مسؤولية سياسات التجويع عن نَشر كوفيد-19

مسؤولية سياسات التجويع عن نَشر كوفيد-19

يتأثر الجهاز المناعي بشدّة بسوء التغذية، مما يؤدي إلى انخفاض دفاعاته ضد العوامل الممرضة، مع ما يترتب على ذلك من زيادة مخاطر الإصابة بالعدوى والمرض الشديد.

 ترجمة وإعداد: قاسيون

ومن الثابت علمياً وجود علاقة بين التكوين البدني للشخص، وخاصةً الحالتين المتطرّفتين (الكتلة النحيلة المنخفضة أو السمنة المرتفعة) وبين تدهور الحالة السريرية لكثير من الأمراض، بما فيها المُعدية والفيروسية. وبالطبع في سورية اليوم الاضطرابات الغذائية التي تدخل في (سوء التغذية والحرمان منها وانعدام الأمن الغذائي والجوع) أشيع بكثير من مشكلات السُّمنة. ووفقاً لأرقام رصدها تقرير سابق لـ«قاسيون» (في 18 آب 2021 – ويُرجّح أنها باتت أسوأ الآن): «يعاني عددٌ قياسيّ من السوريين من انعدام الأمن الغذائي، ويكافح 12,4 مليون شخص حالياً للحصول على وجبة أساسية. ويمثل هذا العدد ما يقرب من 60% من سكان البلاد، وقد زاد هذا العدد بنسبة مذهلة بلغت 4,5 ملايين شخص خلال العام الماضي وحده. ويوجد نحو 1,8 مليون شخص آخرون معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي». وربطاً بذلك، تقدّم المادة التالية أدلّة علمية تثبت المسؤولية المباشرة لسياسات التجويع المتّبعة في نشر وباء كوفيد-19 وتعريض حياة من يصابون به لخطر المرض الشديد أو الموت، وذلك استناداً إلى بحث نشرته مجلة «تطورات في علم التغذية» في أيار 2021 بعنوان «مرض فيروس كورونا (كوفيد -19) والحالة الغذائية: الحلقة المفقودة؟» حيث نورد فيما يلي ملخصاً عن أبرز نتائجه.
تعمل الحالة التغذوية والنظام الغذائي على تعديل الالتهاب ووظيفة المناعة، ولذلك يمكن لتعديلهما أن يؤثر على نتيجة كوفيد-19. سنناقش هنا الأدلة المتوفرة حالياً بشأن دور الحالة التغذوية في مرضى هذه الجائحة، فضلاً عن الأهمية المحتملة لتعديل حالة التغذية في الوقاية من العدوى وإدارتها.

الحالة التغذوية وكوفيد-19

إن الظهور المفاجئ وغير المتوقع للأمراض المعدية الجديدة، مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، ومتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس)، وغيرها... والآن جائحة COVID-19، قد أكد ضعفنا أمام العوامل المسببة للأمراض الناشئة حديثاً. وتم قبول حقيقة أنّ الحالة التغذوية للمُضيف (الشخص الذي «يستضيف» العامِل المسبب للمرض ويصاب به) هي عامل رئيسي مؤثر بالنتيجة التي تؤول إليها مجموعة متنوعة من الأمراض المُعدية المختلفة.

نقص التغذية

نقص التغذية حالة مَرضية يفشل فيها المَدخول الغذائي في تلبية احتياجات الجسم من الطاقة أو التغذية، ويمكن أن تنشأ عن عدم كفاية تناول المغذيات الكبيرة (مثل البروتينات والسكريات والدسم) أو المغذيات الدقيقة (كالفيتامينات والأملاح والمعادن الضرورية)، أو زيادة استهلاك الطاقة بشكل غير طبيعي، أو خلل في امتصاص العناصر الغذائية، أو أي مزيج من هذه العناصر. وفي جميع أنحاء العالم، كان هناك ما يقدر بنحو 821 مليون شخص يعانون من نقص التغذية عام 2017 وهي حالة منتشرة على نطاق واسع في البلدان النامية. ويرتبط سوء التغذية بالبروتين والطاقة، وكذلك النقص في مغذيات مفردة مُعيَّنة، إلى حد كبير بزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية بشكل رئيس.
وتُظهر الخلايا المناعية إنفاقاً عالياً للطاقة، ويزداد الطلب على الطاقة والتغذية خلال فترات الإصابة. على سبيل المثال، يكون معدل الاستقلاب (الأيض) الأساسي أعلى بكثير أثناء الحُمّى بسبب تنشيط الاستجابة المناعية. ونظراً لأن الخلايا المناعية لا تحتوي على احتياطي كبير من العناصر الغذائية، فإن امتصاص سكر الغلوكوز والأحماض الأمينية ضروري لتنشيط الجهاز المناعي. وفي الواقع، يؤدي سوء التغذية إلى انخفاض عدد الخلايا المناعية، وخاصة الخلايا التائية. على سبيل المثال، تم إثبات أنّ الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يصبح لديهم نقص في الخلايا المناعية من نوعَي اللمفاويات التائية «المساعدة» CD4+ و«السامة للخلايا»CD8+ . علاوة على ذلك، يؤدي سوء التغذية إلى ضمور الأعضاء اللمفاوية الأولية، مما يقلل من أعداد الخلايا التائية والخلايا البائية، ونقص الكريات البيض. يساهم هذا العدد المنخفض من الخلايا المناعية في ضعف الاستجابة المناعية لسوء التغذية.
يؤثر كل من نقص التغذية والإفراط في التغذية بشكل كبير على كتلة الأنسجة الدهنية، مما يؤدي إلى تعديل العوامل التي تفرزها هذه الأنسجة، مثل الهرمونات و«السيتوكينات». وأثناء الجوع، يكون تنشيط الخلايا المناعية محدوداً من خلال إشارات «الأديبوكين»، مما يقلل من استهلاك المغذيات، وبالتالي يصبح الجسم أكثر عرضة للإصابة.

