د. جميل: لن نذهب إلى حكومة دون صلاحيات لأنها لن تتمكن من القيام بشيء

د. جميل: لن نذهب إلى حكومة دون صلاحيات لأنها لن تتمكن من القيام بشيء

ناقش أمين حزب الإرادة الشعبية الرفيق د.قدري جميل في لقاء مع إذاعة شام إف إم عدداً من الموضوعات، كان أبرزها الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية بعد ورودها في خطاب رئيس الجمهورية الأخير، وفيما يلي جوانب من اللقاء الذي بثته الإذاعة مباشرةً يوم الخميس 12 كانون الثاني:

- كل تأخير في الاستحقاقات.. يرفع الكلفة في المرحلة اللاحقة

- حكومة الوحدة الوطنية هي خير من ينجز انتخابات مجلس الشعب

- يقولون إننا نسير مع الروس.. وأقول إننا نحن من أحضر الروس

  

تطورات كثيرة حصلت خلال أسبوع، أبرزها خطاب الرئيس بشار الأسد على مدرج جامعة دمشق الذي تحدث خلاله بنقاط كثيرة، ووصفه المراقبون بأنه الخطاب الأشمل والأوضح تجاه الأحداث والأزمة السورية.. حيث أوضح الرئيس أنه يرحب بتشكيل حكومة موسعة تضم أطيافاً من المعارضة الوطنية، وقد قرأنا تصريحاً منك لصحيفة الحياة قلت فيه: يجب التعجيل بحكومة موسعة لأن الآجال الزمنية غير مفتوحة.. لقد غيرت المصطلح من حكومة وحدة وطنية إلى كلمة حكومة موسعة بعد خطاب الرئيس؛ ما الفرق بين المصطلحين خاصةً أن هناك كثيرين يتساءلون عن الفرق؟

إن التصريح المشار إليه في صحيفة الحياة لا أدري من أين حصلوا عليه، وهذا الكلام ليس كلامي، وقد صرحت لصحيفة الوطن السورية مؤخراً وهو موجود على موقع الصحيفة وموقع قاسيون، ويمكن التأكد من ذلك.. أما بخصوص الفرق، فالمقصود بحكومة الوحدة الوطنية هو أن الحكومات عادةً تكون حكومات الحزب الحاكم، بغض النظر عن وجود المادة الثامنة من عدمه، فبغياب المادة الثامنة تكون الحكومة حكومة الأغلبية البرلمانية، بمعنى آخر لم يحدث في التاريخ أن اشتركت المعارضة مع الحزب الحاكم في حكومة واحدة، إلاّ في أحوال استثنائية عندها تكون حكومة الوحدة الوطنية، فالأحوال الاستثنائية تستدعي من الحزب الحاكم والمعارضة أن يضعوا خلافاتهما حول القضايا المتعلقة بالسياسات والبرامج جانباً في حال كان هناك خطر على الوطن، وتفرض عليهما أن يتوحدا لإزالة هذا الخطر، وبعد زوال الخطر يمكن لهما أن يعودا إلى خلافاتهما، وبالتالي فإن حكومة الوحدة الوطنية لها علاقة بمستوى الخطر على البلاد، ولكنها من حيث تكوينها هي حالة استثنائية جداً وليست منطقية من حيث المبدأ.

في الحالات التي يكون فيها خطر على الوحدة الوطنية في بلد ما، لابد من صياغة توافق لأن الذي يجري يكون أهم من المعارضة وأهم من الموالاة.

 

أين يمكن لنا أن نرى حكومة وحدة وطنية، ما الأمثلة وما الدول؟

خلال فترات الحروب يتم تشكيل حكومات وحدة وطنية، حيث تتجاوز الأحزاب خلافاتها حول البرامج بينها، ويتم تأجيل هذه الخلافات وليس إلغاؤها، فعندما نقول حكومة وحدة وطنية فهذا لا يعني أننا لا نختلف مع النظام، ولكن الخطر على البلاد يدفعنا للبحث عما ينقذ سيادة البلاد وينقذ الوحدة الوطنية، وبالتالي نبحث عن توافقات وقضايا مشتركة حتى مع النظام للوصول إلى هذا الهدف النبيل، وبعد انتهاء الخطر يذهب كل منا في سبيله، وطالما أن المطلوب هو المصالحة الوطنية كما أشار الرئيس في خطابه، فهذا يدل على وجود مشكلة.

