مغالطات كبرى..

مغالطات كبرى..

تتلقى الحركة الشعبية الضربات من جهات شتى، ولعل أخطر تلك الضربات وأكثرها أثراً هي تلك الأفكار التي تسعى نحو حرف الحركة الشعبية عن تأدية مهمتها التاريخية في بناء نظام سياسي جديد يحقق العدالة الاجتماعية ويقاوم المشروع الأمريكي- الصهيوني..

الإحباط وفكرة قدرة النظام على القمع والاستمرار

يبرر البعض فكرة التدخل الخارجي أو التساهل مع المظاهر المسلحة في وجه عنف النظام، بأنه طالما أن النظام قادر على القمع فهو قادر على الاستمرار، وفي ذلك اتفاق ضمني بين القامع والمقموع على الفكرة نفسها، الأول يعتقد بأن القمع سيوقف الحركة الشعبية، والمقموع يصدق. إن عدم  تنازل النظام يعني أحد أمرين، إما أن النظام لا يزال يمثل أغلب الفئاتالاجتماعية، وبالتالي سينعكس هذا على انحسار الحركة دونما أي حاجة  لشدة العنف، أو أن النظام وصل إلى ذروة ما يستطيع تقديمه سياسياً وبالتالي اجتماعياً، أي أنه فقد ذلك التمثيل، وبهذا فقد الشروط لاستمراره السابق، وما الحديث عن أن الدم هو محرك للاحتجاج إلا قراءة سطحية لعمق الأزمة وتبرير فاضح لزيادة الدماء كشرط لاستمرار الحراك. إن العلاج الأمنييعني عدم قدرة النظام على الاستيعاب السياسي، وليس كما تفسره النخب بأنه سلوك جيني، فكل الأنظمة البرجوازية هنا أو هناك بنيت على قمع الفئات الاجتماعية المسحوقة إلى حين رضوخها اللامستقر، (ولا أبلغ من مشاهد القمع الليبرالي في شوارع نيويورك صاحبة العلامة التجارية الحصرية في الديمقراطية، وأثينا أم الديمقراطية، وباريس أم الحرية،  كان ساركوزيأول من اطلق وصف الجرذان على ثوار الضواحي في باريس منذ حوالي الـ4 سنوات، والفارق في الدماء حتى هذه اللحظة لا يتعدى إلا الفارق الحضاري التاريخي، كالفارق بين معدل الدخل لدينا ولديهم، ومعدل القراءة والصحة والتعلم). إن الحل الأمني محدود نظرياً بإرادة الجماهير، وعملياً بعدم الرضا المتزايد نتيجة نزف الدماء، وبشكل رئيسي بعملية الفرز المستمرة داخلالنظام بين المنطق الأمني والمنطق الإصلاحي، وان أداة الفرز الأساسية هي سلمية الحراك. إن انحسار الحركة السلمية يترك ساحة الصراع للمسلحين من كل الجهات ويجعل التثمير السياسي مقسوماً بين القوى المتصارعة عسكرياً، وطالما أن الحركة الشعبية سلمية البنيان عضوياً والسلمية مطلوبة عملياً فما من مصلحة لها بالتسلح..

 