التجويع والتطفير؟

قد يؤثر نقص التغذية أيضاً على تكاثر الفيروس. حيث ارتبطت زيادة الإجهاد التأكسدي في النماذج الحيوانية المدروسة بالفوعة الفيروسية (شدة المرض الذي يسببه) وحدوث طفرات الجينوم القابلة للتكاثر التي لوحظت في فيروس كوكساكي والإنفلونزا. ونظراً لوصف هذه الظاهرة لعائلتين متميزتين من فيروسات RNA، فمن الممكن استنتاج أن سوء التغذية قد يؤثر على نتائج الأمراض الأخرى التي يسببها الفيروس. [تعقيب المحرر: هذه الملاحظة مثيرة للاهتمام حقاً، وتطرح فرضية تستحق مزيداً من الأبحاث عن دور سوء التغذية في المجتمعات في تسهيل حدوث طفرات ونشوء متحوّرات جديدة من فيروس كورونا سارس-2 المسبب لكوفيد-19، الذي ينتمي أيضاً إلى فيروسات RNA].

سوء التغذية: مؤهّب لكوفيد ونتيجة له

يوجد المستقبل ACE2، وهو المستقبل الحاسم لدخول فيروس «سارس كوف-2» إلى الخلايا الضحية، على نطاق واسع في خلايا الجهاز الهضمي، مثل تلك الموجودة في ظهارة الأمعاء. لذلك، قد يتأثر الجهاز الهضمي أيضاً بعدوى SARS-CoV-2، مما يؤدي إلى اضطرابات الجهاز الهضمي وضعف الحالة التغذوية للمرضى. وفي الواقع، تم الإبلاغ عن فقدان الشهية والإسهال والقيء والغثيان وآلام البطن الخفيفة في مرضى كوفيد-19. وفقدان الشهية هو الأكثر شيوعاً بين الأعراض المرتبطة بالجهاز الهضمي. يعتبر الإسهال من الأعراض الهضمية الشائعة الأخرى، حيث يصيب حوالي 2% إلى 50% من المرضى. ويمكن أن يساهم فقدان الشهية مع الإسهال في اختلال التوازن الغذائي، وبالتالي في تأخير الشفاء (تم توثيق ذلك من خلال دراستين على الأقل).
ومن الواضح أن الأعراض الهضمية لكوفيد-19 قد تكون أكثر شدة لدى مرضى سوء التغذية. وقد يكون هذا الجانب أكثر أهمية بالنسبة لكبار السن تحديداً، حيث إن انخفاض القدرة على الحركة إلى جانب استنفاد كتلة العضلات لديهم، وضعف تناول المغذيات، أمران كثيرا الحدوث لدى كبار السن.

المسنّون الجائعون في خطر مُضاعف!

نظراً لانتشار المرض الوخيم بين المرضى المسنّين، فمن المحتمل أن تكون نسبة كبيرة من هؤلاء المرضى يعانون من نقص التغذية وقت دخولهم المستشفى. وبالتوافق مع هذه الفرضية، بلغ خطر الإصابة بـ«سوء التغذية» malnutrition و«نقص التغذية» undernutrition لدى الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، نسبة 27,5% و52,7% على التوالي في دراسة مقطعية أجريت على مرضى مصابين بكوفيد-19.

دواء للوقاية من كورونا وعلاجه

في الختام نورد حرفياً ما خلصت إليه الدراسة المذكورة: «مع عدم وجود نهاية وشيكة للوباء، يجب تشجيع الناس على تحسين نمط حياتهم لتقليل المخاطر في كل من الموجات الحالية واللاحقة لكوفيد-19. العادات الصحية مهمّة ليس فقط لضمان الاستجابة المناعية المُثلى ولكن أيضاً لمنع و/أو علاج نقص التغذية والسُّمنة والأمراض المصاحبة المرتبطة بالسُّمنة لدى مرضى كوفيد-19. لذلك، يجب تقديم مشورة واضحة حول تأثير الحالة التغذوية في نتائج كوفيد-19 لتنبيه السكان إلى ذلك. وأخيراً، يجب التأكيد على أن الحالة التغذوية يجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضاً في السياسات الصحية المصممة لتقليل تأثير كوفيد-19». ونعيد للتأكيد: يجب على السياسات الصحية (وهذه مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى) أن تحسّن الحالة التغذوية للناس لتقليل تأثير كوفيد-19.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1050
آخر تعديل على الإثنين, 27 كانون1/ديسمبر 2021 13:05