 

كيف ذلك؟

ماذا تعني مصالحة وطنية؟ بين من ومن ستكون المصالحة الوطنية؟ المصالحة عادةً تتم بين فريقين على خلاف، أي إن هناك مشكلة، ونحن رأينا في حزب الإرادة الشعبية وفي الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير أن حكومة الوحدة الوطنية هي اسم على مسمى، فهذا الاسم ينطبق مع محتوى مهمات هذه الحكومة، أي هناك تطابق بين الشكل والمضمون.. ثم إن فهمي لخطاب السيد الرئيس مختلف عن فهمك له، فقد فهمت أنه يدعو لمناقشة الموضوع وأنه ليس ضد كلمة حكومة الوحدة الوطنية في نهاية المطاف، ولذلك فإننا نناقشها، ويمكن لحكومة الوحدة الوطنية طبعاً أن تكون مصغرة أو موسعة، وهذه قصة أخرى، وهذا لا علاقة له بتوصيف هذه الحكومة.

 

أي تقول إن الحكومة الموسعة لا تتعارض مع حكومة الوحدة الوطنية؟

 

قد لا تتعارض وقد تتعارض، فلأقل هذا: لماذا مطلوب الآن حكومة وحدة وطنية؟ إنها حكومة استثنائية وهي مطلوبة لأن الوطن في خطر، وبالتالي فإن صلاحيات هذه الحكومة يجب أن تكون استثنائية، ومهماتها كذلك، وطالما أن صلاحياتها ومهماتها استثنائيتان، فهذا يستدعي أن يسمح لها تكوينها بمرونة عالية وسرعة عالية بالعمل وبفعالية عالية، لذلك وبما أن هناك خطراً، وأن هذه الحكومة يجب أن يكون لها صلاحيات وأن تكون فعالة فأعتقد أن العدد الكبير لن يفيدها بل سيضرها، أي إن توسيع هذه الحكومة يذهب في تناقض مباشر مع توسيع صلاحياتها، إلا إذا كان المقصود من توسيعها هو تصغير صلاحياتها.

 

وهذا ما لا تود حصوله؟

ما زلت أضع كل الاحتمالات، وأناقش الموضوع، فالتجربة فريدة من نوعها، وقد دخلت سورية بفضاء سياسي جديد يسمح حسب اعتقادي بمناقشة هذه الأمور حتى مع سيادة الرئيس عبر شام إف إم، لأن النقاش هو صراع صحي للآراء يولد الجديد.

 

لقد قال الرئيس بختام هذه الفقرة من خطابه إن هذا تصوري وأنا مستعد لسماع كل الآراء..

سأقول وجهة النظر التي تمثل وجهة نظري المعبرة أولاً وأخيراً عن وجهة نظر حزبنا حزب الإرادة الشعبية ووجهة نظر الجبهة الشعبية؛ لماذا نريد حكومة مصغرة سياسية؟ لأننا نريد حكومة فعالةً وسريعةً ومرنة.

 

ماذا تفترض أن يكون بها من حقائب إذا كانت مصغرة؟

كل الحقائب.

 

إذاً، كيف مصغرة؟

تضم هذه الحكومة من 10 إلى 20 وزيراً توزع عليهم كل الحقائب.

 

أي قد يتولى الوزير أكثر من حقيبة؟

نعم، ولذلك يجب أن يكون الوزراء سياسيين، ولكن أيضاً فإن الحق مع الرئيس، فهذه الحكومة وإن كان فيها سياسيون هناك قضايا تكنوقراطية تحتاج حلولاً.

 

قال أيضاً يجب أن يكون هناك سياسيون وإداريون!

