الجيوبوليتيك السوري

الجيوبوليتيك السوري

تحت عنوان «الجيوبوليتيك السوري وقوة الجغرافية السياسية السورية» صدر هذا الكتاب لمؤلفه أ.د. أحمد إبراهيم سعيد من الهيئة العامة السورية للكتاب

تُعد الدراسات الجغراسية والجيوبوليتيكية عن أية دولة من الدول من الأهمية بمكان، لأنها تضع إمكانات اتخاذ القرار السليم في أيدي متخذيه بما يهدف لتحقيق الأهداف الكبرى التي تسعى إليها الدولة مثل: نقل الدولة من حالة إلى حالة أقوى وأفضل، تحقيق الأمن والاستقرار، إيجاد مكانة مهمة أو مميزة في الإطار الإقليمي للدولة أو الدولي منه إن كان ذلك ممكناً... فهذا النوع من الدراسات يسلط الضوء على العناصر الإستراتيجية في الدولة، الطبيعية والبشرية والاقتصادية والسياسية، ويجعلها في حالة من المرونة التي تُمكَّن القائد من الهيمنة عليها وتوجيهها وفق خطط كبرى (إستراتيجيات)، وحسب ما تقتضيه الظروف والأحوال المحلية والإقليمية والدولية. وحتى ضمن مراحل وخطوات مناسبة تدفع بالدولة كلها نحو تلك الأهداف، أو أنها تجعل مؤسسات الدولة بقيادة من يُعبّر عن مصالح الأمة (الدولة)، قادرة على دفع الدولة بكل بُناها، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في خطأ مناسبة، سريعة ومتزنة، إلى الأمام لتعزيز قوة الدولة من جهة وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية في رفع مستوى الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة ثانية. 

الرافعة والدافعة الأكثر ديناميكية

باختصار الدراسات كلها بأنواعها ومستوياتها مفيدة للمجتمع وللدولة التي تقود هذا المجتمع، ولكن الدراسات الجغراسية والجيوبوليتيكية لها أهمية استثنائية لأنها تمثل الرافعة والدافعة الأكثر ديناميكية وقوة في الآليات المستخدمة، ليس في إدارة الدولة وحسب، بل وفي تجاوز ذلك إلى المحيطين الإقليمي والدولي، ليس في تحسين أداء الدولة وزيادة القيمة المضافة الاقتصادية والاجتماعية فقط، بل وفي استثمار مقدرات الدولة والمجتمع والظروف الإقليمية والدولية لجعل الدولة ذات مكانة وسمعة مرموقة بين الدول إقليمياً ودولياً. 

تحسين جودة الدولة

إن تحسين جودة الدولة لا يأتي بالضرورة من تحسن ميزان المدفوعات أو زيادة الصادرات أو القوة العسكرية أو فرض الهيمنة والتسلط على الجوار أو على الدول الضعيفة، بل يأتي من خلال وضع سياسات وخطط داخلية وخارجية تضمن من جهة تحسين مستويات المعيشة للسكان وتحسين عطائهم الثقافي والفني والعلمي والقيمي، وإزالة الفوارق الكبرى والرئيسية بين أقاليم الدولة في خدماتها وبنياتها التحتية والمساواة والعدالة الاجتماعية وتقوية اللُّحمة الوطنية ووضع الدولة على سكة تطبيق البرامج التنموية المناسبة وفي المجالات الإنتاجية والخدمية كلها، وتفجير الطاقات الكامنة في المجتمع واستثمارها بالشكل الأفضل، وتضمن من جهة أخرى المساهمة الفعالة في صنع السياسات الدولية الإقليمية أولاً، أي في الإقليم الذي تقع فيه الدولة من خلال المشاركة الجيدة في برامج التعاون الإقليمي لمجابهة الكوارث والأخطار البيئية كالتصحر والجراد الصحراوي، والتغير المناخي، والتعاون الاقتصادي وحل النزاعات السياسية بالطرق الدبلوماسية، والدولية ثانياً، أي المساهمة في تحقيق السلم العالمي ومحاربة قوى الظلم الدولية وتوجيه طاقات الدول المغلوبة على أمرها، أو المستضعفة، نحو التنسيق والتوحد لمجابهة المستعمرين الذين يُغيّرون ألوانهم وأشكالهم وأدوارهم باستمرار، ولكن تبقى أهدافهم واحدة في الهيمنة واستغلال الشعوب ونهب خيراتها والتسلط عليها، وجعلها باستمرار في حالات من الاضطراب وعدم الاستقرار، كي لا تستطيع التقدم والنمو والتنمية وتحقيق الرفاهية لسكانها.

العلاقة المتزنة 

بين المواطن والوطن

 إذاً الدراسات الجغراسية والجيوبوليتيكية توجد تناغماً بين الداخل والخارج بالنسبة لقوة الدولة، فالدولة القوية تنتج جيداً وتوزع إنتاجها على سكانها وفي أقاليمها الداخلية جيداً، وتخلق فرص عمل كافية لقوة العمل فيها وتبني بنى تحتية وخدمات جيدة وكافية وتوظف إمكاناتها لتقوية دورها ومكانتها إقليمياً ودولياً، من هنا تأتي أهمية القيادات السياسية ودورها الفعال في استثمار وتوظيف وقيادة الإمكانات المميزة في الدولة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً لدفع الدولة قدماً باستمرار لتكون الأفضل بالنسبة لسكانها ولمواطنيها، لأن الأساس في قوة الدولة وجودتها هو العلاقة القوية المتينة المتزنة بين المواطن (المجتمع) وبين الوطن (الدولة)، إنه المعيار الذي تقاس جودة الدولة من خلاله.