من وراء تدهور المراعي؟

من وراء تدهور المراعي؟

مع تدهور المراعي وتدهور الثروة الحيوانية في الوقت الراهن أصبحت المراعي تأخذ دوراً متزايداً في الحفاظ على الأمن الغذائي، وأخذ المزيد من الباحثين يحاولون توفير أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات لتهيئة الأرضية، لاتخاذ قرارات أكثر منطقية فيما يخص المراعي.

وفي هذا السياق صدر كتاب بعنوان «المــراعـي في الوطـن العربـي»، بقلم: د. عمـر عبـد المجيـد دراز م. عبد الله توفيق مصري، وهو من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة في دمشق ٢٠١١.

حماية المراعي وصيانتها

يُعدّ المجتمع العربي مجتمعاً رعوياً منذ فجر التاريخ، حيث أن نحو ٩١% من أراضيه موزعة بين بوادٍ وصحارى لا تصلح للزراعة بسبب قلة الأمطار والمياه، وبما أن المراعي كانت من مقومات حياته، فلا عجب أن نرى أن المصلحة قد قادته بالفطرة الى أن يقوم المجتمع الرعوي بحماية مراعيه وصيانتها وفقاً للأعراف، وكشاهد مادي على توفر الكلأ بسبب هذه السياسة هو ما أنتجته مراعي الجزيرة العربية من سلالات الخيل والإبل والأغنام المشهورة عالمياً.

الرعي الداشر

لظروف سياسية، وضعت معظم الدول العربية تشريعات تهدف إلى ٳلغاء سياسة العرف (القانون غير المكتوب) أو حق الانتفاع على الأرض، وشجعت على زراعة أراضي البادية، وبعبارة أخرى فتحت باب نقص الكلأ والتصحر على مصراعيه، نتيجة لشيوع الرعي الداشر أو المستباح وحراثة المراعي، بدلاً من سياسة المنازل والديار والأحمية الرعوية.

تشريعات بعيدة عن الواقع

انتبهت بعض الدول العربية إلى هذه المأساة عن طريق الخبراء الذين يعلمون أن إيقاف التصحر والتنمية ليس بالعسير، إذا كان هناك إرادة سياسية لتطبيق التشريعات الحالية، وبما أن المسؤولين عن تطبيق التشريعات في البلاد العربية يعتقدون ضمناً وليس ظاهراً، بأن التصحر وقلة الكلأ هما بيد الطبيعة وليس للإنسان يد في ذلك، وقد أدى هذا الاعتقاد إلى ﺇخفاق معظم مشاريع التنمية في المناطق الجافة وضياع الأموال وخيبة الأمل.

تأهيل مراعي البادية السورية

إن الهدف من هذا الكتاب واضح بما يحويه من صور ووثائق، إن تدهور مراعي البادية أو إعادة تأهيلها هي بيد الانسان، حيث من الممكن تأهيل مراعي البادية السورية خلال خمس سنوات دون تكاليف تذكر في حال تنفيذ المرسوم التشريعي رقم ١٤٠ لعام ١٩٧٠ وذلك بحماية مراعي تعاونيات تحسين المراعي وتربية الأغنام من التعدي، وذلك على غرار الأراضي الزراعية. إن ظاهرتي الاحتباس الحراري والتصحر هما من تحديات هذا العصر، علماً بأن إعادة تأهيل بوادي البلاد العربية بنباتاتها الرعوية هي من العلاجات الهامة والمتوفرة لهاتين الظاهرتين، كما أن البحث عن الاستفادة من الطاقة الشمسية التي تهدف إلى تحلية المياه المالحة لري الأراضي يعد طلباً لحل مشكلة الغذاء في المستقبل.

ضعف الغطاء النباتي

هذا ومن المعروف من جهة أخرى وبعيداً عن الكتاب أن مساحة المراعي في الوطن العربي /510/ مليون هكتار موزع بعضها على الشكل التالي: 51.5 مليون هكتار إقليم المشرق العربي (سوريا – لبنان فلسطين –الأردن –العراق) -أي 10% من مساحة المراعي 111 مليون هكتار في إقليم المغرب العربي (المغرب – موريتانيا –الجزائر –تونس ليبيا) – أي 22% من مساحة المراعي. (201) مليون هكتار في إقليم الجزيرة العربية (الكويت – قطر – البحرين – السعودية –الإمارات العربية – اليمن ـ سلطنة عمان) أي 29%.

تقع معظم المراعي الطبيعية في الوطن العربي بين خطي تساوي معدل الأمطار 50-200 مم ولها مناخ جاف وشبه جاف ويتسم الغطاء النباتي بالضعف العام وقلة الكثافة وانخفاض التغطية النباتية وبساطة التركيب النوعي وقلة الأنواع المكونة للعشيرة النباتية وانخفاض معدل الإنتاجية في وحدة المساحة وبذلك 20% من المراعي مخربة 50% مراعي متدهورة 20% مراعي جيدة 10% مراعي ممتازة والرقمين الأخيرين يقتصر وجودها في المناطق الجبلية.

أما فاعليات عمليات التصحر السائدة فهي متعددة: كالتعرية المائية والتعرية الريحية، والتدهور البيولوجي، والتدهور الفيزيائي (تدهور تركيب التربة) والتدهور الكيميائي (التملح –الناقلية –تركيز المواد السمية)، وهو من أهم العوامل المذكور.

تحولت إلى أراض زراعية

تقع الأسباب الكامنة وراء ظاهرة التصحر في التغيرات المناخية طويلة المدى، التي تعاقبت فيها عصور جافة وأخرى رطبة عبر الأزمنة الجيولوجية في المنطقة العربية، مما أدى إلى نشوء الصحارى مثل الصحراء الكبرى، والتقلبات المناخية الحالية وهي عبارة عن فترات جافة لعبت دوراً كبيراً في عملية التصحر، ونشوء الكثبان الرملية، ومن أبرز سماتها طول وتكرار حالات الجفاف، وتذبذب وقلة في الأمطار، وشدة الرياح، وغلبة الحرارة المرتفعة والأنشطة البشرية التي تتمثل بتزايد سريع في معدلات النمو السكانية، وارتفاع معدل الاستهلاك، والاستخدام السيء للغطاء النباتي وتحويل أراضي المراعي إلى أراض زراعية إضافة إلى الرعي الجائر وقطع الأخشاب وحرق الأعشاب والأدغال أي الاحتطاب.