حتى لا ننسى.. لا حوار دون الحركة الشعبية!

حتى لا ننسى.. لا حوار دون الحركة الشعبية!

أكّدت الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير منذ تشكيلها على أنّ الأزمة الوطنية العميقة التي تمرّ بها سورية ليس لها مخرج آمن بالنسبة للشعب والوطن إلا عبر طريق واحد، هو طريق الحلّ السياسي السلمي الشامل والجذري، بحيث يقود إلى نظام جديد يصنعه الشعب.

كان الحوار وما يزال أداة أساسية لا بدّ منها للحلّ، ولكن وبعد تعقد الأزمة وتفاقمها عبر شهور، ارتفعت تكاليف الحلّ، وتمثّل ذلك ببروز الحاجة الموضوعية إلى إجراءات إضافية تسبق الحوار لكي تمهّد له وتخلق المناخ الملائم له، وهذه المهمة يفترض أن تضطلع بها حكومة وحدة وطنية واسعة الصلاحيات تؤمن حدّاً أدنى من المصالحة الوطنية وتهدئة الأجواء عبر إجراءات سريعة وملموسة، على رأسها وفي مقدمتها وقف العنف والمحاكمة العلنية للمسؤولين عنه أياً كانت مواقعهم، وإطلاق سراح الأبرياء السلميين المعتقلين على خلفية الأحداث، وتعويض المتضررين مادياً بشكل عادل دون التفريق بينهم تحت ذريعة موالاة أو معارضة.

وبما أنّ موازين القوى الدولية تمارس تأثيرها في الأزمة الداخلية السورية، وقد استقرت نسبياً على وضع يفتح فرصة تاريخية أمام خطوات الحلّ الآمن شعبياً ووطنياً في حال توافرت لدى أطراف الأزمة الإرادة الذاتية لذلك، وبما أنّ خطة أنان جاءت كتعبير عن هذا التوازن، فإنّ على جميع القوى الوطنية أن تبادر إلى المشاركة في بلورة الحلّ. ولمّا كانت إحدى نقاط مبادرة أنان تذكر الحوار، أعتقد أنه لا بدّ من التوقف عند الحوار العتيد، والإضاءة على بعض التفاصيل حتى لا يبقى فيها مكان للشياطين.

من هم أطراف الحوار؟

كانت الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير قد دعت إلى إجراء حوار وطني شامل يجلس فيه على طاولة مستديرة واحدة ممثلون عن جميع القوى السياسية والاجتماعية الوطنية من أطراف ثلاثة: النظام، والمعارضة، والحركة الشعبية السلمية ذات المطالب المحقّة.

إنّ التأكيد على ضرورة وجود تمثيل للحركة الشعبية في أيّ حوار، إنما ينطلق من رؤية للأزمة تنفض الغبار والتشوهات التي يحاول بوساطتها وبذريعتها أعداء الشعب في الداخل والخارج التغطية على جوهرها ومغزاها، من حيث هو بدء عودة الجماهير الشعبية إلى النشاط السياسي العالي، والتي اندفعت إليه الشعوب موضوعياً بعد وصول التدهور في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية حداً لا يطاق، وفي ظلّ عجز البنى السياسية التقليدية عن تلبية أيّ من احتياجاتها، ليس على الصعيد المحلي السوري فحسب، بل وعلى الصعيد العربي والعالمي، كأحد مظاهر حالة ثورية عالمية عامّة، تعصف بالكوكب الرأسمالي المأزوم.