إن خلط السياسيين بالإداريين قد يخفض فعالية الحكومة، وهذه مشكلة، ولذلك أنا أقترح رسمةً إضافية لتطوير الفكرة التي تحدث عنها السيد الرئيس؛ إن تعيين رئيس الوزراء والوزراء ونواب الوزراء في سورية حسب الدستور يتم بمرسوم من رئيس الجمهورية، وفي دول أخرى وبما أن الوزارات سياسية والوزراء سياسيون فإن تكليف الحكومة ومرسومها يتضمن وزيراً سياسياً ونواباً له، وأرى أن علينا القيام بالأمر نفسه في سورية، بحيث يكون لدينا حكومة موسعة تضم السياسيين والتكنوقراط من أجل حل الأمور الجارية التكنيكية والتكنوقراطية، وحكومة مصغرة سياسية تأخذ القرارات السياسية المتعلقة بحل الأمور السياسية، فحتى القضايا التكنيكية لا يمكن فصلها بشكل نهائي عن القضايا السياسية.

أعتقد أن هذه الخلطة هي المناسبة في الظروف الحالية التي تعيشها سورية، فلا نكون قد وسعنا الحكومة لدرجة أن تفقد خيرها، ولا صغرناها لدرجة أن صارت غير قادرة على العمل، وإنما اخترنا خلط الطابقين الأول فيه السياسيون والثاني فيه التكنيكيون يجتمعون معاً لحل شؤون البلاد، والسياسيون يجتمعون فيما بينهم لحل القضايا المستعجلة التي تتطلب حلولاً عاجلة، ومن الشائع في بلدان كثيرة وجود حكومة مصغرة تأخذ القرار.

إن هذه القضية من الهام طرحها وبحثها في سورية اليوم، لأننا على أعتاب دستور جديد ليس فيه المادة الثامنة التي كانت تعطي صلاحيات للقيادة القطرية، فإذا ذهبت المادة الثامنة أين ستذهب صلاحيات القيادة القطرية نظرياً وعملياً؟ لن تتبخر، يجب أن تذهب إلى مكان ما، وليس هذا المكان محافظة دمشق.

 

يجب أن تتولى جهة معينة هذه الصلاحيات..

نعم، يجب أن تكون هذه الصلاحيات من نصيب الحكومة، ولذلك فإن حكومة الوحدة الوطنية ليست حكومة إدارة محلية، وليست حكومة تكنيكية، فالمطلوب منها أن تمثل كل الأوزان السياسية الحقيقية الموجودة في البلاد، ومن مختلف الأطياف من معارضة وموالاة ومحايدين وشخصيات ذات وزن وغير ذلك.. ويجب أن تكون لديها صلاحية القرار في القضايا المطلوب منها حلها.. وبرأيي هناك قضيتان على هذه الحكومة حلهما ثم بعد ذلك تكون مهمة الحكومة- وهي مؤقتة- قد انتهت.

 

أي تحل الحكومة بعد ذلك؟

طبعاً، فعلى فرض أنه تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية غداً، وتم بعد ذلك إيجاد حل للأزمة وتحقق تراجع العنف، وذهبنا إلى الإصلاحات ثم صوتنا على الدستور وانتخبنا مجلس شعب جديداً؛ هل ستبقى الحكومة؟ كلا، فهي ستتغير إذ سيصبح لدينا حكومة الأغلبية النيابية، وإذا سرت في الرسمة الزمنية التي وضها الرئيس، والتي تقول إن الانتخابات ستجري في حزيران المقبل، فهذا يعني أن عمر الحكومة لن يتجاوز ستة شهور، وإذا جرى وتم تأجيل الانتخابات فهذا لن يكون إلا لشهور قليلة وبذلك فلن يتجاوز عمر حكومة الوحدة الوطنية العام حتماً.

وهذه الحكومة لديها مهمتان؛ الأولى هي التهدئة والخروج من الأزمة وصولاً إلى  المصالحة التي تحدث عنها السيد الرئيس- وأنا أوافقه جداً في هذا المصلطح فالمصالحة قضية هامة-، أما بنود المصالحة فهي حسب اعتقادي تمثل بمفرداتها مهمة الحكومة؛ وتتضمن محاسبة كل من أراق قطرة دم سورية بغير وجه حق، وكل من تلوثت أيديهم بالدم السوري أياً كان موقعهم، وتعويض المواطنين الذين تضرروا سواء مادياً أو جسدياً، فهؤلاء يحق لهم التعويض في القانون، وتقدير الأضرار ليس أمراً سهلاً بل يتطلب جهداً كبيراً، وكذلك إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث والذين لم تتلوث أيديهم بالدم السوري.

