كيف يمكن للحل السياسي أن يواجه القوى التكفيرية؟
هشام الأحمد هشام الأحمد

كيف يمكن للحل السياسي أن يواجه القوى التكفيرية؟

كانت حملة التشكيك بالحل السياسي، من متشدّدي الموالاة والمعارضة، خلال الفترة السابقة، تستند إلى الفكرة التي مفادها: كيف يمكن التعامل مع القوى المسلّحة التي ترفض الحل السياسي، القاعدة نموذجاً؟؟

إذا تجرّدنا عن الغاية من هذا السؤال، التي قد تعكس رفضاً ضمنياً للحل السياسي من بعض القوى المتشددة في الطرفين، فسنجده سؤالاً مشروعاً، ويضع ملفاً شائكاً، كمواجهة القاعدة في سورية، بعهدة الحل السياسي ذاته. إذ أصبح لزاماً على الحل السياسي أن يضع على رأس أولوياته، مواجهة قوى التدخل الخارجي والتشدّد، بالتزامن مع مهمّة صياغة نموذج سورية المستقبل..
وربّ سائل يسأل: طالما أن الجيش العربي السوري، على سبيل المثال، قد وضع على عاتقه مواجهة القاعدة في سورية، فما الجديد في حل سياسي يعيد صياغة المهمة ذاتها؟
للإجابة على هذا السؤال، ينبغي النظر إلى نتيجة المجابهة بين الجيش وبين القاعدة، فلم يستطع الجيش وحده حسم المعركة عسكرياً ضدّ القاعدة، ولن يستطيع ضمن الظروف القائمة، وليس السبب في ذلك ضعف الإمكانات العسكرية الذاتيّة للجيش السوري، كما يحاول البعض أن يزعم، بل هو استمرار تدفق السلاح والعتاد والمقاتلين من وراء الحدود، وبكلمة أخرى، فإن السبب الأساسي هو استمرار التدخل العسكري غير المباشر، لذا فإن الجيش السوري مهما بلغت قوته الذاتية لن يستطيع مواجهة تدخّل عشرات الدول، والاستمرار بهذه الدوامة. وعلى هذا الأساس فإن من يسعى لإبقاء الجيش في هذا الوضع، فإنه يعمل، بحسن أو سوء نيّة، على إنهاء الدور الاستراتيجي للجيش في المنطقة بشكل تدريجي، من خلال تركه وحيداً في مواجهة هذا العدوان المستمر..
من هنا ينبغي تلمّس ضرورة الحل السياسي في مواجهة الجيوب التكفيرية في سورية، القاعدة وغيرها، إذ ينطوي الحل السياسي للأزمة السورية على بعدين أساسيين فيما يتعلق بهذه النقطة، البعد الأول دولي: الذي يتضمن تعهّد كل الدول المتدخّلة بالأزمة السورية بوقف كل أشكال الدعم للقاعدة. ويعد التوافق الروسي- الأمريكي ضمانة أساسية في تنفيذ هذا التعهد، كون هذا التوافق يشتمل على ملفات أخرى غير الملف السوري، لذا فإن تلاعب أية دولة، من دول الجوار أو الخليج أو الغرب، بهذا الالتزام يحتمل إمكانية الردّ من الجانب الآخر. وعلى هذا الأساس يمكن ضمان انخفاض تدفق الدعم للقاعدة بشكل كبير، إذا لم نقل توقفه بشكل كامل، ما سيغيّر من موازين المعركة العسكرية بين الجيش والقاعدة إلى درجة كبيرة.
أما البعد الثاني فهو داخلي: فالحل السياسي، المزمع انطلاقه مع مؤتمر جنيف خلال الفترة القادمة، يحتمل إلى حد كبير رفع شعار توحيد كل السوريين، من مدنيين وعسكريين ومسلّحين، في مواجه غير السوريين من أصحاب الفكر التكفيري. وللوهلة الأولى يبدو هذا الشعار غير واقعي، مثلما كان حال شعار الحل السياسي في بداية الأزمة السورية، إلا أن الضرورة هي التي تدفع باتجاهه أكثر من النوايا. وكانت الآونة الأخيرة قد شهدت مؤشرات جديّة تؤكد على أهميّة وضرورة هذا الشعار، أبرزها المواجهات بين المعارضة المسلّحة من جهة، والقوى التكفيرية من جهة أخرى، في شمالي سورية، وتبلّور المزاج الشعبي المعادي لتلك القوى في صفوف المعارضة والموالاة على حدٍ سواء.
أما عن انخراط بعض السوريين في القتال إلى جانب القاعدة، فهو يعني بالجوهر أن هذه القلّة قد تخلّت عن سوريتها، ليس كجنسية أو انتماء فحسب، بل كهوية وطنية عميقة، ما يؤكد صحة هذا الشعار ودقّته وإمكانية تحقيقه..
لقد أصبحت مهمّة الخلاص من القوى التكفيرية في سورية تتناقض بشدّة مع بقاء حالة الانقسام العمودي في المجتمع، التي تكرسها الثنائيات الوهمية، وعلى رأسها ثنائية «موالِ- معارض» التي لن يجري نسفها إلا عبر الحل السياسي الشامل، وليس بغيره..