د.جميل: جنيف3 هو جنيف الأخير

د.جميل: جنيف3 هو جنيف الأخير

عرضت قناة روسيا اليوم، مساء الاثنين 21 آذار، لقاء مسجلاً مع الرفيق قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، وعضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، ضمن برنامج «قصارى القول». وفيما يلي نص الحوار الذي جرى..

 غالبية المراقبين يعتقدون أن المعارضات لم تتفق على الحد الأدنى الذي يجب أن يطرح في جنيف3؟

طبيعي أن يكون وفد النظام موحداً، فهو وفد نظام مركزي، وشديد المركزية، وأصلاً فإن مما سيبحث في الدستور الجديد تخفيف هذه المركزية، ولا يعني ذلك تخفيف مركزية الدولة في القرارات الاستراتيجية.

ولكن إذا قلبنا السؤال فقلنا: هل وجود عدة معارضات هو نقيصة أم قوة للمعارضة؟ لماذا الاصرار على أن المعارضة يجب أن تكون واحدة؟ ألا يشي ذلك بأن السائل لا يزال مصاباً بلوثة الحزب القائد؟ ويريد للجميع أن يكونوا مثل بعضهم البعض؟ المعارضة السورية تعددية، وهذا طبيعي، وهذا يجب أن يبقى وأن يؤسس له ويحافظ عليه، وهي تعددية لأنها يجب أن تكون على شاكلة سورية القادمة التعددية.

المعارضة إذا كانت هي النموذج الأول البسيط لنموذج العمل السياسي في سورية الجديدة فهي تعددية، ولكن لماذا لا يمكن الاتفاق بين المعارضات المختلفة على بلاتفورم مشتركة، فهذا له علاقة بدرجة تعقيد الأزمة السورية، وبحجم وبعدد «الطباخين» فهنالك الدول الإقليمية التي لديها رؤية محددة (تركيا، قطر، السعودية)، ولديها من يمثل هذه الرؤية، وهي لا تريد لمن يمثل رؤيتها أن يندمج مع الآخرين، وهي مصرة أن يمثل طرف بعينه المعارضة بشكل كامل وألا ينافسه أحد في ذلك. وأنتم تعرفون أن أحد أسباب فشل جنيف2 هو التمثيل الأحادي الاحتكاري لطرف من المعارضة، تم تركيبه تركيباً، الأطراف الأخرى من المعارضة التي سميت بأسماء بلدان لأنها اجتمعت فيها، هي معارضة وطنية سورية باستحقاق، ولكن لتسهيل التفاهم يقال منصة موسكو ومنصة القاهرة ومنصة أستانة، هذه المنصات الثلاثة اتفقت وشكلت وفداً واحداً

هل لهذه المنصات الثلاث مواقف موحد من كل الأمور التي تناقش في جنيف3؟

لدينا موقف موحد بالهدف، لدينا موقف موحد في المحاور التي يجب أن تبحث، ولدينا آراء بعدد أعضاء الوفد، لأن كل فرد في وفدنا يمثل طرفاً، أو أنه مستقل. مثلاً في بحث موضوع طبيعة النظام القادم، الورقة التي قدمت باسم الاستانة وموسكو للسيد دي مستورا، سمّت النظام جمهوري رئاسي- برلماني تعددي علماني، ومن الممكن أن يكون لدى منصة القاهرة تعريف آخر، مختلف قليلاً

هل حضروا (ممثلو منصة القاهرة)؟

نعم حضر جزء منهم ولازالوا يتوافدون، وباعتقادي سيكتمل توافدهم في الأسبوع القادم حين اجتماعنا القادم مع السيد دي مستورا. لدينا حتى الآن مشكلة هي الحظر المفروض على حزب الاتحاد الديمقراطي، ونأمل أن يلغى هذا الحظر حتى نهاية هذه الجولة

من يفرض الحظر على الأكراد؟

من الناحية الشكلية دي مستورا هو الذي يوزع الدعوات، لكن كان هناك اعتراض شديد من قبل الأتراك. ويبدو أن بعض القوى الإقليمية قد تضامنت مع تركيا في موقفها، وأدى ذلك إلى تهديد بأن مجيء الأكراد سيؤدي بأحد آخر إلى الانسحاب، وعندها طلب دي مستورا معونة الروس والأمريكان كي يفكوا هذه العقدة، ويجري فكها حالياً، ونحن قد تلقينا وعداً شفهياً رسمياً من قبل الروس والأمريكان بأنّه قريباً سيفرج عن الأكراد وسيدخلون إلى الوفد، ودي مستورا أيضاً أعطانا وعداً بهذا الاتجاه، وإن لم يكن بالدقة ذاتها ولكنه بالاتجاه نفسه.

