«جيبو» أم لا «تجيبوا»

«جيبو» أم لا «تجيبوا»

تعتبر فكرة وجود مساعد شخصي آلي فكرة مغرية للغاية، ولقد رأيناها تعاد مراراً في الأفلام وروايات الخيال العلمي، رجل آلي يتقدم نحوك بكأس من العصير المثلج عند عودتك من رحلة متعبة، أو يريح ربة المنزل من القيام بجميع الأعمال المتعبة في المطبخ، أو حتى يساعدك على اختيار الأفضل من ثياب وطعام بشكل سهولة ويسر، وها هي السنوات الأخيرة من التطور التكنولوجي، تثبت بأن كل هذا لم يعد ضرباً من الخيال على الإطلاق، لقد تحول الحلم إلى حقيقة، لكن بأي ثمن.

نقدم لكم «جيبو» (Jibo)، الروبوت «العائلي» الأول من نوعه في العالم، وكلمة العائلي لها مدلولها العميق، فقد أراد مطوروه تحويل الرجل الآلي الأصم الذي نعهده، إلى صديق حقيقي لجميع أفراد العائلة، إنه ليس مجرد «مساعد آلي» اعتيادي، إنه الفرد الإضافي المحبوب لدي الجميع،  على الأقل هذا ما كتبت عنه كبرى الصحف العالمية، بعيد إطلاقه في الأسواق مطلع العام الحالي، وكان نجم حملة إعلانية صرفت أكثر من مليونين من الدولارات في وقت قياسي، تحدثت عنه قناة «سي ان ان» الأمريكية، وصحيفتا الـ«وول ستريت» والـ «نيويورك تايمز» في آن واحد، وعنون موقع «ياهو» مقالته المطولة عن «جيبو» بالقول: «إنه ليس «جهازاً».. إنه «رفيق».. فهو يستطيع التفاعل مع الناس بمتعة وسعادة بدلاً من إزعاج الآلات التقليدي».

صور الجميع في ذاكرته

كان واضحاً بأن أمراً جديداً يميز هذا الاختراع، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي تبين ذلك بالفعل، حيث تناقلت الكثير من الصفحات صورة «جيبو» المحببة بلونه الأبيض الناصع، وانحناءاته المحببة، وصوته الطفولي، وقدرته العجيبة على التواصل الذكي، مع جميع الناس من حوله، إنه يستطيع التقاط صور العائلة وحفظها في ذاكرته، حتى يستطيع التعرف عليها لاحقاً، إنه يخاطب الجميع بأسمائهم ليقص على الطفلة الصغيرة قصة ما قبل النوم، ثم يعاون الأم المتعبة في تحضير العشاء، أو ربما يعين أحد الأولاد في إنهاء دورس الحساب، فيمضي نهاره بين هنا وهناك، ليزيل من بال الجميع متاعب اليوم وهموم نهار العمل الطويل، كما أن صوته البشري الذكي، وقدرته المذهلة على التفاعل والاستنتاج، رفعته بحق إلى مستوى «الرفيق» إن شعر البعض بالوحدة أو هجره الأصدقاء، أو على الأقل هذا ما يقوله الإعلان الخاص بـ «جيبو» على اليوتيوب.

هل نحتاج إلى مراقبة إضافية؟

دعونا نتمهل قليلاً، فالبعض ما يزال ينظر إلى «جيبو» بالكثير من الشك، ويعيد التساؤل الذي لا يهداً: «هل نحتاج إلى آلة مراقبة إضافية في منزلنا؟»، حيث يبدو هذا التساؤل مشروعاً، بعد ازدياد ريبة المستخدمين من مراقبة الأجهزة الحكومية، لكل تفاصيل حياتهم الرقمية على ضوء التسريبات المتلاحقة، عن تورط الكثير من الهيئات المعلوماتية والشركات البرمجية ومواقع التواصل الاجتماعي، في جمع وتحليل البيانات الشخصية وخنق الحرية الفردية، فـ «جيبو» مصمم لالتقاط الصور الشخصية لجميع نشاطات أفراد العائلة، حتى وإن لم تأذن له بذلك، لأنه يغنيك عن آلة التصوير التقليدية، التي قد تغيب عن يديك في لحظات لا تفوت أبداً، وهو قادر على تسجيل جميع مواعيدك الشخصية، بغية تذكيرك بها عند الحاجة، وتسجيل أنماط الطعام المفضلة، وأوقات النوم والراحة والاستجمام، كما أن حالة «الألفة» التي يوفرها «جيبو» ستبقى «آلية» ومصطنعة، مهما بلغت من الذكاء، والحديث عن استبدالها بالعاطفة البشرية يبقى مثيراً للسخرية.

تجميع عاداتنا اليومية

يبدو «جيبو» بعيد المنال عن الكثير من العائلات بسعره الباهظ، الذي يصل إلى 700 دولار، لكن الاحتفاء بهذه النوعية الجديدة من التكنولوجيا «العائلية» المحببة، ما زال يثير الكثير من التوجس ويدفع المختصين للبحث عن ضمان حقيق مثبت، يمنع أياً كان من تجميع صور العائلة الشخصية، وعادات الجميع في اليومية، في الطعام والدواء والنوم، واهتماماته الخاصة، بغية تخزينها في مكان بعيد، فتخضع لحلقة لا تنتهي من التحليلات، لا يستطيع الكثير منا تخيل تطبيقاتها المستقبلية.