عن تجربة أرشيف الإنترنت وأصدائها
أحمد مغربي أحمد مغربي

عن تجربة أرشيف الإنترنت وأصدائها

قبل أيام قليلة، احتفلت الـ «ويب» بعيد ميلادها الخامس والعشرين. وينسب الفضل في ظهور هذه الشبكة بوضوح إلى العالِم الأميركي تيم بارنز لي، المعروف بإخلاصه لمبدأ حق الناس في المعرفة، بل إنه بنى تقنيّة «النصوص الفائقة الترابط» Hyper Text Markup Links لتحقيق هذا المفهوم، وهي تقنيّة تقف في القلب من الشبكة العنكبوتيّة وعملها. نال بارنز لي لقب «سر» SIR وحظي بتكريم واسع. وعلى الإنترنت، هناك شخص آخر ربما يذكره العالم الافتراضي طويلاً، لأنه حقّق ما كان حلماً في مخيّلات كثيرة: صنع أرشيف للإنترنت.

ويُعرف برويستر كاهِل بأنه من المخلصين لمقولة: «من المستحيل التحكّم بالثقافة والمعرفة»، وفق ما نقل عنه البروفسور لورانس ليسيغ في كتاب «ثقافة حرّة»، وهو مترجم إلى العربية بجهد من مشروع «كلمة» في أبوظبي.

أسّس كاهِل أرشيف الإنترنت، وقبل ذلك اشتُهر كمستثمر ناجح في الإنترنت، وبأنه باحث بارز في الكومبيوتر، وفي تسعينات القرن العشرين قرّر كاهِل أنه نال نجاحاً كافياً كمستثمر، وعليه الانتقال إلى نوع آخر من النجاح. وسرعان ما أطلق سلسلة من المشاريع المتمركزة حول فكرة صنع أرشيف للمعرفة الإنسانية. ولم يكن أرشيف الإنترنت سوى مستهَل تلك المشاريع.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2002، ضمّ الأرشيف ما يزيد على عشرة بلايين صفحة، ثم أخذ في النمو بمعدل يقارب بليون صفحة شهرياً. ويعتبر «طريق العودة الى الإنترنت» الأرشيف الأضخم في تاريخ البشرية، ففي ختام 2002، وصل حجمه إلى مئتي وثلاثين تيرابايت من المواد.

 

قبل «يوتيوب»

إضافة الى أرشيف الإنترنت، انشغل كاهِل بتصميم «أرشيف التلفزيون»، الذي يعتبر شأناً أكثر أهمية.

وعلى رغم أن معظم ثقافة القرن العشرين تكوّنت تحت تأثير التلفزيون، لم يُحفظ سوى قسم يسير من تلك الثقافة حتى الآن. وتحرص جامعة «فاندربيلت» مثلاً، على تسجيل 3 ساعات من أخبار التلفزيون يومياً، بفضل استثناءٍ في قوانين المُلكيّة الفكريّة. ويُفهرس هذا المحتوى ثم يوضع في تصرّف البحّاثة لقاء بدل زهيد. وباستثناء مبادرة جامعة فاندربيلت، فإن التلفزة شبه غائبة سوى لنخبة من العاملين في شركاتها الكبرى. واستطاع كاهِل كسر هذه الصورة، وعلى نحو أعمق ساهمت أعماله في تحفيز الميل إلى أرشفة البث التلفزيوني. وبصورة تدريجية، وبفضل جهود من الجمهور الواسع، تحوّل موقع «يوتيوب» أرشيفاً تلفزيونياً بامتياز.

وحمل هذا التحوّل إجابة على سؤال بقي طويلاً من دون إجابة: لِمَ يبقى الجزء المطبوع ورقياً من الثقافة صامداً على نحو شبه أبدي، فيما لا يحدث الأمر عينه مع شرائط الفيديو؟ كيف تسنى صنع عالم يسهل فيه درس تأثير الإعلام العام على أميركا في القرن التاسع عشر (حين كان ورقيّاً بالكامل)، بالمقارنة مع محاولة دراسة تأثيراته على أميركا في القرن العشرين؟

يرجع ذلك جزئياً إلى القانون، فعند انطلاقة التلفزيون لم يُشمل البثّ بحماية قوانين المُلكيّة الفكريّة، إذ لم تتوافر وسائل لتسجيل ما يُبث. وسرعان ما مكّنت التكنولوجيا من تسجيل البثّ، ما ألجأ مسؤولي شركات التلفزة إلى القانون بصورة مطردة. وفرض القانون وضع نسخة عن كل بث تراد «حمايته»، لكنه أعطى محطات التلفزة الحق بالاحتفاظ بتلك النُسخ. وبذا، صار هذا الجزء من الثقافة الأميركية غير متوافر عملياً خارج إطار شركات التلفزة نفسها.

وسعى كاهِل إلى تصحيح هذا الوضع. وقبل 9/10/2011 شرع كاهِل ومجموعة من أصدقائه في التقاط البث التلفزيوني وتوثيقه، واختاروا عشرين محطة عالمية، وأخذوا بتسجيل بثّها. وفي 11/9، وعلى مدار أسبوع، سجّل كاهِل بالتعاون مع عشرات من المساعدين، البث التلفزيوني لعشرين محطة عن هذا الحدث. ثم وضعوا تلك المواد بصورة مفتوحة على الإنترنت، بحيث يستطيع كل شخص أن يرى كيف غطّت محطات التلفزة أحداث ذلك اليوم.

 

المصدر: الحياة