 

يبدو أننا نعود لتوصيات المؤتمر التشاوري ما قبل الحوار الوطني الشامل؟

نعم، وللأسف أقول نعم، ولكن عسى أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبداً.. وهذا بمجمله إذا حصل؛ المحاسبة وإطلاق سراح المعتقلين والتعويض، مضافاً إليه تحديد مصير المفقودين ومحاسبة المسؤولين عنهم، هذا إذا تم فنصبح في المهمة على المدى المتوسط، وهي الإصلاحات التي تتضمن إنهاء الإطار القانوني الحقوقي لكل الإصلاحات من دستور وقانون انتخابات وقانون أحزاب، والتجهيز لانتخابات مجلس الشعب وإنجازها.

وبالتأكيد إن حكومة الوحدة الوطنية هي خير من ينجز انتخابات مجلس الشعب لأنها لا تمثل طرفاً بعينه، وإنما تمثل كل الأطراف وبالتالي لا يمكن لأحد أن يتهمها بالانحياز لطرف دون آخر.

 

 

أليس من الملاحظ أن الكلام النظري يأتي مثالياً ولكن التطبيق يكون مختلفاً دائماً، وذلك منذ اللقاء التشاوري؟

نعم، وهناك نقطتان لابد من الإشارة إليهما؛ الأولى أن هناك قوى هامة وخطيرة تقف ضد هذا الكلام، وصحيح أنها لا تتجرأ على القول إنها ضده، ولكنها تعمل ضده.

 

من هي هذه القوى؟

إنها قوى الفساد الكبير، والقوى المستفيدة من القمع للحفاظ على امتيازاتها، والقوى المستفيدة من العنف في الطرف الآخر والتي تريد الحصول على امتيازات غيرها.. كل هؤلاء، وهم في صف واحد في النهاية ويسعون إلى لخبطة الحابل بالنابل وإدخال سورية إلى نفق مظلم ورفع منسوب الدم المسفوك بحيث لا يكون لدى أحد القدرة في النهاية على محاسبة أحد.

 

ولكن ألا يفهم هؤلاء أنه لن يكون هناك مستفيد في النهاية؟

هناك من لا يفكر بالمنطق وانطلاقاً من انتماء وطني شريف، هؤلاء يفكرون في مصلحتهم الذاتية الخاصة فقط، وهناك أيضاً قوى خارجية تدعم هذا التوجه فتكبر القضية.

أما النقطة الثانية التي أريد الإشارة إليها فهي أننا نتأخر، والحديث فعلاً يكون جميلاً في أوله ولكن عند التنفيذ لا يتحقق شيء، وكلامك دقيق جداً، وأصاب كبد الحقيقة، ولكن لهذا ثمن، فكل تأخير عن استحقاق ما يرفع الكلفة في المرحلة اللاحقة، ويؤدي إلى زيادة صعوبة الحل، وإلى زيادة تعقيد الأمور، وإذا تركنا الأمور على هذه الحال فسنصل إلى نقطة اللاعودة، وعندها لن يكون هناك أي حل بالمطلق. وأعتقد أن هذا هو الهدف الذي يسعى إليه العدو الإمبريالي- الأمريكي- الصهيوني والقوى الغربية، وبعض أصدقائنا من المعتدلين والمعتلين العرب، وهذا الأمر تسعى إليه قوى الفساد الكبرى الموجودة في النظام والمجتمع، وهذه هي القوى المولدة للقمع بكل أشكاله والمولدة للعنف بكل أشكاله.

