هل هو انهيار تدريجي؟..

هل هو انهيار تدريجي؟..

أصبح من الواضح أن هدف قوى اقليمية ودولية من دخولها على خط الأزمة السورية كان وما زال هو العمل على انهيار بنية الدولة السورية، وصولاً إما إلى نموذج الدولة الهشة« الصوملة» أو التقسيم إذا سمحت لها الظروف لاحقاً، و لاغرابة في ذلك طبعاً لأنه جزء من مشروع شامل ومعلن رأينا نماذجه الأولية في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق والسودان وليبيا..... مشروع يهدف إلى اعادة رسم خارطة المنطقة بالمعنى السياسي والجغرافي، لتأريض الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المراكز الرأسمالية العالمية

وإذا كانت قد فشلت حتى الآن في فرض ذلك على سورية لأسباب تتعلق بتوازن القوى الدولي الناشىء إلا أن قراءة الواقع الميداني يبين لنا بشكل واضح أن القوى المعادية تعمل للوصول إلى ذلك بالتدريج، فبعد المحاولات الفاشلة  للتدخل العسكري المباشر، بدأ التدخل غير المباشر عبر دعم المسلحين والعزف على الوتر الطائفي، والعرقي والديني، وبمحاولة تسويق قوى معارضة محددة وتعويمها وتقديمها كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري كأدوات تنفيذية.

إن واقع الحال في العديد من مناطق البلاد، وانكفاء مؤسسات الدولة عن القيام بواجبها، الاقتصادي الاجتماعي والخدمي، سواء كانت بالانسحاب نهائياً من بعض المناطق، وخصوصاً المناطق الحدودية، أو بانقطاع الاتصالات، أو عدم صرف رواتب الآلاف من العاملين لدى الدولة، أو عدم القدرة على تأمين مواد الاستهلاك الشعبي مثل الطحين والمحروقات، وتفشي حالات الخطف والجريمة... هي كلها عوامل يمكن أن تعتبر بمثابة مقدمات، لحدوث الفراغ، فالفراغ الذي حدث في دول أخرى بطريقة الصدمة يحدث في سورية بالطريقة التدريجية، مما يعني أنها بالتراكم ستخلق وضعاً نوعياً جديداً، وصولاً لمشروع الفوضى الذي تحدثنا عنه آنفاً، ولاسيما وأن انكفاء مؤسسات الدولة أدى بأبناء المناطق الحدودية إلى اللجوء لدول الجوار بحكم الأمر الواقع  لتأمين مستلزمات حياتها الضرورية اليومية، التي توظفها دول الجوار لغايات سياسية مشبوهة.

إن التنبيه إلى محاولات القوى المعادية لا يعني بحال من الأحوال الاكتفاء بإلقاء المسؤولية على الخارج، و«كفى الله المؤمنين شر القتال»، كما تفعل بعض أوساط الموالاة، فتلك القوى الدولية والإقليمية والداخلية المتواطئة معها هي قوى معادية على طول الخط، وليست الغرابة أنها تفعل ذلك، بل الغريب نسيان هذه الحقيقة وتجاهلها وعدم العمل على إجهاضها، إن تعاطي القوى المتشددة في النظام – بغض النظر عن نياتها - حتى الآن رغم كل الضجيج عن المؤامرة والتدخل الخارجي، ساهم في تهيئة الأرضية لمثل هذا الوضع الناشىء، فالعناد والمكابرة والاستمرار في محاولات الحسم أنهكت بنية الدولة، واستمرار هذا الانهاك ليس له معنى واحد وهو انهيار تدريجي لبنية الدولة الأمر الذي يلقي على عاتقها مسؤولية لاتقل عن مسؤولية تلك القوى التي تخطط للاجهاز على سورية كدور ووحدة جغرافية وسياسية.

إن أفضل وسيلة اليوم لاجهاض محاولات تنفيذ مشروع القوى المعادية تكمن في الإسراع بالحل السياسي، عبر حوار جدي علني وواضح ومباشر، الأمر الذي من شأنه أن يزج أغلبية الشعب السوري في المعركة الدائرة وتكوين وحدة وطنية حقيقية  تمكنه من الحفاظ على وحدة البلاد وسيادته، وتقرير مصيره.