وهل هذا هو ما يفسر غياب هيثم مناع؟

هذا السؤال ينبغي توجيهه للسيد مناع. أنا أتفهم موقفه إذا كان لم يحضر تضامناً مع الأكراد، ولكن نحن في منصتي أستانة وموسكو، كان لدينا رأي آخر هو أنّ الموقع الذي حصلنا عليه، حصلنا عليه بشق الأنفس، وهدفنا إنجاح جنيف 3 وإبعاد أسباب فشل جنيف2، المكان الذي حصلنا عليه سنحافظ عليه وسنناضل بكل قوانا من خلاله لدعوة أصدقائنا الأكراد للحضور.

ماذا عن الدعوات نحو الفيدرالية وإقامتها؟

للأكراد حقوق مشروعة، وهم تضرروا كما كل السوريين من النظام الإداري المفرط في مركزيته. هم تضرروا بشكل مضاعف، فإذا كان باقي السوريين قد تضرروا اقتصادياً واجتماعياً بسبب النظام الإداري المفرط، فالمناطق التي يقطنها الأكراد تضررت بشكل مضاعف، لأنها تضررت مثل باقي السوريين اقتصادياً واجتماعياً، وفوق ذلك تضررت ثقافياً، أي أن هناك ظلم مضاعف تراكم خلال سنوات. ولكن الذي نقوله لأصدقائنا الأكراد، نحن متضامنون معكم في نضالكم من أجل حقوقكم، والديمقراطية لن تكون ديمقراطية إذا لم تلبي جميع الطموحات وجميع الحقوق المشروعة لجميع مكونات الشعب السوري، لكن الأهداف المشروعة يتم الحصول عليها بوسائل مشروعة، لذلك المطلوب أن نجند كل السوريين في سبيل حقوقكم، وحقوقهم هم في آن واحد، لأن انتقاص حقوق الاكراد يعني انتقاص الديمقراطية في سورية كلّها، لذلك نحن مصرون أن نبحث هذه القضية على طاولة المفاوضات كي يظهر الدستور الذي يؤطر هذه الحقوق.

يعني هذا القرار يعتبر من وجهة نظركم وفق الدستور الحالي خطوة غير دستورية وغير شرعية؟

أولاً، أريد أن أدقق. ليس هنالك قرار صدر البارحة، إعلان رميلان هو إعلان نوايا، وليس هنالك أي قرار لإعلان شيء، هنالك إعلان نوايا بأنهم يرغبون أو يريدون أن يكون شكل المستقبل هكذا..

 لكن شكلوا هيئات حكم، الرئيس ونائب الرئيس؟

 هذا لن يدخل مجال التطبيق العملي إلا في حين الاتفاق نهائياً على الشكل. الهيئات الموجودة تدير مناطق الإدارة الذاتية، وإن كان قد تم وضع صيغ للإدارة اللاحقة لكن حتى الآن لم يعلن عن الفدرالية. وبغض النظر عن رأينا بالتسمية، وقد يكون لدينا رأي خاص، لكن بالجوهر نحن مع السير نحو لامركزية إدارية واسعة في كل أنحاء البلاد، ويمكن دراسة حجم اللامركزية في كل منطقة.

 بودي أن أسئلكم عن المؤسسة الحاكمة، أنتم كنت جزءاً منها منذ فترة ليست ببعيدة، كنتم نائباً لرئيس مجلس الوزراء، هل تقبل هذه المؤسسات هذا الطرح؟ هيئات حكم ذاتي، التخفيف من سلطة المركز في دمشق، منح الحقوق على أساس عرقي وطائفي؟ هل ينسجم ذلك عموماً مع فكر القيادة السورية؟؟

أولاً كي لا تعطي إشارة خاطئة للمشاهدين، أنا بقيت أربعين سنة معارضاً، وسنة بالحكومة، ولا يمكن أن تحسبني على الحكومة.