عندما نقول حركة شعبية سلمية ذات مطالب محقة، ففي هذا توصيف موضوعي يؤكّد على وجود ناس ينشطون سلمياً للتعبير عن آرائهم بطرق سلمية ويرفعون مطالب محقة، يعبرون عنها بأشكال احتجاجية مختلفة، ليس فقط بالتظاهر والاعتصام والإضراب، بل وكذلك بالتفكير والقول والكتابة، والتي يعتبرها البعض ‹‹غير مشروعة›› بمعنى أنها غير معترف بها قانونياً، وهذه النظرة الحقوقية الضيقة تنسى أو تتناسى بأنّ القوانين والتشريعات كبنية فوقية إنما تأتي كانعكاس للواقع الاجتماعي واستجابة له، ثمّ مع تغيّر هذا الواقع وازدياد حاجاته ومطالبه تصبح التشريعات متخلفة ويجب طرحها جانباً ووضع التشريعات الجديدة التقدمية الملائمة للواقع الجديد. ولا بدّ هنا من توضيح أنّ المطالب المتطرفة التي تنادي بالتدخل الخارجي العسكري، وبالعنف والتسلح والتدمير والاقتتال الطائفي، لا يمكن تسميتها ‹‹مطالب محقة››، بعرف كلّ من ينطلق في الحكم الأخلاقي على ما هو حقّ وباطل من مصالح الشعب الحقيقية، فهي باطلة لأنها ببساطة ليست ‹‹شعبية››، حتى ولو رفعها أو مارسها جزء من المجتمع، سواء كان مقتنعاً بها أو مجبراً عليها تحت التهديد أو التضليل، وهو أمر طبيعي يصب في التشوهات والانحرافات التي تظهر على هوامش أيّ حراك شعبي عبر التاريخ، ولكنه يصبح مشكلة عندما يتمّ توسيع هذه الهوامش المتسخة على حساب المتن الأصلي النظيف، وهذا ما عملت وتعمل عليه القوى الإمبريالية وعملاءها في الخارج كجزء لا وطني من ‹‹المعارضة›› وكذلك قوى الفساد والقمع في الداخل كجزء لا وطني من ‹‹النظام››، بل ومن اللافت حقاً هذا التطابق في موقفهما من الحركة الشعبية، وتضخيم إعلاميهما للهوامش المشوهة لهذه الحركة، بحيث يجري إبراز هذه التشوهات على أنّها تمثل كامل الحركة والشكل الوحيد لها، في خلط واضح للأوراق بين الحرية والفوضى، يشبه الخلط التاريخي بين المقاومة والإرهاب، ولو أنّ أول هذين الطرفين يفعل ذلك من باب الذمّ والتخوين المطلق لكلّ حراك شعبي، من خلال تكرار السؤال غير العفوي وغير البريء غالباً: ‹‹هل هذه هي الحرية التي يريدون؟››، في مقابل الطرف الثاني الذي يفعلها من باب مدح التشوّه مصوراً كأنّ الشعب يريد إسقاط النظام ليستبدله بمشيخة تتعايش بذلّ مع الصهاينة، وتجلب كلاب أمريكا لتحكمها!؟

من الواضح إذاً أنّ المتطرفين في النظام والمعارضة والمجتمع يرفضون الحوار، وإن وافق بعضهم عليه لسبب ما فإنّهم يريدونه شكلياً، وسيحاولون إفراغه من مضمونه وإجهاضه، ومن هنا فإنّ وجود الحركة الشعبية السلمية المحقة كطرف أساسي في الحوار يعتبر ضامناً لعدم تحويله إلى منصة لأية تسوية سياسية على حساب الشعب أو ما وصفته افتتاحية سابقة لقاسيون باحتمال ‹‹ثورة مضادّة››.

إنّ بدء الحوار الوطني منوط بإنضاج مناخه وبجاهزية أطرافه، وهو أمر يتعلق بدرجة تطور الفرز داخل صفوف الجميع، بين من يريد حلاً وطنياً سلمياً دون تدخل خارجي في مضمونه، ومن يريد استمرار الأزمة ومخاطرها، ومن الواضح موضوعياً أنّ أنضج وأبكر فرز على هذا الأساس حتى الآن قد حدث في صفوف المعارضة السياسية، متمثلة بـ ‹‹ائتلاف قوى التغيير السلمي››، التي تعد الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير جزءاً أساسياً منه، والكرة الآن في ملعب باقي القوى الوطنية داخل المعارضة والنظام والحركة الشعبية، ممن لم يحسموا موقفهم.