«التسويات»: مَن.. وكيف.. ولماذا؟

«التسويات»: مَن.. وكيف.. ولماذا؟

بات بديهياً القول إن الطرف الأمريكي «الراعي» للمؤتمر الدولي الخاص بحل الأزمة السورية أراد من شكل تركيبة المؤتمر، لجهة تحديد الوفد المعارض وحصره بائتلاف الدوحة ليكون هو «المحاور» لوفد «النظام» على طاولة جنيف2، أراد أن يصل المؤتمر إلى استعصاء، يريده الأمريكي أن يتحول إلى إفشال وإلغاء، وبالتالي يتواصل مسلسل «إحراق سورية من الداخل»، باستمرار الاقتتال والاستنتزاف، متعدد الأشكال والجبهات، بحكم عجز الوفدين عن التحاور والوصول إلى «تسويات» أو «حلول وسط» تنهي الأزمة..!

ما يسترعي التناول هنا مباشرة هما قضيتان مترابطتان، أولاهما طبيعة الأطراف المتحاورة إلى الآن بجنيف، وثانيهما تحديد منطق «التسوية» وغاياتها، وبالتالي من سيتنازل لمن، ولماذا؟
من الطبيعي القول إن وفد الحكومة السورية الموجود في جنيف يمثل النظام السوري، بما يعنيه ذلك من مسؤولية أساسية عن انفجار الأزمة وتفاقمها من جهة، وما يوازي ذلك في الوقت نفسه من تمثيل لشرائح سياسية واقتصادية واجتماعية، تكبر أو تصغر، في المجتمع السوري، ولكن لا يمكن إغفالها، من جهة ثانية. في المقابل، موضوعياً، لا يمكن القول إن وفد الائتلاف يمثل نداً في تمثيل شرائح موازية، وإن كان يمثل أحد شركاء المسؤولية عن تفاقم الأزمة ومآلاتها، والسبب وراء ذلك أنه يمثل مصالح القوى الإقليمية والدولية التي صنعته على أمل الحلول مكان النظام، بعملية بتر شامل، تفضي حسب السيناريو الأمريكي إلى إسقاط الدولة ككل، وليس النظام فحسب، وهو ما لم يجر خلال السنوات الأخيرة، بل بقيت حالة الاستنزاف الكلية، بتمسك الطرفين بشعاري «الحسم» و«الإسقاط» العقيمين.
وبحكم هذه التباينات والاختلافات الموجودة بينهما فإن هذين الطرفين تعاملا، ويتعاملان مع جنيف إلى الآن، بمنطق «الغالب والمغلوب»، لينسحب ذلك على تفسير كل منهما لغايات جنيف ومآربه منه، النظام لمسألة «مكافحة الإرهاب»، والائتلاف لمسألة «الهيئة الانتقالية»، في وقت لا يسمح به المنطق لدى النظام بالتنازل أمام الأمريكي والأوربي والتركي والخليجي الذي يمثله وفد الائتلاف، مثلما لا تسمح أجهزة التحكم هذه للائتلاف بالتنازل أمام النظام، بما يعنيه أيضاً من تحالفات وأشكال دعم إقليمية ودولية مقابلة..!
وإن هذه اللوحة المستعصية بالذات هي ما تفرض ضرورة تعديل تركيبة الحضور في مؤتمر جنيف2، ومناخه وأجوائه، بالمحصلة، أي تغيير تمثيل الوفد/ الوفود المعارضة المقابلة للنظام على طاولة الحوار، بما ينسحب على جدول أعمال الحوار، ونقاط أولوياته، وبالتالي منطق أية «تسوية وطنية» وغاياتها، أي الخروج من منطق رفض التنازل بصيغة الغالب والمغلوب لصيغة تقديم التنازلات المتبادلة للوصول إلى الـ«لا غالب ولا مغلوب» وطنياً، مقابل تحقيق شيء جوهري واحد فقط، يتمثل ملخصه لمصلحة الشعب السوري في: إنهاء الكارثة الإنسانية العاصفة بسورية، وحقن دماء السوريين، والحؤول دون المزيد من موتهم جوعاً وبرداً وتشرداً، عبر ثلاثية وقف التدخل الخارجي بكل إشكاله، ووقف العنف إياً كانت مصادره، وإطلاق عملية سياسية بقيادة سورية، تسمح للسوريين فقط بتحديد مصيرهم وخياراتهم السياسية، على أن يؤدي ذلك بمجمله إلى إنجاز مسألتين، أولاهما تأمين إطار مكافحة جدية للإرهاب الوافد إلى سورية، والمنطلق منها كتهديد إقليمي ودولي، وثانيهما توفير المقدمات الضرورية على المدى المنظور للتغيير الجذري والشامل والعميق في البنية السائدة في البلاد، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، بما ينسجم مع تضحيات عموم الشعب السوري وتطلعاته في السيادة، والمصالحة الوطنية الحقة القائمة على المسامحة والمحاسبة، وإعادة الإعمار من منظور وطني غير إلحاقي ولا يفتح باباً جديداً للفساد الكبير، وفي الحرية السياسية، والعدالة الاجتماعية، واستعادة المكانة الإقليمية والدولية المرموقة لسورية، مع تثبيت بوصلة القضايا الوطنية الكبرى لدى الشعب السوري، وفي مقدمتها تحرير كل الأراضي السورية المحتلة ومواجهة كل المخططات الأمريكية والصهيونية.
من دون الخروج من الشكل الحالي للتمثيل السياسي في جنيف لن يوضع أي صراع سياسي/ برنامجي، قابل للتفاوض ووضع الأولويات في القضايا الجزئية، موضع التنفيذ، وسيستمر منطق الصراع الميداني العسكري، باستقطاباته وامتداداته الدولية والإقليمية، ليبقى الخاسر الأكبر دائماً هو سورية الوطن والشعب السوري (بما فيه الجيش الوطني، ببنيته وتركيبته)، ولكن مع تجاهل إرادة السوريين ورغبتهم في الخلاص نحو ذاك الأفق فقط..!
وكيف لنا اليوم على أعتاب الجولة3 من جنيف2 أن نجزم بذلك؟ ببساطة لأن غالبية السوريين الذين يرون سلوك الائتلاف ومن يمثله لا يرون به بديلاً حقيقياً عن النظام (فهو يثبت عدم قدرته على الانتقال للفضاء السياسي السوري الجديد)، مثلما لا يفهمون الخلاص بمنطق رغبة بعض أطراف النظام ومتشدديه بالعودة إلى ما قبل آذار 2011، لأن المرء ببساطة «لا يشرب من ماء النهر مرتين».. ولكن الخصم الأكبر الآن هو الوقت وعدادات النزيف..!

آخر تعديل على الجمعة, 07 آذار/مارس 2014 22:45