البعد العمراني في المنتج المعماري

البعد العمراني في المنتج المعماري

تحت عنوان «البعد العمراني في المنتج المعماري، مفاهيم بين العمارة المحلية، والأعمال المعمارية العالمية في بعض البلدان العربية» قدم كل من الباحث المهندس محمد محمود نسب وأ. د. م. عقبة فاكوش وأ.د.م. بيـير نـانو من قسم التصميم المعماري – كلية الهندسة المعمارية – جامعة دمشق بحثاً إلى مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية في العام 2014.

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو العمارة العالميـة الحديثة في شتى أصقاع العالم، ومع التزايـد الملمـوس والمتشعب لموارد الأفكار المعمارية، يتجه كثيـر مـن المعماريين العالميين الذين يشكلون أيقونات مهمـة فـي عالم العمارة، بشكل فردي إلى التراث القديم في استنباط أفكارهم المعمارية والعمرانية، التـي تُرجِمـتْ خـلال الأعمال المختلفة لهم في مواقع ومواضع مختلفة. وفي الوقت الذي يتجه فيه المعماريون المحليـون إلـى استيراد أفكار معمارية عالميـة عديـدة فـي صـناعة عمارتهم الخاصة، يتوجه المعماريون العـالميون فـي أعمالهم المعمارية والعمرانية إلـى الأفكـار التراثيـة والمحلية التي كانت سـائدة فـي المنـتج المعمـاري والعمراني المحلي في بلداننا العربية. إِذْ ظهـرت هـذه الحالات بشكل واضح وملموس في التجارب التي قاموا فيها ببناء أبنيتهم وأفكارهم المعمارية في بيئاتنا العربية، وما فرضته عليهم من خـصائص مكانيـة وجغرافيـة وتراثية، وأثرت في منتجاتهم المعماريـة والعمرانيـة. فكان واضحاً أنهم توجهـوا إلـى التـراث المعمـاري والعمراني القديم واستنبطوا منه حلولاً توجه أعمالهم في بلادنا العربية. تناول البحث جملة من الأفكار العمرانية التي أُفيد منها، وأُعيد تشكيلها وصياغتها من جديد في المباني المعمارية التي تحولت إلى جزء من التشكيل المعمـاري للمبنـى، بعد أن كانت مفهوماً عمرانياً بنيةً وتشكيلاً، ومـن هنـا تنطلق فكرة هذا البحث، وهي: تطويع المفاهيم العمرانية فـي النـسيج القـديم لتكـون عناصر معمارية متميزة ضمن المنظومـة المعماريـة للأبنية الحديثة، وأهمية إضافة البعـد العمرانـي إلـى التشكيل المعماري للمبنى الحديث، وبمقاييس مختلفة.

توجه نحو العالمي وإهمال المحلي

وتتلخص إشكالية البحث في توجه المعماري المحلي نحو الأعمـال والعمـارة العالمية، وإهمال الأفكار المحلية التي من شأنها رفع سوية العمل المعماري والعمراني المحلي، في الوقت الذي يسعى بعض المعمـاريين العـالميين نحوهـا لتطوير أعمالهم المعمارية والعمرانية محلياً وعالمياً. 

غياب البعد العمراني في العمل المعماري، وتحول الأعمال المعمارية مـن أعمـال ديناميكيـة تحمـل خصائص مكانية وفراغيـة متميـزة، إلـى أعمـال شكلانية تتميز فقط ببنيتها وحجومها الجميلة التـي لا تحمل القيم الفراغية التي كانت تتغنى بهـا العمـارة المحلية القديمة، وبـشكل خـاص علـى المـستوى العمراني، وتظهر هذه المشكلة في كثير من المبـاني العامة والخاصة التي قامت مؤخراً في بلداننا العربية. 

معالجة المعماري العالمي الذي يحمل قيماً معمارية وعمرانية مختلفة، وإرثاً حضارياً مختلفـاً، للمفـاهيم العمرانية المحلية القديمة. وقيامه بتعريتها من مكانها، ومواصفاتها الاجتماعية والثقافية والفراغية، وإعـادة طرحها وفقاً لطريقة فهمه لها، ووفقاً لمعرفته المهنية والثقافية، وما يراه متناسباً مع موقعها الجديد كعنصر معماري ضمن المنظومة المعمارية للعمل الذي يقوم به، الأمر الذي أغناها وأبرز مواصفاتها بشكل مميز وحديث، بعد أن كانت ظاهرة بشكل مختلـف عنـدما كانت جزءاً من المنظومـة المعماريـة والعمرانيـة القديمة. ودون إغفال أهميتها القديمة.