إن ترك الجرح غير مندمل يجعله نازفاً ويحمل في أحشائه خطر انفجاره اللاحق دائماً، وهنا أقول وبذهني تجربة حماة في الثمانينيات، لقد تعاملنا مع تجربة حماة بطريقة مخطئة إلى حد ما، ولا أقصد بكلامي أن المسلحين والمجرمين كانوا يحتاجون العفو، بل ألفت إلى ما جرى لكل من له علاقة بهم من بعيد أو من قريب، فهؤلاء تضرروا وفقدوا جزءاً هاماً من حقوقهم المدنية، فلو جرت مصالحة مع أولئك المحسوبين على ذلك التيار ولم يرفعوا سلاحاً ولم تتلوث أيديهم بالدم السوري واقتصر سلوكهم على الموقف السياسي، لما كان الوضع تفجر مجدداً بعد ثلاثين عاماً، وأنا لست مستعداً لترك بؤرة ملتهبة في سورية دون مداواة، لذلك يجب مداواة الجروح كلها، والطريقة التي نتحدث عنها هي طريقة مداواة للجروح التي لم تندمل بعد.

أما الجروح القديمة الغائرة التي لم تندمل في حينها فقد تركت آثاراً سلبية، فوفقاً لما فهمته من البعض وبينهم مسؤولون، فإن المتضررين من حيث نقصان حقوقهم المدنية جراء أحداث الثمانينيات يمثلون أعداداً كبيرةً جداً، تفوق مئات الألوف، فمن تم التعامل معه بناءً على أحداث الثمانينيات تأثر بطريقة التعامل معه حتى أقرباؤه من الدرجة الرابعة، وكان التأثر في موضوع السفر والعمل والاستثمار وغير ذلك، وبهذا أصبح لدينا في سورية مواطنون من الدرجة الثانية، وهذه القصة قد أفهمها عدداً محدوداً من السنوات التالية للأحداث، أما أن تأخذ ثلاثين عاماً وأن تنسى، فهذا مصيبة.

لذلك أقول إن المصالحة الفورية ضرورية، ولكن يجب الانتباه إلى أن المصالحة هي حل سياسي وهذا الحل يكون عبر إيجاد منظومة جديدة كاملة؛ سياسية واقتصادية واجتماعية للسير إلى  الأمام والانطلاق نحو سورية الجديدة، وهذا البرنامج بحذافيره ما لم يجر تنفيذه، فلا أعتقد أن الأمور ستنحل بسهولة.

 

ألا يوجد حل آخر؟

المشكلة أن هذا الحل هو الوحيد المطروح، وأرجوكم دلوني على أحد يطرح حلاً آخر..

المعارضة في الخارج تطالب برحيل الرئيس فوراً، ويقولون إنهم لن يعملوا إلّا على أساس رحيل الرئيس، سأتكلم بهذه القضية من عدة زوايا، فالرئيس بشار الأسد بغض النظر عن موقف المرء منه، هو في الوقت الراهن الجهة الوحيدة المنتخبة في سورية، وليس هناك جهة أخرى منتخبة في البلاد في هذه اللحظة، فمجلس الشعب انتهت ولايته، فتصوروا ألاّ يبقى هناك جهة شرعية دستورياً في البلاد، أين سنذهب؟ ستتسع الاحتمالات، وإذا كان هنالك أصابع خارجية تعمل في البلاد فسنذهب لا ريب إلى حرب أهلية، فهذا فراغ دستوري خطير جداً، ولذلك فإن موافقة السيد الرئيس على حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات موسعة كي تلعب الدور المطلوب، فسيكون ذلك خطوةً بالاتجاه الصحيح، أي بالاتجاه الذي كانت تطالب به المعارضة من حيث المبدأ، فهو عملياً يشارك المعارضة ويعيد توزيع الصلاحيات في الحكم بين النظام بشكله السابق وبين المعارضة من أجل تنفيذ مهمة نبيلة وكبيرة هي الخروج من الأزمة، وهذا واجب ولكنه تنازل في الوقت نفسه، ولذلك فإن على المعارضة أن تتنازل أيضاً، يجب علينا أن نتعلم القيام بتنازلات متبادلة، والوضع الآن فعلاً يتطلب من المعارضة الوطنية أن تفكر جدياً.

نحن قد حسمنا أمرنا في الجبهة وفي حزب الإرادة الشعبية، أما بقية المعارضة الوطنية فما تزال تعيش بعض التردد، وأعتقد أن أسباب هذا التردد تعود إلى قوة العطالة المتعلقة بالصيغة السابقة التي كانوا مقتنعين بأنها ستجري، وهي إسقاط النظام بقوة المجتمع الدولي، ولكن هذا مضى وانقضى، فبالأمس خرجت حاملة الطائرات الروسية من طرطوس، وهذه الرسالة مفهومة من الجميع وهي موجهة ليس للمعارضة السورية وإنما للأمريكيين، وللأتراك، ولكل القوى الخارجية التي تحاول أن تعبث بالداخل السوري وتمنع هذا الداخل من إيجاد حلوله.

