حروب جديدة..

حروب جديدة..

يصادف السادس من آب من كل عام ذكرى إطلاق القنبلة الذرية الأولى على مدينة هيروشيما اليابانية، ذلك اليوم المشؤوم من عمر الإنسانية الذي لا يزال حاضراً في ذاكرة الكثيرين، لكن القليل منا يعلم عن الاجتماع السري الذي تم عقده في اليوم ذاته من العام 2003 في إحدى القواعد الجوية في مدينة «نبراسكا» الأمريكية، اختار كبار المسؤولين عن المجمعات العسكرية الأمريكية الخاصة هذه الذكرى بالذات، للإعلان عن حقبة جديدة من الصناعات العسكرية الأمريكية، إنه الجيل «الأحدث» و«الأصغر» و«الأكثر فعالية» من القنابل النووية «التكتيكية»، ويا له من يوم لمثل هذا الإعلان!

تشهد السنون الأخيرة توتراً ملحوظاً في العلاقة بين روسيا والغرب، معيدة إلى الأذهان زمن القطبية الثنائية وتحدياته السياسية والعسكرية، مناورات لحلف «الناتو» تليها تجارب صاروخية دفاعية وهجومية تلحقها تدريبات على ضربات جوية بعيدة المدى، كما أن اضطراب الأجواء في منطقتنا واحتدام الصراعات الإقليمية ساهم في العديد من دول العالم إلى إعادة التفكير بالكثير من الخيارات السياسية والعسكرية على الطاولة، ربما لم يصل مستوى التوتر إلى حد الحديث عن «حرب نووية» مقبلة، التي ألقت بظلالها على العالم يوماً، لكن البعض يسعى اليوم إلى إعادة تسويق هذا الخطر الجهنمي، مدفوعاً فقط بسعيه الدائم إلى تحقيق المزيد من الأرباح، ففي زمن لم تعد فيه الصواريخ النووية التقليدية قابلة للاستخدام من دون عواقب كارثية سياسياً وعسكرياً، أصبحت مثل تلك الأسلحة عبئاً على مشغليها، كما أن سيناريو «هيروشيما» لم يعد قابلاً للتطبيق في هذه الأيام من دون عواقب ومساءلات، لذا كان لابد من اختراع بديل أكثر «مرونة» و «قبولاً سياسياً» من الصواريخ الكبيرة، البديل الذي يمكن عن طريقه الاستفادة من الفعالية الكبيرة للسلاح النووي ضد الدول «غير النووية» في أي وقت ودون أن يعلم أحد بذلك.


أسلحة نووية مصغرة

تناقلت وكالات الأنباء منذ عدة أسابيع، أخباراً تحذر فيها من نية تنظيم «داعش» امتلاك أسلحة نووية مصغرة، جوبه الخبر في البداية بالسخرية من العديد من المحللين، لم يتخيل أن يستخدم سيارات الدفع الرباعي كعربة رئيسية في ترسانته، أي نوع من القنابل النووية الصغيرة أو الكبيرة، لكن التورط الأمريكي في تسليح وتعبئة هذه التنظيم والأخبار المتلاحقة عن نجاح التجارب العسكرية الأمريكية لما يسمى «الأسلحة النووية التكتيكية» في ميادين القتال المعاصر رفع مستويات التحذير، من قابلية استخدام «داعش» كأول المستثمرين، ومتابعة نتائج التنفيذ على أرض الواقع وربما استخدام النوع ذاته من الأسلحة في التعامل معه لاحقاً من الجو، والنتيجة، أموال بالجملة تتدفق من أطراف الصراع إلى حسابات شركات التسليح الأمريكية.


لا داعي لقرار رئاسي

تدافع شركات الدفاع والتسليح الخاصة عن هذا النوع الجديد من الأسلحة، عن طريق التركيز على «محدودية» تأثيرها وتركيزها على مساحات محددة تستخدمها المجموعات الإرهابية، أي أنها النسخة الأكثر أماناً من الصاروخ التقليدي المدمر، لكن ذلك بالطبع غير صحيح، فقد أثبتت التجربة أن الصواريخ التي أطلقها الطيران الأمريكي في العراق عام 2005 في مواجهة التحصينات تحت الأرضية العراقية والمخصبة بالمواد الإشعاعية، قد تركت آثاراً غير مسبوقة في التربة والمياه والجوفية والتجمعات السكانية المحيطة، والتي قد تبقى حاضرة لعدة عقود قادمة، كما أن «تصغير» السلاح النوري يعني بالضرورة تبني قرار إطلاقه من قبل تشكيلات عسكرية تقع في مستويات منخفضة من سلم التراتبية، فلا داعي لقرار رئاسي يحمل كبار المسؤولين في الدولة مسؤولية الإطلاق، وستقع المسؤولية في هذه الحالة على قائد إحدى الوحدات العسكرية، الذي قد يتعرض للمساءلة لاحقاً ليتم استبداله على الفور ومن دون أي جلبة، إنه حل مثالي لـ«غسل الأيادي من دماء الأبرياء»!


سياسات سرية متجددة

أصبح لتلك المجمعات العسكرية الخاصة اليد الطولى الآن، فهي تدعم أطراف النزاعات بالسلاح، وتدفع بجماعات الضغط للتأثير على القرارات السياسية التي تمس قرارات الحروب والمواجهات، وهي لا توفر أي جهد في استثمار المليارات في تطوير وسائل أكثر تدميراً وبطشاً، دون أن تثير الكثير من الاهتمام العالمي لسياساتها السرية المتجددة، إنها الخطر الأول والأخير على الحياة البشرية بعد أن غابت حجة المنطق في قراراتها، ولم تعد تهتم إلا بزيادة الأرباح على حساب عذاب الأبرياء حول العالم.