«جيناكم.. باليورانيوم..!!»

«جيناكم.. باليورانيوم..!!»

صور الدمار بدأت بالانتشار في كل مكان، جماعات من البرابرة بدأت تجتاح المدن العراقية لتدمر وتقتل كل ما تراه أمامها، هو حقد أعمى تغذيه رواسب جاهلية بقيت حاضرة بين النفوس تذكي نارها عداوات الجيران وحسابات الماضي البعيد، عادت صور العراق إلى الواجهة اليوم والصدمة بادية على الوجوه، وسرعان ما تنادت الجموع لنجدة الآلاف من العراقيين بين جرحى ومهجرين من النساء والأطفال والشيوخ،

وبدأت قوى أخرى تستغيث بالأمريكي لانتشال البلاد من فكاك التنظيم الإرهابي الأكثر «غنى» في العالم، كما وصفته الصحافة الاوروبية اليوم، يظن بعض من هؤلاء أن سوء الوضع الإنساني وحرج الموقف العسكري هو ما سيدفع بالغرب للتدخل وحسم الموقف، لكن، تبدو التقارير التي نشرت حول مثل هذه «التدخلات» مخالفة لما قد يتوقعه البعض منهم، وبالأخص حين تبدأ التحاليل العلمية لآثر تلك «التدخلات» بالظهور، حينها يظهر العراقي و يا للأسف.. رقما في إحصائية.

مكون إشعاعي فائق الخطورة

مضى أكثر من عقدين من الزمن على التدخلات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة في شؤون العراق، حربان من الحروب الكبرى شهدتها الأراضي العراقية بعد أن دخلتها قوات البحرية الأمريكية ومشاتها الحربية، لكنها تركت إرثاً كبيراً يفوق «نجاحاتها» في قصف المدنيين وتشريد عوائلهم وسرقة كنوزهم التاريخية وترسيخ الانقسامات الضيقة فيما بينهم، إننا نتحدث هنا عن أثر مباشر ستحمله كل أم مع جنينها من قبل أن يولد، عن سم قاتل يبقى في الجسد حتى ما بعد الموت، إنه اليورانيوم المنضب، والذي أدى أمام العراقيين استعراضاً مميزاً ، بعد أن أثبتت الدراسات تجارب الأمريكيين الحربية باستخدام هذا المكون الإشعاعي فائق الخطورة خلال العقدين الماضيين وفي أكثر من مناسبة على الأراضي العراقية دون أي خجل..

يخترق الدروع

اليورانيوم المنضب مادة مميزة بالفعل، حيث يعد ناتجاً ثانوياً من عمل المفاعلات النووية التقليدية، وهو يستعمل في العديد من المجالات المدنية كصناعة الأثقال والموازنة للطائرات، كما يستخدم في المستشفيات كواق ضد الإشعاع الصادر من الأشعة السينية «X Ray» وفي حاويات نقل المواد المشعة، كما أخذ في الاعتبار شدة كثافة اليورانيوم المنضب التي تبلغ حوالي ضعف كثافة الرصاص وقدرته على اختراق أقوى الدروع مما جعله مناسبا جدا لصناعة الذخائر المصممة لاختراق ألواح التصفيح المستخدمة في الدبابات المعادية، عندها يتركز استخدام اليورانيوم المنضب في رأس الذخيرة التي تستخدم لتدمير تلك الدبابات. وفي الوقت الحاضر لا يوجد معدن بديل عنه ويحمل نفس الصفات الاختراقية. كما انه يعتبر رخيصا جدا، ومتوفر بكميات كبيرة حتى أن مصانع الذخيرة تحصل عليه في كثير من الأحيان بأسعار رمزية!