التدخل الخارجي كان حتى الآن يمنع سورية من إيجاد حلولها.

 

قال لؤي حسين تعليقاً على تشكيل حكومة موسعة: إن هذا لن يؤدي إلى حل الأزمة، فالحل الأولي يكون بقبول السلطة الحالية بسلطة ائتلافية تكون القيادة فيها مشتركة تقود البلاد في مرحلة انتقالية محدودة زمنياً تجري خلالها انتخابات تقبل نتائجها من جميع الأطراف وينتج عنها سلطة شرعية منتخبة شعبياً.. ما رأيك بهذا الكلام؟

ليس كثير البعد عن كلامنا، هو سماها ائتلاف، ونحن نسميها حكومة وحدة وطنية، أما موسعة أو مصغرة فهذه قضية نبحثها، وهي مجرد قضية تكنيكية، وسنبحثها إذا اتفقنا على المبدأ، والمبدأ هو أن المعارضة والحزب الحاكم يقومان معاً بالعمل ضمن الحكومة.

 

لماذا قال إذاً إن تشكيل حكومة موسعة لا يؤدي إلى حل الأزمة، هل افترض أن الحكومة الموسعة لن تكون حكومةً ائتلافية مثلاً؟

لا أظن ذلك، ربما كان قصده تكنيكياً أن حكومة موسعة كبيرة جداً، لن تكون أداةً فعالة لحل الأزمة، فعادةً تحل الأزمات بمجموعات غير كبيرة، إذ ليس من المعقول أن يجلس مجلس الوزراء المؤلف من 30 شخصاً كل يوم لحل الأزمة، فحل الأزمة يحتاج اجتماعات متعددة كل يوم، وإذا كان مجلس الوزراء مؤلفاً من 30 شخصاً هل سيجتمعون 24 ساعة في اليوم؟ إن الأمر يتطلب مجموعة إدارة أزمة ذات صلاحيات دستورية.

 

قالت مصادر إنه خلال أسبوعين ستجري اتصالات بخصوص تشكيل هذه الحكومة، هل هذا صحيح؟

ما يزال الأمر بإطار الإشاعات، وإلى هذه اللحظة لم يتصل أحد بنا رسمياً.

 

إذا افترضنا جدلاً أن الاتصالات بدأت، فمن تتوقع أن تضم الحكومة المنشودة؟

إذا اتصلوا بنا الآن، فهل تظنين أنه كالعادة ستقوم الأحزاب ببحث موضوع عدد الوزراء وغيرها مع المتصلين؟ لن نقوم بذلك، إذا اتصلوا بنا سنتحدث أول الأمر بمهام الحكومة، فيجب أن يكون البرنامج واضحاً، وسنتحدث عن الجدول الزمني الموضوع لتنفيذ هذه المهام، وسنتحدث عن الصلاحيات التي ستحظى بها الحكومة، وإذا تم التوافق على هذه القضايا سنبحث بالقضايا المتعلقة بالتشكيل، ولكن دون الوصول إلى اتفاق حول هذه القضايا يصبح الحديث عن التشكيل دون معنى ويضر بالموضوع، وبالطبع لن نذهب إليه، لأنه سيحولنا كما حول الأحزاب سابقاً إلى سعاة وراء مقاعد وزارية، ونحن لا نسعى إلى ذلك أبداً وإنما نسعى إلى حل الأزمة، وإذا كان مقعد الوزارة سيساهم مؤقتاً بحل الأزمة فحزبنا سيبحث الأمر وجبهتنا الشعبية ستبحث الأمر وسيجري تكليف من يجب أن يكلف بعد الاتفاق الذي سيجري، والاتفاق هو توافق، فخطوة من هنا وخطوة من هناك ستؤدي إلى تعميق الآراء والوصول إلى آراء مشتركة وبرنامج ومهام وجدول زمني وصلاحيات.