بما يخص سؤالك، فلا شيء ثابت في الحياة.. الأكراد فوق أنهم ظلموا ثقافياً، فقد ظلموا مدنياً بسحب الجنسية التي استردوها مؤخراً، الأكراد لعبوا دوراً كبيراً ونموذجياً في محاربة داعش، وإذا كان يوجد أحد في سورية يشكك في وطنيتهم ودفاعهم عن سورية، أعتقد أن هذا الشك قد زال، هم عمدوا بالدم سوريتهم، منذ أيام الاستعمار الفرنسي، وهم قد شاركوا بالثورة السورية الكبرى، والآن قدموا مئات الشهداء دفاعاً عن الأراضي السورية ضد المد التكفيري الفاشي الداعشي، ولذلك لا يمكن لأحد أن يزاود عليهم في موضوع الوطنية، وإذا كان هناك فكر شوفيني فهو موجود في كل مكان، ليس فقط عند بعض العرب، بل يمكن أن يكون عند بعض الأكراد، مهمة الدستور القادم أن يحرّم روح الطائفية، وروح التعصّب والاستعداء بين القوميات.

كيف تنظرون إلى صياغة الدستور الجديد لسورية؟

أولاً، عند تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 يوجد ما يعرف بالجسم الانتقالي، أو حكومة ستتشكل هي التي ينبغي أن تأخذ على عاتقها تشكيل اللجنة التي ستصيغ الدستور، ولذلك لجنة صياغة الدستور على نمط الهيئات الأخرى الانتقالية ستكون مكونة من الأطراف كلها بالتراضي. والأساس لهذا الدستور برأيي هي الدساتير السورية القديمة منذ عام 1920 كمسودات من أجل صياغة الدستور الجديد، بما في ذلك الدساتير الأخيرة، وهنا سأعطي مثالاً، أنا كنت عضواً في اللجنة التي صاغت الدستور الحالي، والذي ألغيت فيه المادة الثامنة التي كانت تقول بالحزب الواحد ووضعت مادة جديدة على أساس تعددية حزبية، وهذا أمر جيد أنها تغيرت دستورياً مع قناعتي أنها بقيت على أرض الواقع، والمهم أننا كسبنا مكسباً دستورياً حيث أننا عندما غيرنا المادة المذكورة قمنا على إثر ذلك بتغيير أكثر من 40 مادة أخرى مرتبطة بها، بمعنى آخر الدستور هو مجموعة حلقات مترابطة وعند تغيير مادة ينبغي تغيير المواد المرتبطة بها. كانت الفكرة تعديل الدستور، لكن في النهاية حصلنا على دستور جديد، لأنه تم تغير أكثر من 100 مادة في الدستور، وقد قلت للسيد دي مستورا إن في بلادنا مثل شعبي: «ليجي الصبي بنصلي عالنبي» وأنه فأل شئم تسمية المولود قبل ولادته، لذلك نبدأ ثم نرى..

لن يكون ممكناً لأحد أن يأتي بدستور جاهز ليقول لنا هذا دستوركم، لن نقبل ذلك من أحد. دستور 1920على فكرة، لو نظرت إليه بشكل جيد، وهو الذي أسس لأول انتخابات نيابية في العالم العربي، هو دستور علماني إلى حد ما، وموضوع دين رئيس الدولة لا دخل له بجميع الدساتير، حتى في دستور 1950 في ما سمي لاحقاً عهد الرجعية، لم تكن هناك فقرة تنص على ذلك، وحقيقة العهود التي قيل عنها رجعية هي العهود الديمقراطية السورية، وإن كانت ديمقراطية برجوازية. وكانت سورية قد بدأت بتكوين مجالها السياسي، والأحزاب السياسية، وفي تلك العهود لم يختلف السوريين في موضوع الدين والطائفة، وأنا أتحدث عن فترة الخمسينات. في السبعينات وضع في الدستور دين رئيس الدولة وهذا مخالف لمبدأ المواطنة المتساوية.

في اللقاءات التي حصلت مع دي مستورا، ما هي أهم القضايا التي طرحتموها أنتم باعتبارها ركائز للمضي قدماً نحو التفاهم؟

النقطة الأولى: مفهوم المرحلة الانتقالية وأدواتها وضرورة الاتفاق على فحوى ما نتكلم به، لأنه من الواضح أن كل طرف يتحدث بلغة مختلفة، ويجب الاتفاق على اللغة، وهو ليس بالأمر الصعب إن كان هناك نية إيجابية للاتفاق. النقطة الثانية: موضوع الصلاحيات وتوزيعها.

