصطفافات السياسية الحالية، فالسوريون.. كل السوريين الكادحين هم أصحاب المصلحة الحقيقية بعملية التغيير الجذري والشامل.  عليه يجب النظر إلى الحركة الشعبية بافق رحب يتجاوز غبش الثنائيات الوهمية، فالفعل السياسي يتجاوز خندق «المعارضين» و خندق «المؤيدين» ليشمل الفعل السياسي لشريحة كبرى من السوريين الذين رفضوا الانضمام إلى أحد خندقي التطرف، ليشكلوا بذلك معارضة للفضاء السياسي القائم بكل مكوناته.

لقد خضعت، وتخضع، بنية الحركة الشعبية بكل مكوناته لتغيرات عدة، فالعديد من السوريين من معسكر «المعارضة» غيروا من طابع نشاطهم السياسي نتيجة حجم التدخلات الخارجية و تنامي ظاهرة التسلح حد تسيدها فلم يرضوا أن يتحولوا لمرتزقة أو وقودا لأجندات «الغرب الامبريالي». بالمقابل الكثير من أبناء الشعب السوري الذين أتخذوا موقف «المؤيد» للنظام لأسباب عدة في بداية الأحداث، أخذوا مسافة من الأخير نتيجة عدم نجاح اسلوب إدارته للأزمة مما ساهم بتفاقمها. أي انه يجري تغير اليوم في بنية الأصطفاف السياسي القائم والذي يتجلى بانفضاض شرائح متزايدة عن ثنائية معارضةنظام الوهمية.

لماذا الحركة الشعبية

إن مشاركة الحركة الشعبية بمختلف مكوناتها بعملية الحوار المرتقبة هي ضرورة لأسباب عدة أهمها :

-  الأزمة الوطنية العميقة هي نتيجة عدة عوامل أهمها استنفاد البنية السياسية والاقتصادية للنظام لدورها و تحولها لعبء على تطور قوى غالبية الشعب السوري، و هو ما دفع بجزء من أبناءه لاتخاذ الشارع وسيلة لتغيير هذا النظام و هو ما شكل الأرضية لنشوء الحركة الشعبية بكل مكوناتها ومتعرجات تطورها و إشكالاتها. دور العامل الخارجي في الأزمة يشتق من الأسباب الداخلية بغض النظر عن الطرف المسؤول عن «البداية»، فالذرائع لم تكن مسدودة أما دور القوى الامبريالية الغربية والقوى الإقليمية الدائرة في فلكها التي لم تسقط يوماً من أجنداتها السوداء. إذا الحراك الشعبي بمختلف مكوناته لن يتوقف قبل تحقيق التغيير الذي يحقق مصالح الأغلبية السورية الكادحة، هذه العملية التي من المفترض أن يكون الحوار أحد مداخل تحققها وهو ما ينقلنا إلى النقطة الثانية.

- إن تحقق وظيفة الحوار كأحد مداخل عملية التغيير الجذري والشامل يطرح مسألة انزياح التمثيل السياسي للأحزاب والقوى السياسية المعارضة منها و المؤيدة عن المصالح العميقة لقواعدها الجماهيرية. أي أن السؤال الذي يطرح : هل ستمثل القوى والأحزاب السياسية المشاركة في عملية الحوار مصالح جماهيرها المفترضة التي التفت أو مالت إليها أثناء الازمة ؟ بأحسن الأحوال سيتم تمثيل هذه المصالح بشكل جزئي و قاصر، إذ أن مستوى انزياح التمثيل السياسي وصل لأعلى مستوياته في سورية سواء بين القوى «المؤيدة» أو «المعارضة» نتيجة انحراف الاصطفافات السياسية على أسس غير وطنية تحت ضغط الدم و الإعلام. إن  قوى الفساد داخل النظام تتلاقى و جزءاً مهماً من قوى المعارضة من حيث البرنامج ، إذ أن كلتا القوتين يمتلكان برنامجاً اقتصادياً ليبرالي الطابع، بالإضافة إلى أن قوى الفساد مستعدة لتقديم تنازلات للأميركان، و جزء كبير من قوى المعارضة الليبرالية مرتبطة بشكل مباشر بالأميركان. إن هذا الانزياح بالتمثيل السياسي وانعكاسه على طاولة الحوار سيؤدي إلى تفريغ الحوار من محتواه و يؤرض وظيفته، لا بل قد يجعل منه منصة جديدة لقوى «الثورة المضادة».

- يضاف إلى ذلك واقع أن العديد من القوى المقدمة على أنها معارضة مرتبطة عضوياً بالمخطط الامبريالي الغربي الذي يريد أن يستمر الصراع بين السوريين أطول فترة ممكنة حد تدمير وحدة المجتمع السوري، و عليه فسيعرقل و يمنع القوى المرتبطة به من الذهاب إلى الحوار، أو سيأخرها بالطريقة التي سترفع التكاليف و منسوب الدماء قبل أن تقبل بالمشاركة بالحوار. الأمر الذي يبين ضرورة مشاركة  وكسب الحركة الشعبية بمكونها المعارض على طاولة الحوار من أجل توفير تجنيب السوريين الكثير من الدماء و الدمار.

إذا كان المزاج السياسي لغالبية قوى الشعب السوري الوطنية، و من ضمنها الحركة الشعبية بكل مكوناتها، تتغير باتجاه استيعاب أهمية الحوار كاحد أدوات الخروج من الأزمة، تبقى مسألة بلورة التمثيلات السياسية للحركة الشعبية من أعقد المهام التي لا بد للقوى الجذرية أن تعمل على تسريعها و إنضاجها.  فإذا كانت مشاركة مختلف مكونات الحركة الشعبية بالحوار هي ضرورة من أجل نجاحه، فإن الحوار بحد ذاته في حال جديته و إثماره سيلعب دورا مهما في تسريع بلورة الحركة الشعبية و إنضاجها وهو ما سيغني الحوار ويسهم بتثميره تغييرا يضمن كرامة الوطن و المواطن.