نحن لن نذهب إلى حكومة اسمها حكومة وحدة وطنية أو حكومة موسعة أياً يكن اسمها، لن نذهب إلى حكومة دون صلاحيات، لأنها لن تتمكن من القيام بشيء، وهذا سيضر بالعمل على حل الأزمة، نحن مع حكومة وحدة وطنية، ومع تعميق النقاش حولها، ومع تحديد إطار مهماتها، ولكننا لن نذهب كيفما أتى استجابةً لطلب بالجلوس على مقاعد وزارية.

لقد اعتاد النظام سابقاً على أن يقول للآخرين متى يأتون ومتى يذهبون، ولذلك فعلى النظام أيضاً أن يغير سلوكه قليلاً مع الأطراف السياسية.

فليكن القول: تعالوا إلى كلمة سواء، ولنتناقش، ما هو الائتلاف الذي نريد أن نشكله؟ ما محتواه؟ فالشكل لا يهم كثيراً، ما المهام التي سيتصدى لها؟ إذا اتفقنا على كل هذا سنكون اتفقنا، فعندما نتفق عليها فهذا اسمه اتفاق شرف، وإذا خرج طرف عن هذا الاتفاق نكون نحن في حل من البقاء في الحكومة، فإذا جرى اتفاق حول المهام والآجال الزمنية والصلاحيات سندخل، وفي حال لم يتم الالتزام بهذا الاتفاق- وأعتقد أنه لابد من الالتزام- سيكون كل طرف حراً بسلوكه وبتصرفه، فنحن لن نرتضي أن نسمى على حكومة وحدة وطنية شكلاً بينما هي بالمضمون غير قادرة على القيام بشيء، لأن هذا سيضر ليس بنا بل بالفضاء السياسي.

إن ما ورد في خطاب الرئيس يعني أن الوحدة الوطنية تصدعت قليلاً، وهذا يتطلب رأباً، وهذا ما يحتاج عملياً إلى مصالحة تعني في جوهرها رأب الصدوع وعدم السماح لهذه الصدوع بأن تكبر، لأنها إذا كبرت فإن الوحدة الوطنية ستتهشم، وفي ظل التحديات الحالية فإن المطلوب هو استعادتها كاملةً وتعزيزها.

 

إذاً، ركز الرئيس الأسد على موضوع المصالحة الوطنية، وفي الوقت نفسه افتتح خطابه بانتقاد لاذع للجامعة العربية والعرب، وقال بما معناه إن الجامعة العربية علقت عروبتها، وشرح بالتفصيل هذا الكلام.. برأيك، كان الخطاب يعكس بشكل أو بآخر خيبة أمل الرئيس الأسد بالجهد العربي والعمل العربي المشترك، والانكفاء من جديد على الداخل السوري بتركيزه على حكومة الوحدة الوطنية وشرح برنامج الإصلاح بشكل مفصل؟

أوافقك، رغم أننا لم نصب بخيبة أمل من الجامعة العربية بعد لأننا نعرفها من الأساس، فلم نتفاجأ، نحن منذ عام 1991 نعرف آليات عملها.

 

إذاً ما سر التركيز السوري طوال الوقت على أهمية العمل العربي المشترك؟

إن سورية كجزء من النظام الرسمي العربي كان لديها أمل بأن كل هذه التراجعات التي بدت عن الجامعة العربية، يمكن إصلاحها، ولكن نحن كنا مدركين بالأساس أن النظام الرسمي الدولي انهار بشكله السابق المرسوم بعد الحرب العالمية الثانية عام 1991 وانهارت معه فعلياً كل الأنظمة الإقليمية المرسومة على شاكلته، والنظام العربي الذي تعبر عنه الجامعة العربية كان أحد أشكال هذه الأنظمة الإقليمية، ولذلك فلم نكن نبني أي أمل على الجامعة العربية، ونعتبر أنها النظام الرسمي العربي، وكل ثقلنا وجهودنا كانت مصبوبة على أساس التضامن الشعبي العربي البديل عن التضامن الرسمي العربي من حينها، فعام 1991 حمل معه أحداث العراق والكويت، ثم أحداث بغداد، وليبيا، وتموز 2006.. إن سجل الجامعة العربية حافل بالسواد خلال الفترة الماضية، فلماذا نتوقع أن يكون موقفهم في سورية مختلفاً؟ لاسيما وأنهم متوقعون أنهم سيستمرون، ولكن جرت تغيرات في الوضع الدولي مؤخراً، فعملياً تغير الروس، فالروس اليوم غيرهم قبل أيام؛ الروس عام 1991 وحتى 2010 كانوا أصحاب موقف مخز في القضايا الدولية، وفي أحسن أحوالهم كانوا يمتنعون عن التصويت ضد الأمريكيين استحياءً، وقد مرروا غزو يوغوسلافيا، ومرروا غزو العراق وغزو ليبيا.

