تحت الطاولة

تحت الطاولة

شهدت الشهور الماضية، تغطية إعلامية مكثفة، لتفاصيل المحادثات النووية الإيرانية، مع أطراف غربية عديدة، كان الجميع يراقب تطور أحداث هذا الاتفاق التاريخي من على الشاشات، لكن يبدو أن هناك فريقاً لم يستطع الانتظار.

فريق حاول على الدوام منع حدوث أي اتفاق بين تلك الأطراف المجتمعة، تابع ذلك الفريق «شاشاته» الخاصة، ويبدو أنه قد توصل إلى تفاصيل سرية لم يعلم بها أي من المتابعين العاديين، تفاصيل أعطته كرسياً مجانياً على طاولة المفاوضات دون أن يشعر به أحد!

أطلقت شركة «كاسبارسكي» المتخصصة بشؤون الحماية الرقمية إعلاناً مثيراً، وأفضت إلى العالم عن اكتشافها لنوع جديد من البرامج الخبيثة التي تتمتع بميزات غير مسبوقة، اختارت الشركة بداية الأسبوع الماضي توقيتاً لذلك الإعلان، بعد أن أمضت بعض الوقت في تفحص محتواه، ظن الجميع أنه إعلان اعتيادي تطلقه الشركة كل عدة أيام، تسرد فيه آخر أخبار البرامج التجسسية الخبيثة، وطرق الكشف عنها وإبطال مفعولها، لكن الأهداف التي هاجمها ذلك التطبيق رفعت مستوى الاهتمام إلى حدود كبيرة، بعد أن أفاد المتحدث الرسمي باسم الشركة، إصابة ثلاثة فنادق احتضنت المباحثات النووية الأخيرة بهذا البرنامج التجسسي الخطير، دعي البرنامج بـ «Duqe – 2»، وتبين لاحقاً أن جميع الأجهزة الإلكترونية العاملة داخل تلك الفنادق، قد أصبحت تحت سيطرة الجهة التي قامت بإرسال هذه البرنامج، يتضمن ذلك بينات الميكروفونات والكاميرات، وأجهزة الهاتف الثابت وشبكة الأنترنت وغيرها الكثير من الأجهزة الالكترونية، التي تابعت تفاصيل تلك الاجتماعات كافة.

عشرة ملايين دولارات على الأقل

لم تعلن شركة «كاسبرسكي» بعد عن هوية تلك الفنادق، وكانت حذرة جداً في الإفصاح عن التفاصيل، لكنها منحت الخبراء الكثير من الدلائل عن هوية الفاعلين، فاسم«Duqu»  إن قسم إلى مقطعين يعني باللغة العبرية القديمة: «الحق» و «الرصد»، كما أن الشركة استخدمت كلمة bet»» وهي تقابل الرقم اثنين في الأبجدية العبرية، للدلالة على الرقم اثنين في اسم التطبيق الخبيث هذا، وأفادت بأنه يتشابه في بنيته إلى حد كبير مع فيروس « Stuxnet» الإسرائيلي الذي أصاب المنشآت النووية الإيرانية في العام 2010 والذي شل عمل الكثير من المفاعلات النووي إلى حد كاد أن يتسبب بكارثة إنسانية لا تختلف كثيراً عن كارثة مفاعل تشرنوبل الشهير، تستمر أصابع الاتهام بالتوجه إلى «إسرائيل» دون أن يتم الحديث عنها بصراحة، حيث اكتشفت الشركة بأن جهداً تقنياً ومادياً قد بذل لتطوير ذلك التطبيق ليجعله من أقوى البرمجيات الخبيثة العاملة حالياً، ذلك الجهد الذي لا يتوفر حصراً إلا عند بلدان قليلة للغاية تشتهر بمثل تلك العمليات الالكترونية، حيث قدر المسؤولون في «كاسبرسكي» كلفة ذلك بحوالي عشرة ملايين دولار على الأقل، أي أنه ليس من صنع هواة أو قراصنة اعتياديين، هو نتاج عمل فريق حكومي، مدعوم متكامل، يتوق إلى استخدامه لاختراق سرية تلك المفاوضات.

سرقة بيانات رقمية حساسة

سارعت الحكومة «الإسرائيلية» إلى نفي تلك الاتهامات الضمنية، خاصة بعد أن بدأت الكثير من الصحف العالمية بقراءة ما بين السطور، كما استحضرت أمام أعين القراء تقريراً كانت قد نشرته صحيفة «وال ستريت جورنال» قبل بدء المفاوضات بعدة أسابيع، تضمن التقرير حينها شهادة بعض القادة الأمنيين الأمريكيين، وهم يتحدثون عن قيام الحكومة «الإسرائيلية» بالبدء بتنفيذ خطة محكمة تستخدم أساليب إلكترونية غير مسبوقة، لتقويض أية اتفاقية مستقبلية قد تجريها الحكومة الأمريكية مع إيران، كما استعرض التقرير شهادة العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين حضروا تلك الاجتماعات في النمسا وسويسرا، حول قيام اختصاصيين تقنيين بفرض العديد من المحاضرات المكثفة، تتحدث عن تهديد «إسرائيلي» قد يتضمن حالات سرقة بيانات رقمية حساسة، أو تجسس على الهواتف النقالة، بدا وكأن الجميع يتوقع أن تحاول الحكومة «الإسرائيلية» القيام بخطوة جريئة كهذه، لكن Duqu 2»» كان أعمق وأذكى مما توقعته أجهزة الحماية الرقمية وكشف البرامج الخبيثة الموزعة داخل الفنادق المجهولة تلك.

الجيوش الرقمية السوداء

ما زالت القضية في بدايتها وما زال البحث جارياً عن التفاصيل من قبل العديد من الشركات الأمنية التي رأت في مثل تلك البرمجيات تهديداً خطيراً يستدعي المزيد من العمل والمتابعة، وبدا بأن المستقبل يحمل الكثير لمثل هذا النوع من الحروب الإلكترونية السرية التي قد تشعل حروباً وتخمد أخرى بلحظة عين أو ضغطة زر، بينما يتابع المستخدمون العاديون التفاصيل «العادية» لأخبارهم اليومية دون أن يعير أحد انتباهاً للجيوش الرقمية السوداء في الأقبية المظلمة.