هل جرى الحديث عن مصير الرئيس في لقائكم؟

مصير الرئيس له علاقة بصياغة الدستور، ومصير الرئيس في نهاية المطاف له علاقة في صياغة الدستور وفي رغبة صاحب العلاقة، والجميع يطرح مسبقاً شرط أنهم لا يرغبون بفلان، وهناك طريقة واحدة لذلك وهو أن تصوّت ضده، أما إن لم تكن تريد فلان أن يترشح للانتخابات، إذاً يجب أن يكون هذا الشخص غير منسجم مع القوانين السارية لكي تمنع ترشحه، وإلا ستصبح هناك مشكلة. يجب أن لا نعمل على أساس مجلس قيادات ثورة، بل يجب أن نعمل بعقلية دولة القانون. النقطة الثالثة: هي قضية تشكيل الهيئات، إذا تذكرنا في المرحلة الانتقالية حسب جنيف1 يجب مشاركة الجميع والبعض يتصور أنه عندما يطالب أحد بهيئة انتقالية بأنها ستكون له، وهذا خاطئ، بل يجب أن تكون نصفاً بنصف، ومكتوب في بيان جنيف1 بأن يتم ذلك بالتراضي، أي إن قال أحد الأطراف بأن في الطرف الآخر من لا يعجبني واستخدم الفيتو، فسيأخذ ذلك بعين الاعتبار، والطرف الآخر يحق له أن يستخدم الفيتو أيضاً. مشكلتنا في بلدانا العربية، وبلدان دول العالم الثالث بشكل عام، أن ثقافة الحوار السياسي ضعيفة، لأن الحريات السياسية كانت منخفضة جداً خلال نصف القرن الأخير، إذاً من أين ستأتي ثقافة الحوار؟

كم برأيكم انعكس قرار موسكو بسحب القوات الروسية من سورية على الأداء وعلى وتيرة ونبض هذه الحوارات في جنيف؟

برأيي أن دخول القوات الروسية في بادئ الأمر قد أعطى زخماً للحل السياسي مع أن البعض قد شكك، وكان هذا التشكيك على نوعين: الأول قال بأن هذه القوات هي قوات احتلال وستبقى للأبد، أما الثاني فقال بأن هذه القوات ضرورية ويجب أن تبقى حتى تقضي على آخر إرهابي، بينما نحن نعتقد بأنه لديها مهمة وزمن محدود.

أهداف الروس كانت محددة وواضحة، وكانت عدم سقوط الدولة السورية بيد الإرهابيين، وكانت دمشق مهددة في حينه، والآن زال هذا الخطر وتراجعوا، ولكن لم يتم اجتثاثهم، واستكمال هذه المهمة هي على عاتق السوريين الذين يجب أن يتحملوا مسؤولية ذلك، ومن هنا تأتي أهمية العملية السياسية لأنها ستوحد بنادق السوريين باتجاه استئصال داعش وجبهة النصرة وأخواتهما.

هل أنتم متفائلون؟

أنا متهم تاريخياً بأنني متفائل، والتفاؤل هو موقف سياسي، والمناضل الذي يسعى إلى تغيير الواقع لا يكون لنذاله معنى إن لم يكن مقتنعاً بأن لنضاله جدوى، ونحن مقتنعون بأن لنضالنا جدوى، ومقتنعون أيضاً أن جنيف3 سيأتي بثماره وسيكون الأخير، وليس كما تصور البعض بأنه سيكون هناك جنيف 4و5و10.

 

 أنت رأيت التغييرات التي جرت في السنة الأخيرة على مستوى العالم كله، وفي المنطقة، وفي سورية، إذا يحق لنا التفاؤل، وسأعيد كلام السيد سعدالله ونوس، الذي قال في مرحلة التراجع والإحباط: «ما يجري ليس نهاية التاريخ، ونحن محكومون بالأمل»، وأعتقد أنّه لو كان حياً كان سيسمح لي بإعادة صياغة جملته: «ما يجري هو بداية التاريخ، ونحن محكومون بالانتصار».