 

ما الذي تغير في الموقف الروسي؟

الذي تغير هو أن الوقاحة الأمريكية للاستيلاء على العالم أنعشت القوى الوطنية واليسارية في روسيا، وزادت تأثيرها على جهاز الدولة، وبالمصادفة كان حظ سورية قوياً جداً، فكانت اللحظة التاريخية بدأت عند التحضير لغزو سورية من الخارج، حين استفاق الدب الروسي وخبط بقدمه على  الأرض وجاء إلى موقف الشعوب الذي كنا نعبر عنه.

طبيعي أن بعض الأطراف يقولون إننا نسير مع الروس، وأقول إننا نحن من أحضر الروس إلينا، فمواقفنا واستمرارنا وصمودنا واتصالاتنا وعملنا مع القوى الوطنية واليسارية الروسية هو الذي غير المناخ الروسي.

 

هل هو مواقفنا حقاً أم أنه رغبة الروس بإعادة إحياء الكتلة الشرقية؟

تغيير المواقف لا ينزل من السماء، والرغبة تأتي من الأرض، ووقاحة الأمريكيين وصمودنا هما السبب، ولو لم نصمد حتى الآن كان الموقف الروسي سيأتي على فراغ، ولولا وجود المعارضة الوطنية لما وجد الموقف الروسي ما يستند إليه في الحل الداخلي الذي يحتاج إلى طرفين وليس طرفاً واحداً، ولو كانت المعارضة السورية على شاكلة المعارضة العراقية أو الليبية؛ كلها خارج البلاد، وكلها تعمل مع الخارج، فهل كان من الممكن الحديث عن حل داخلي في سورية؟ هذا كان صعباً جداً، ولذلك فإن وجود معارضة وطنية عدل كفتي المعادلة، وخلق الإمكانية لمنع الحرب الأهلية التي يريدها الأمريكيون، فقد صار لدى سورية بديل معارض وطني آخر، هو معارض للنظام بنهجه وسياساته، ولكن إذا اتفق مع النظام في القضية الوطنية فلا فرق من يأتي إلى الآخر، فالاثنان يعبران عن موقف الشعب السوري، فلسنا نحن من اخترع الموقف الوطني لسورية، بل الشعب السوري هو الذي خلق هذا الموقف، ولأننا نحترم هذا الموقف الوطني فإن الناس تلتف من حولنا، وهذا يتم بقدر ما نعبر عن مشاعرهم ومطالبهم بالقضية الوطنية وبالقضايا الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، والنظام كذلك، فالنظام يجب ألا يتوهم أبداً بأنه صانع المواقف الوطنية التي تتمتع بها سورية، والرئيس الراحل حافظ الأسد قد قال مرةً إنه في حال حكم بمواقف غير وطنية فلن يبقى في الحكم 48 ساعة، فالشعب السوري لن يترك أي حاكم يتبنى موقفاً غير وطني، لذلك فإن النظام الحالي باستمراره بالمواقف الوطنية إنما عبر عن ضمير الشعب السوري ومصالحه، وقد تحمل الشعب السوري هذا النظام بكل سلبياته وثغراته في القضايا الاقتصادية والاجتماعية تاريخياً، فقط لأن مواقفه وطنية، وجاءت لحظة معينة تفاقم سوء القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وارتفع مستوى عدم الرضا عنها كثيراً، فانفجرت الأزمة، وهي لابد تتطلب معالجة.

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 آذار/مارس 2014 11:16