أزمة المنهجية والعلم «الرسمي» الحائر العلوم «ساحة معركة» خفية ولكنها محتدمة
محمد المعوش محمد المعوش

أزمة المنهجية والعلم «الرسمي» الحائر العلوم «ساحة معركة» خفية ولكنها محتدمة

التناقضات الحادة التي يعانيها النظام العالمي، كتعبير عن أزمة الرأسمالية، تتمظهر بقوة، عبر انفجارها السياسي والاقتصادي- الاجتماعي، فالواقع المأزوم يحكي عن نفسه. ولكن جوانب أخرى، ظاهرة للعين اليومية، تحتد فيها التناقضات بقوة أيضاً.

العلوم كساحة
صراع فكري- سياسي
الرأسمالية اليوم تشكل عائقاً أمام تطور العلوم، والقوى المنتجة ككل، وخصوصاً في ظل التطور العلمي في مختلف الميادين والكم الكبير من المنجزات، والقدرة على سبر ظواهر، عمليات وعلاقات ومحاكاتها عبر تقنيات متطورة.
هذا العائق يتمثل إضافة للسيطرة واحتكار وتوظيف الموارد والطاقات المادية والبشرية في صالح رأس المال وتدمير القوى المنتجة بشكل عام، يكمن أيضاً في الكوابح الضمنية للجانب الفكري النظري للعلم الرسمي.
نقاش «أكاديمي» في الأزمة
في مقال منشور عام 2015 في مجلة «علم النفس في روسيا:أحدث المنجزات»، في عددها الرابع، الإصدار الثامن، من قبل إرينا ميرونينكو(جامعة سان بطرسبرغ الحكومية) وبافل سوروكين (الجامعة الوطنية للبحوث- المدرسة العليا للاقتصاد- موسكو)، حول الأزمة المنهجية في علم النفس والعلوم الاجتماعية بشكل عام، يتحدث ناشرا المقال عن التناقض ما بين «العقل النظري» السائد في العلوم الإنسانية بشكل عام، وبين الكم الكبير من المعطيات المتراكمة والتطور والتعقيد الذي يشهده المجتمع. ويؤشر المقال أن منطق التفكيك وغياب النظرة الموحدة للعالم والمجتمع يمنع ترابط المعطيات والدراسات في كلّ- واحد نظري، مبقي البحث بشكله «التجريبي» لعناصر مفككة، دون القدرة على التعميم النظري. وحسب الكاتبين بدأ التداول بمفهوم «الأزمة» في «الوسط الأكاديمي» في علم الاجتماع عامة وعلم النفس خاصة، في العقود الثلاثة الأخيرة، وخصوصاً منذ العام 2007. مع إشارتهما لحضور هذا المفهوم تاريخياً في الكتابات الماركسية منذ نهايات القرن التاسع عشر (الباحثين السوفييت خصوصاً).
البحث عن الأسباب الاجتماعية للأزمة، جدلية العلم- المجتمع
يعتبر الكاتبان أن الأصل الاجتماعي للأزمة هو التحولات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية العميقة والجذرية في المجتمع والتي تعجز الأدوات المنهجية والنظرية السائدة في العلم السائد عن التصدي لها.
وعليه كانت دعوة المقال إلى البحث عن نظرية موحدة في علم الاجتماع تتجاوز النظرة «السابقة» حول «المجتمع الثابت»، لكنه لا يشير إلى الموقف الماركسي من المجتمع والتاريخ، إلّا أن ذلك مؤشر على عمق الأزمة «الأكاديمية»، وعلى حالة انعدام وزن النقاش في الوسط «الأكاديمي»، في فراغه النظري الراهن.
عامل آخر في الأزمة حسب المقال، هو النظرة المثالية إلى الإنسان كجوهر ثابت، والدعوة إلى نظرية تعتبر الإنسان كائناً اجتماعياً خاضعاً لتحول الواقع الاجتماعي. وشدد الكاتبان على ضرورة التخلي عن الثنائية التبسيطية «بيولوجيا- ثقافة» السائدة في النظرة إلى الإنسان، نحو جدلية عمق تقوم على فكرة التناقض المؤسس للنمو وترابط العلم العصبي وعلم الدماغ مع نشاط الإنسان الاجتماعي، مشددين على كتابات الباحثين السوفييت أمثال فيغوتسكي ولوريا وليونتييف، الذين «يتم عادة الاقتباس منهم بما يتناقض مع ما طرحوه» عن وحدة وجدلية الإنسان ووظائفه العقلية وتكوين الدماغ مع المجتمع وشروط الوجود.
مؤشر آخر على الأزمة حسب المقال هو الموقف من «الذاتية» و«الموضوعية»، حيث إن «العالم المعولم» يطرح مسألة من يملك «الحقيقة»، هل هي «ذاتيات» متعددة تملك أكثر من «حقيقة»، أم إن البحث الموضوعي في الواقع سينتج النظرة الموحدة للبشرية؟
المنهجية «الرسمية»
أو «لا منهجية» هذه المنهجية!
هذا المقال في خطوطه العامة مؤشر ازمة الموقف النظري والمنهجي للعلم الرسمي، والطروحات «البديلة» لتجاوزها. بالرغم من ان الكاتبين لا يشيران صراحة الى أنّ النظرية الماركسية ومنهجها الجدلي التاريخي قد طرحت منذ قرنين تقريباً ما يحاولان اليوم البحث عن إجابته، حول فكر وحدة العالم والتغير المستمر، وجدلية الانسان-المجتمع. وهكذا يبقيان النقاش مفتوحاً، والأزمة كذلك.
التعدد النظري وتشعب الفروع العلمية وتراكم المعطيات في أكثر من اتجاه يترك العلم الرسمي حائراً بما بين يديه، غير قادر على تنظيمه وتعميمه. فيبقى قصر النظر هو سيد الموقف.
تناقضات المرحلة الراهنة من تطور العلوم تفرض الحاجة للماركسية نظرية ومنهجاُ، وبوادر تشكيل منصة علمية ماركسية في العالم اصبح خطوة موضوعية. عبرها سيخرج العلم من أزمته الضمنية، يقابلها كسر لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، ما سيفك أسر العلم من «جهل» رأس المال وسجون «عقله» المعادي للحقيقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
811