القطاع الصحي والتدخل الخارجي المالي

القطاع الصحي والتدخل الخارجي المالي

تعد سياسات البنك الدولي و منظمة النقد الدولي من العوامل التي تعيق إيجاد حلول للأوضاع الصحية في الدول الفقيرة، وبشكل رئيسي في القارة الأفريقية.

خلال العقود الماضية، أدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دوراً سيئاً جداً في جعل القطاع الصحي في الدول النامية أكثر تخلفاً. فالدول النامية، خاصة الأفريقية منها، رزحت تحت ديون كبيرة بسبب الحكومات الفاسدة التي تولت إدارة تلك البلاد، كما في لبنان بعد الحرب، وعندما أصبحت الديون فوق قدرة الحكومات على التعامل معها لجأت إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من أجل إيجاد حلول لمشاكلها الاقتصادية. وقامت تلك المؤسسات المالية الدولية بإقراض تلك الدول المتعثرة اقتصادياً ولكن تحت شرط الامتثال لتوجيهاتها الاقتصادية، فأجبرا تلك الدول على توجيه اقتصادها ليتكامل مع الأسواق العالمية، على حساب الخدمات الاجتماعية، وعلى حساب الأولويات التنموية ذات المدى الطويل، من خلال تقليص دور الدولة في القطاع الصحي وتخفيض الإنفاق الحكومي على الصحة. ومن المعروف أن تلك الدول كانت قد نجحت في تحسين نظامها الصحي في العقد الأول الذي تلى استقلالها، إلا أن تدخل البنك الدولي أدى إلى عكس كل تلك النجاحات. على سبيل المثال  استطاعت دولة كينيا خفض وفيات الأطفال  بنسبة تقارب الـ 50 في المئة في العقدين اللذين تليا استقلالها عام 1963. و شهدت دول أفريقيا جنوب الصحراء ارتفاعاً في معدل العمر، بعد الاستقلال، إذ زاد معدل عمر الإنسان في تلك البلاد من 44 عاماً إلى 50 عاماً. ولكن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي خضعت تلك الدول لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ما أدى إلى تفاقم مشكلة الفقر، وبالتالي تكاثر الأمراض كمرض فقدان المناعة المكتسبة وغيره من الأمراض المعدية. إن توصيات البنك الدولي بتخفيض الإنفاق الحكومي على الصحة، والدفع باتجاه خصخصة القطاع الصحي، أديا إلى القضاء على كل الإنجازات التي حصل عليها المواطن الأفريقي بعد الاستقلال. ومن جراء كل ذلك انخفض معدل العمر 15 عاماً خلال العقدين الماضيين، ذلك لأن جعْل الغطاء الصحي جزءا من آليات السوق، حوّل المعالجة الصحية من حق من حقوق الإنسان إلى سلعة تجارية، خاصة في الدول التي تواجه تحديات كبرى من أمراض تكاد تتحول إلى أوبئة كالملاريا ومرض فقدان المناعة المكتسبة. في هذه البلدان تصبح الخدمات الطبية العامة ضرورية، ذلك أن القطاع الصحي الخاص يبقى عاجزا عن التدخل على المستوى الوطني، وهو  أقل فعالية من حيث المعالجة الوقائية، ولا يستطيع التعامل بفعالية في حال حدوث وباء. ففي حالات الأمراض المستشرية تبقى حملات التوعية، أساسية للوقاية من انتشار هذه الأمراض ولكن القطاع الخاص لا يبدو مستعداً للاستثمار في هذه الناحية، وبالتالي فحجم المشاكل الصحية، سيتفاقم في هذه الدول وهذا ما تؤكده  الإحصاءات التي أجريت حول تطور الأمراض الخطيرة في البلاد الفقيرة.