السلاح والخارج كأداة بيد الجماهير

 يستمد السلاح مبرراته من عنف النظام و وظيفته خنق الحركة الشعبية- وليس الدفاع عنها كما يرى البعض- وبالتالي تشويه الفضاء السياسي اللاحق، ومن الناحية العملية فهو ذو مصدرين أساسيين، أما الفاسدون في النظام أو تلك القوى الإقليمية والدولية وقبوله في صفوف الجماهير يؤدي إلى إدخال مصالح هذه الجهات ضمنا مع مصالح الحركة الشعبية رغم تناقضهذه المصالح (بمثال مبسط كيف تتفق مصالح اردوغان وحكومته مع مصالح ثوار سقبا الذين تظاهروا بدافع أساسي من تضرر مصالحهم جراء دخول صناعة الخشب التركية؟!! وقد سرب بعض الإعلاميين اللبنانيين أن اللقاء الأخير الذي دار بين الأسد واوغلو كان فيه طلب من اردوغان بإنهاء الاحتجاجات بأي شكل قمعاً أو إصلاحاً، كما مازلنا نتذكر أن اردوغان ظل منمعارضي الحظر الجوي على ليبيا، ليس حباً بالمدنيين، إنما تأميناً لمصالح البترول الليبي المتدفق إلى بلاده، البترول الذي يستخدم وقوداً لقصف معاقل الأكراد في جنوب شرق البلاد بدل الحوار معهم).. كما لا يمكن أن تتفق مصالح الفاسدين الذين يلعبون دور تجار الأزمات والذين كانوا سبباً أساسياً في الأزمة مع مصالح الحركة .. إن وظيفة السلاح بشتى أشكاله الحالية هياستنزاف جهاز الدولة وليس إسقاط النظام، أما عن حمايته للتظاهر فهي فكرة مبينة على خلط بين الحركة الشعبية والتعابير عنها، فالتظاهر هو وسيلة ضغط ميدانية وهو تعبير عن إرادة الحركة بزيادة الاحتجاج، والسلاح لا يؤمن إلا استمراراً لحظيا بأحسن الأحول ليعود الاعتقال لاحقاً، والاستمرار عن طريق السلاح يعطي تبريراً للنظام بسحق المتظاهرين بكافة أشكالهم(طبعا دون تبرير معالجة التسلح بالقمع.. إن التسلح ظاهرة ذات منشأ متعدد ولا تعالج بالرصاص المضاد فقط، طبعا إذا أراد النظام فعلا معالجتها) ..أما عن استخدامه كورقة ضغط فهو لا يراعي مطلقا منطق المسؤولية لا من ناحية تزايد نزيف الدماء ولا من ناحية تحميل الحركة الشعبية وقياداتها أمراً أكبر من قدراتها الفعلية على الضبط، مما يجعل السلاح أداة ليس بيدالحركة بل بيد الناطقين باسمها أو بالأيدي الإقليمية التي تعطي السلاح هذه الشرعية وتمده به وتضغط بثقله على كل السوريين..                                                                  

إن الحركة الشعبية بصراعها السلمي مع جهاز الدولة تولد تناسبا جديدا  يسمح لمصالحها بتمثيل ما، ينعكس بقدر معين داخل جهاز الدولة، وهكذا دواليك يبنى الفضاء السياسي الجديد. التسليح أو التدخل يفرضان على الحركة الشعبية ضرب جهاز الدولة والذي يشكل رغم كل علله واختراقاته أحد عوامل المناعة في واقع التغيير المشرع أمام القوى الإقليمية والعالمية للتأثيربه، فاستخدام الخارج ما هو إلا إدخال تناسب جديد  لقوى اجتماعية أخرى من خارج الدولة، وبهذا الشكل تتعقد عملية التغيير بتداخل المصالح المختلفة في سورية وخارجها (لبنان والعراق المتمتعين بجهاز دولة ضعيف وهش نموذجا، إذ تحتاج تشكيل حكومة كل من البلدين إلى مشاورات ماراتونية لإرضاء مصالح متناحرة كمصالح أميركا وفرنسا والخليج وإيران وسوريةوالقوى الدينية والقومية والطائفية، مما أدى إلى عدم نهوض العراق المتمتع بثروات هائلة رغم توقف العمليات العسكرية الأساسية منذ حوالي 8 سنوات، ناهيك عن الويلات الأخرى كالتطرف والعنف والصراعات الطائفية).

 

الحوار

 تظل هذه الفكرة من حيث الجوهر التعبير الجدي والوحيد حاليا عن ميزان القوى الجديد، وهو الأداة الأمثل في ظل تعقيدات الصراع المعولم للضغط على النظام. إن مهمة تأمين مناخ جدي للحوار- ابتداءً من إقناع الأطراف الأساسية به، وخاصة الحركة الشعبية، ووصولاً إلى تأمين الأجواء من وقف نزيف الدماء والإفراج عن المعتقلين وإدانة العنف والعنف المضاد ورفضكل أشكال التدخل الخارجي- هي المهمة الأساسية لكل الأطراف، فما زج السلاح والخارج إلا محاولة لفرض طاولة حوار أخرى يكون فيها الخارج ممثلا، فمن يقرأ التاريخ القريب والبعيد يعرف أن الحوار هو منتهى كل الصراعات. وما النموذج الليبي أحدث النماذج في التغيير إلا الشكل الهزلي لفكرة إسقاط النظام التي استدعت الخارج لإسقاط الدولة، فزال منها هذر القذافيليستبدل بهذر عبد الجليل وشلقم وجبريل وخلفهما السيد القديم الجديد. إن من لا يريد الحوار حالياً يغيب ضمناً ميزان القوى الجديد وحق الحركة الشعبية في الوجود، أي أنه الخوف من هذه الحركة ومصالحها الضائعة في أزيز الرصاص المفروض الذي يجعل التناسب عسكريا بين قوة النظام والقوى الإقليمية أو وكلائها،  فيكبت صوت الحركة وصولاً إلى سحقها.