2000 طن في الحرب العراقية

هناك أكثر من 15 دولة معروفة تستخدم اليورانيوم المنضب في صناعة الذخائر، لكن استخدام ذلك النوع من اليورانيوم وبكميات كبيرة في المعارك كان من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية دون منازع، حيث تم استخدام اليورانيوم المنضب لأول مرة بكميات كبيرة في «حرب تحرير الكويت» كما سميت آنذاك. وقد تراوحت الكميات المستخدمة بين 300 إلى 800 طن من اليورانيوم المنضب «حسب مختلف المصادر». بينما أشار تقرير من منظمة الأمم المتحدة للحماية البيئة «UNEP» أن القوات البريطانية والأمريكية قد استخدمت كميات من الذخيرة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب يصل إلى حوالي 2000 طن في الحرب العراقية التي تلتها وفي المناطق المأهولة بالسكان في معظم الأحيان.

الموت البطيء

بكلام آخر، عندما تخترق قذيفة من اليورانيوم المنضب صفائح الدبابة المدرعة، ينتج عن ذلك شظايا وغبار من أكسيدات اليورانيوم يختلف حجمها من الكبيرة التي يمكن رؤيتها إلى الجزيئات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة. عندها يتم استنشاق الجزيئات الدقيقة من غبار أكسيدات اليورانيوم عبر الجهاز التنفسي لتبدأ مفاعيلها السامة بالانتشار في كافة انحاء الجسم لتبدأ مرحلة الموت البطيء على عدة مراحل بعد اختلال الجهاز العصبي وانهيار الجهاز التنفسي وفشل الجهاز الكلوي والكبد واضطراب في عمل الخلايا اللمفاوية، حيث قد يستمر ذلك لسنين، بالإضافة إلى قدرة هذه الجزيئات الدقيقة من الغبار على الانتقال عبر الهواء وتلويث مناطق واسعة من الأراضي بما فيها من أنواع حية وصولا إلى الانسان العادي البعيد عن ساحات المعارك، ليبدأ الحديث هنا عن التشوهات الخلقية والخلايا السرطانية.

مليونا عراقي

أشارت التقارير الحديثة إلى أرقام مخيفة، حيث تحدث تقرير نشر في عام 2009 عن مئات الأطنان من الذخائر التي أطلقها الجيش الامريكي في مناطق مكتظة بالسكان كالبصرة وبغداد والناصرية والديوانية وغيرها، كما تم قياس نسب مرتفعة من اليورانيوم المنضب في الأراضي الزراعية في تلك المناطق، كما يتذكر الجميع تصريح وزير البيئة العراقية في العام 2007 في إحدى المؤتمرات البيئية في القاهرة عندما نشر وثائق عن 350  موقعاُ داخل الأراضي العراقية يحوي كميات سامة من اليورانيوم المنضب ، يضاف إليها تقارير عدة خلال العقد الماضي فحسب، أكدت وفاة أكثر من مليوني عراقي بأمراض سرطانية واختلالات جينية ناجمة عن تلوث اشعاعي باليورانيوم المنضب، يضاف إليها «الجهود» الأمريكية لحرمان العراقيين من الأدوية الضرورية للعلاج ومراكز الاستشفاء الخاصة بها بعد قصفها وتسويتها بالأرض.

خياران للموت

منذ شهور قليلة أعادت الحكومة الأمريكية اعترافها باستخدام اليورانيوم المنضب  في ترسانتها الحربية وفي الحروب التي شنتها على العراق 1991م والبوسنة 1995م وكذلك في البلقان 1999 دون أي خجل، لكنها تتحفظ إلى الآن عن تفاصيل تلك العملية ونسب تزويد الذخائر بتلك المادة المميتة، لكن ما نعرفه عن تاريخ تلك القوة الغازية يبدو أكثر من كاف لتحديد مدى استهتارها بحياة المدنيين ونيتها الحاقدة لتلويث كل شيء بنفاياتها النووية للسيطرة على ثروات العراق وبسط نفوذها في المنطقة، لكن القلق قد يتركز اليوم على المواطن البسيط، الذي بقي حائراً منذ عقدين بين خيارين، الموت السريع برصاص الجماعات الظلامية أو الموت على مراحل بقذائف «الحرية» و«الديمقراطية» الفائقة السمية..!