من الذاكرة : من جرب المجرب...

من الذاكرة : من جرب المجرب...

الهجوم على التفكير العقلاني، ورفض الخلاف والتعددية قديماً وحديثاً يمثل أساساً من الأسس التي يقوم عليها مفهوم القوى الظلامية التكفيرية، ولن تخفيهم البراقع والأقنعة والادعاءات الخلبية

وباستعراضنا لسلوك ومواقف الإخوان المسلمين نتبين هذه الحقيقة الصارخة، فعداؤهم  للتقدم والتقدميين عداء سافر من يوم ظهورهم على الساحة، والشواهد الكثيرة تفضحهم بدءاً من هجومهم  الغادر على مكتب حزبنا الشيوعي السوري عام 1947، وجريمتهم بقتل رفيقنا العامل حسين عاقو وجرح آخرين، إلى محاولاتهم المحمومة مع بقية الرجعيين في مجلس النواب للوقوف في وجه المد الوطني التقدمي عام 1954، إلى سعيهم في أن يحلوا محل نواب شغرت مواقعهم في كل من دمشق وحمص، لتغيير الخط الديمقراطي العام لتطور سورية عن طريق الاعتماد على تشتيت وإفشال الجبهة الوطنية وتحطيم التحالف بين الجيش والشعب، وسعارهم إثر هزيمتهم، وفوز قائمة الجبهة الوطنية في  انتخابات عام 1957 - وقد اعتبر الحزب الشيوعي السوري هذا الفوز ليس انتصاراً له فقط بل لسائر القوى الديمقراطية في البلاد – إلى المجازر التي ارتكبوها في عام 1979 وما تلاه واغتيال الكثير من الكوادر الوطنية  السياسية والعلمية ، ومنهم عدد من الرفاق. ومن الذاكرة أستعيد أحد الأحداث الكثيرة التي تكشف تسترهم  باطلاً خلف التأسلم لمحاربة وقمع القوى الوطنية التقدمية، ففي  مدينة جرابلس على الحدود مع تركيا منتصف العام الدراسي 1969-1970 وقبيل نهاية رمضان بيومين كنت في غرفة إدارة ثانوية جرابلس مع مديرها الأستاذ محمد عبد السلام حين دخل مدرس اللغة العربية خير الله السباعي شقيق المرشد العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي، ليخاطب المدير بانفعال: يجب عقد مجلس المدرسين لمناقشة مسألة هامة، فأحد المدرسين «هاجم الدين» وهو مدرس التاريخ أثناء الدرس، فسألني المدير: ما رأيك ياأستاذ؟ فأجبت: برأيي أن لاشيء يستوجب الإسراع، نعقده بعد العيد. فقال وهو كذلك. وبالفعل اجتمعنا في غرفة الإدارة بعد العيد لنتبادل التهاني، وكان بين زوار الثانوية مدير المنطقة الرائد نزار وهو رجعي يتبرقع بادعاء الالتزام الحزبي، والأستاذ  جاسم مسؤول شعبة البعث وعدد من الموظفين في البلدة، حينما قطع المدرس خير الله جو المعايدات، وخاطب مدير الثانوية قائلاً: إن الدين مقدس، ولا يسمح لأحد أن يتطاول عليه، ومدرس التاريخ هاجم الدين في درسه، وفوجئ الحضور بتدخل مدير المنطقة قائلاً: هذا أمر خطير يجب التحقيق فيه، و جاء المشهد المعد مسبقاً والمرتب بخبث ليكهرب الجو، ويوتره، فنهضت لأقول بحزم وجلاء: هذا الكلام غير صحيح وهو مرفوض ومدان، فلا أحد هاجم الدين، والقضية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالدين، القضية بكل وضوح هي قضية سياسية محضة، فهناك رجعيون معادون للاشتراكية ويغيظهم النهج الوطني ووجود مدرسين تقدميين يتمتعون باحترام ومحبة طلابهم. وكان لكلامي وقع عنيف على  المتصيدين في الماء العكر، فسارع الرائد ليتفادى الإحراج والانفضاح وقال إن كان الأمر هكذا خصومة بين زملاء فلا بد من المصالحة، وأنا أدعو الجميع إلى مأدبة صلح على حسابي. وهكذا انطفأ فتيل فتنة حاولت مد عنقها. وبعد انتهاء هذا «الحفل» اقترب مني مسؤول الشعبة الحزبية، وصافحني بحرارة قائلاً: أشكرك فقد (فشيت خلقي)، فقلت له: كان الواجب أن تبادر أنت لحسم ذلك الموقف، فهذا كما أعرف دورك بصفتك المسؤول عن شعبة البعث في البلدة.