دور العلوم في التجارب المعمارية

«تبعاً لتعدد مصادر العلوم والمعرفة في التجارب المعمارية والعمرانية الحديثة محلياً وعالمياً، وتبعـاً لأهميـة التـراث المعماري محلياً وعالمياً، ودوره في التأثير في تطور الفكر المعماري العالمي. يقوم البحث بتنـاول مجموعـة مـن المفاهيم المعمارية والعمرانية المحلية، التي كان لها دور بارز في كثير من الأعمال العالمية في بلداننا العربية.

أهمية وجود عناصر عمرانية محلية قديمة

 تناول البحث أهمية وجود مجموعة من المفاهيم والعناصر العمرانية بشكل خاص، التي كانت موجودة فـي العمـارة المحلية القديمة في النسيج المحلي للمدن العربية، ومحتوياتها المعمارية. وانتقال هذه المفاهيم العمرانية لتكون جزءاً من المنظومة المعمارية وليس العمرانية فقط. إِذْ كان من الممكن لبعض المعماريين العـالميين والمحليـين الإفـادة منهـا والاستقاء من مبادئها وأسسها، ونقلها إلى المنظومة المعمارية بعد أن كانت تطبق على المستوى العمراني فقط، ضـمن النسيج العمراني للمدن القديمة، الأمر الذي أدى إلى بروز البعد العمراني بشكل ضمني في المباني المعمارية، فظهرت هذه المباني التي تحمـل فـي بنيتها التشكيلية خصائص عمرانية، أدت إلى تميز هذه المباني بمجموعة من الميزات والخصائص التي تنـاول البحـث بعض تفاصيلها. 

نماذج من البنية العمرانية للنسيج القديم

وقام البحث باستعراض مجموعة من الأبنية المعمارية العالمية، التي نُفِّذَتْ في البلدان العربية، والتي تحتوي على مجموعة من المفاهيم العمرانية التي كانت أسساً رئيسة في البنية العمرانية للنـسيج القـديم فـي بلـداننا العربية. كما قام البحث بالدلالة إلى هذه الاستخدامات والعناصر العمرانية التي استُخْدمتْ ضمن البنية المعماريـة للمبـاني المستعرضة خلال البحث، والتأكيد على أهميتها ضمن المنتج المعماري، وتوضيح الميزات التي تتحلـى بهـا المبـاني المعمارية التي تحتوي على هذه العناصر، وطريقة تعاطيها مع البيئة العمرانية والمكانية المحيطة بهـا وفقـاً لأهميـة الدور العمراني ضمن منظومتها التشكيلية على المستويين المعماري والعمراني.»

أهمية البحث

قدم البحث للمعماري المحلي مجموعة من النماذج التي تحمل قيماً معمارية وعمرانية مألوفـة، ولكنهـا معالجة بطريقة مختلفـة، ويكمـن هـذا الاخـتلاف باختلاف ثقافة المعماري العـالمي، الـذي تناولهـا، وأعاد تأويلها. 

 إعادة إلقاء الضوء على العناصر العمرانية التـي كانت سائدة ومستخدمة في النسيج العمراني العربـي والمحلي القديم. وطرح إمكانية إعادة صياغتها في حلّة جديدة ضمن المعايير الحديثة للعمارة والعمران. 

 الإشارة إلى أهمية البعد العمرانـي فـي العمـل المعماري، والتعامل مع العمل المعماري من وجهـة نظر مختلفة، تحمل قيمـاً مكانيـةً وزمنيـةً متمثلـةً بالعناصر العمرانيـة التـي يحتويهـا هـذا المنـتج المعماري

إنها دعوة لقراءة الأبحاث الهامة التي ينشرها الباحثون السوريون في المجلات العلمية المتخصصة للاستفادة منها في تقييم الواقع الراهن ومحاولة تغييره نحو الأفضل.