الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (4)
كلاوس بولكين كلاوس بولكين

الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (4)

لم يقتصر التعاون بين الصهاينة والنازيين على المجالات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية - وقد تناولتها الأجزاء السابقة من هذه السلسلة - بل وشمل التنسيق الاستخباري الأمني فيما بينهما ومع الاستخبارات البريطانية والفرنسية، لتنسيق هجرة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين من أجل احتلالها.

تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

بذل القيادي بعصابة «الهاغانا» الصهيونية، فايفل فولكس، جهوداً حثيثة لتطوير التعاون بين الصهاينة والنازيين، فوجَّهَ دعوةً إلى أدولف أيخمان، قائد جهاز القمع النازي SS، لاستضافته في زيارة إلى فلسطين، وتنسيق الجهود معه لإجبار يهود ألمانيا على الهجرة إلى فلسطين حصراً وليس إلى أيّ بلدٍ آخر، الأمر الذي قام (الغستابو) بوضعه قيد التنفيذ بالفعل.

خط «ساخن» مباشر

أقام الصهاينة باكراً خطّاً للاتصال المباشر مع جهاز القمع النازي. وقبل العام 1933 كان لدى المسؤول الصهيوني ليو بلاوت صلة مع البوليس السياسي النازي ومع المستشار الحكومي الرسمي فيه، رودولف ديلز، صديق بلاوت منذ الطفولة. وعندما عُيّنَ ديلز لأول مرة رئيساً للبوليس السرّي النازي عام 1933 احتفظ بعلاقته مع بلاوت، حتّى أنّ هذا الأخير كان يملك رقم الهاتف السري لديلز ويستطيع الاتصال به بأيّ وقت. وتفاصيل هذه الاتصالات من المواد السرية في أرشيفات (ياد فاشيم) في القدس، ولكن يفترض أنّها رتّبت للقاءٍ أجري في 26 آذار 1933 بين رئيس وزراء بروسيا هرمان غورينغ، الذي حُكم لاحقاً بالإعدام في محكمة نورنبرغ الدولية كمجرم حرب، وبين قادةٍ صهاينة.

رحلات نازيّة إلى فلسطين

بعد استحواذ النازيين على السلطة، ظهرت ورقة بعنوان (الهجوم) Der Angrief، وحملت تقريراً صَوّرَ الاحتلال الصهيوني لفلسطين بكلمات (إيجابية)، وبعنوان «رحلات سفر نازيّة إلى فلسطين».
وحمل كاتب الورقة والتقرير اسماً مستعاراً هو «ليم»، لإخفاء هويته الحقيقة، وهو ليوبولد فون ميلدنشتاين، قائد قوات العاصفة SS. ولم تكن صدفةً أنّه كتب سلسلة مقالات مناصرة للصهيونية، لأنه ترأّس شخصياً منذ العام 1934 الفرع 112 بالشعبة الثانية في المكتب الثاني لأحد أجهزة الأمن الفاشية سمّي «مكتب الشؤون اليهودية». وبحسب مارتيني، مراسل الصحيفة الألمانية العامة في القدس: «كان ميلدنشتاين يتلقّى النصح بشكلٍ دقيق من مسؤولين صهاينة» خلال رحلته في فلسطين. وكانت شعبة ميلدنشتاين مسؤولة عن السياسة النازية اليهودية حتى العام 1938، والتي تمت صياغتها أيضاً في صحيفة «الفيالق السود» لسان حال قوات العاصفة SS، بالكلمات التالية: «لن يطول كثيراً الوقت قبل أن تشهد فلسطين استقبال أبناءها الذين فقدتهم منذ ألف سنة، فلتصحبْهم إذاً أطيب أمنياتنا والنوايا الحسنة لدولتنا».

زيارات صهيونيّة لبرلين

في مذكّرة نادرة و«سرّية من أجل القيادة» النازية، مؤرخة في 17 حزيران 1937، ترد معلومات عن زيارة المبعوث الصهيوني، قائد أركان الهاغانا فايفل بولكس، إلى برلين، حيث مكث من 26 شباط حتى 2 آذار 1937 واجتمع مع عملاء جهاز الأمن النازي، ومرتين مع أدولف أيخمان القيادي في الـSS الذي تسلّم للتوّ ملفّ الشؤون اليهودية في الحزب النازي. فعرض بولكس عليه التعاون لتسريع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات السرّية الإنكليزية والفرنسية.

تزوير التاريخ

نسج الكتاب الصهاينة تزويرات وشائعات حول زيارة أيخمان وهاغن إلى فلسطين، ليقلبوا الحقائق رأساً على عقب، فزعموا بأنّ غرض زيارة القائد النازي كان التواصل مع الثوار الفلسطينيين، أو التآمر مع مفتي القدس الحاجّ أمين الحسيني.
ويمكن تفسير لماذا أصرّت الحكومة «الإسرائيلية» بقلق على محاكمة القائد النازي أيخمان (بعد الحرب العالمية الثانية) داخل «إسرائيل» حصراً وليس في أيّ مكانٍ آخر؛ فبذلك أمكنها الضغط عليه بحيث لا يفضح الاتصالات الصهيونية مع النازيين. وكذب أيخمان خلال محاكمته عندما قال: «صحيح، لقد كانت إحدى غايات زيارتي إلى فلسطين عام 1937 إقامة اتصالات مع المفتي الحسيني». ولكن تقرير سَفر أيخمان وهاغن الذي عُثرَ عليه في الأرشيفات السرّية لهيملر، قائد وحدة الـ SS، ترسم صورة مختلفة تماماً: لقد غادر أيخمان وهاغن برلين في 26 أيلول 1937، متنكّرين كمحرّرين لصحيفة برلينر تاغابلات، ووصلا إلى حيفا في 2 تشرين الأول 1937، على متن السفينة (رومانيا). ولكنّ السلطات البريطانية رفضت السماح لمبعوثَي الـ SS هذين بالنزول من السفينة، مبرِّرَةً الرفض باندلاع الثورة العربية. فذهبا إلى مصر والتقيا ليس بالحاجّ أمين الحسيني، بل بصاحبهما الصهيوني القديم، فايفل بولكس، القيادي في الهاغانا.
واحتوى تقرير سفر هاغن وأيخمان تدويناً دقيقاً للمحادثات مع بولكس في 10 و11 تشرين الأول 1937 في مقهى Groppe في القاهرة، حيث عرَض هذا الصهيونيّ على رَجُلَي جهاز SS النازي أنه: «يجب تأسيس الدولة الصهيونية بكلّ وبأسرع الوسائل الممكنة، بحيث تجتذب تيّاراً من المهاجرين اليهود إلى فلسطين. وعندما يتمّ تأسيس الدولة اليهودية طبقاً للمخططات الحالية التي وضعتها ورقة بيل [البريطانية] وبالتماشي مع الوعود الجزئية التي قدّمتها إنكلترا، بعد ذلك يمكن دفع الحدود للتوسُّع حسب الرَّغبة».

لقراءة الجزء الأول من المقال : الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (1)

لقراءة الجزء الثاني من المقال : الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (2)

لقراءة الجزء الثالث من المقال : الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (3)

 

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1162
آخر تعديل على الإثنين, 19 شباط/فبراير 2024 12:42