الحل السياسي.. من الدفاع إلى الهجوم

الحل السياسي.. من الدفاع إلى الهجوم

تتراكم يوماً بعد آخر تغيرات دولية تسحب البساط السياسي أكثر فأكثر من تحت الآلة الحربية الأمريكية-الأوروبية، والتي تتداعى منذ سنوات قاعدتها الاقتصادية المأزومة، وتجذبه نحو مركز ثقل الحلول السلمية للأزمات من جانب روسيا الاتحادية، نواة «القطب الشرقي» المنتفض من رماد الخسارات القديمة

والأزمة السورية لأنها مدوّلة في زمن هذه التغييرات، فإنها خاضعة حكماً في طريقة حلّها إلى الاتجاه العام لحلّ الأزمات، الذي بدأ يفرض بالملموس وفي أكثر من بقعة من العالم، ميله المتزايد نحو الحل السلمي السياسي على حساب تراجع وإحباط  مستمر للمغامرات العكسرية التي يربط المصرّون عليها أنفسهم موضوعياً، شاؤوا ذلك أم أبوه، عن عمد أو جهل، بمشروع المنظمات «الفاشية الجديدة»، الإرهابية، المتنوعة الأشكال، من النازيين الجدد في أوروبا، إلى الحركة الصهيونية، إلى «القاعدة» في الدول العربية والإسلامية، وصولاً إلى المرتزقة الممولين من رؤوس الأموال المحلية الفاسدة المرتبطة بالاحتكارات المركزية العالمية، والتي تُفهم جميعاً بالمعنى الاقتصادي-السياسي بأنها الشركات البنات التابعة لـ «كونسيرن» مركزي عالمي واحد مكوّن من اتحاد لحفنة من أصحاب الرأسمال المالي.
مثلما كان التدخل العسكري غير المباشر في الأزمة السورية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الإقليميين بالأدوات «القاعدية» المدعومة من قبلها بالسلاح والمال، كان دليلاً ومؤشراً على ضعفها وعجزها عن تحقيق أهدافها الجيوسياسية في سورية عبر طرق سياسية أو سلمية بحتة. فإنّ العدوان الجديد والتدخل الإرهابي المدعوم مباشرة من الوكيل التركي للولايات المتحدة - والمأزوم داخلياً مثل سيّدته -  في سورية من منطقة «كسب» في اللاذقية هو مؤشر لا يدل على قوة بل على ضعف معسكر الفاشست الأمريكيين-الأوروبيين ومحاولة يائسة منهم بأن يعدلوا في سورية ما انقلب عليهم من سحر تدخلهم العسكري في مناطق أخرى في العالم ولاسيما في أوكرانيا والقرم مؤخراً. وخاصة أنّ هذا التدخل يأتي قبيل انعقاد متوقع ومنتظر للجولة الثالثة لمؤتمر «جنيف2» من أجل حلّ الأزمة السورية، ولو كان ميزان القوى لمصلحة الفاشست الأمريكيين وأدواتهم لما أقدموا على هذه المغامرة العدوانية.
ولذلك ينبغي على جميع القوى الوطنية التعامل مع هجمات عدوانية كهذه بطريقة دقيقة وواعية تعمل على إفشالها وصدّها بما يلزم من الدفاع بالقوة العسكرية الشرعية لمؤسسة الجيش العربي السوري، ولكن في الوقت نفسه بالتزامن والتكامل مع عدم الانزلاق بما ينصب للسوريين من شرك إجهاض أو تأجيل حركة التسويات والهدنات السلمية وتوسيعها على جميع بقاع الوطن، والخطوات الإيجابية لتهدئة الأجواء الداخلية وتهيئة الشروط الضرورية لإنجاح الجولة الثالثة من المؤتمر الدولي، في جسر الهوة بين السوريين وإيقاف جميع أشكال التدخل الخارجي في مصيرهم وإطلاق العملية السياسية السلمية. والإجراءات التمهيدية المطلوبة لم يعد كافياً اقتصارها على الجانب الأمني البحت، بمعناه الضيق، فالمواطنون السوريون اليوم لا يموتون ويجرحون فقط بنيران الأسلحة فقط، بل يقتلهم ويشردهم أيضاً الجوع والتهجير وتغول الفاسدين الكبار الذين لا يقلّون خطورة عن الأعداء الخارجيين، وتعتبر الحرب ضدّهم من وجهة النظر الوطنية على قدم المساواة مع صدّ الإرهابيين من الخارج.
إذا كان العدوّ يتراجع وبدأ يكثر من أخطائه وتخبطه، فعلى الوطنيين الاستمرار في ملاحقته والانتقال من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وأدوات الهجوم الناجحة بالمعنى الجذري اليوم وفي ظل التوازن العالمي الحالي، لها ترجمة محددة، وهي أدوات النضال السلمي والسياسي، وبوصلتها محددة الاتجاه بدقة، فأي ممر آخر لأية قوة سياسية سورية غير المضي إلى جنيف2 على أساس الحزمة الكاملة التي لا تتجزأ من «إيقاف التدخل الخارجي، ووقف العنف الداخلي، وإطلاق العملية السياسية»، ستعرض تلك القوة لجراح الخوض في أحد الممرين الآخرين الشائكين: إما الاستمرار في ممانعة استحقاق التغيير الوطني للنظام بأبعاده الشاملة سياسياً واقتصادياً-اجتماعياً وديقراطياً، والتي لا تعطي سوى زيادة خسائر الشعب البشرية والمادية وتهديد وجود سورية ككيان جغرافي سياسي موحّد، أو الاستمرار في محاولة كسر جهاز الدولة واستجلاب «ديمقراطية» مزعومة على أجنحة «الفاشية» الأمريكية! كلّا.. فثمة طريق ثالث بعيدا عن الانتهازيين والفاسدين الموزعين بين «نظام» و«معارضة»، وهو الطريق الأكثر أمناً وواقعية وسلمية ووطنية، والأكثر استجابة لاستحقاقات التغيير ومطالب الشعب وطموحاته في الخروج من الأزمة وبناء مستقبله وتقرير مصيره، وقد أزفت اللحظة الدولية والداخلية المناسبة لانتقال طالبي الحل السياسي المناضلين على هذا الطريق من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم.

آخر تعديل على الإثنين, 31 آذار/مارس 2014 15:53