العراق مهدد بوباء من التلوّث بالرصاص

العراق مهدد بوباء من التلوّث بالرصاص

الحياة اليوميّة للناس في العراق مازالت تحت تهديدات كبرى.

ولا يقتصر الأمر على كوارث السياسة كإرهاب «داعش» الذي مازالت أشباحه تحوم حتى بعد انهيار مناطق سيطرته الجغرافيّة المباشرة وزوال خلافته المزعومة. هناك دواه كبرى تتأتى من مساحات تتقاطع فيها السياسة مع العلوم والتكنولوجيا، خصوصاً في البيئة. ومنذ بداية الغزو الأميركي للعراق في 2003، ارتفعت أصوات متنوّعة تحذّر من الأخطار الطويلة الأمد التي تخلّفها أسلحة اليورانيوم المستنفد وأشعتها التي تضرب البشر والنبات والحيوان، بل تَقْلِب العلاقات والتوزانات البيولوجيّة والبيئيّة الحسّاسة.

واتّصل ذلك الخطر بمجموعة من التهديدات من بينها تلك التي حملها سلاح «الفوسفور الأبيض» الذي استخدمته القوات الأميركية في معارك شتّى في العراق.

كأن كل ما مر لا يكفي. وفي الآونة الأخيرة، انضم خطر آخر إلى تلك السلسلة القاتمة، متمثّلاً في مادة الرصاص، بل ربما أنّه كان ماثلاً قبل أخطار اليورانيوم والفوسفور الأبيض وغيرهما.

ويندرج الرصاص ضمن قائمة المعادن الثقيلة، وهو من المواد الشديدة الخطورة. وعلى رغم منعه دولياً، لا تزال بعض الدول تستخدمه حتى الآن. وتشمل استعمالاته البنزين، وحبر الطابعات، وصناعة بطاريات السيّارات، وعمليات التصـنيع، وتشييد المباني، والصناعات البتروكيميائيّة، وتغليف الكابلات والقذائف الحربيّة، ومنتجات التغليف والتعليب، إضافة إلى الكاوتشوك، والأصباغ، والخلاطات المعدنيّة وغيرها.

ويعتبر الرصاص من أكثر المعادن الثقيلة المسبّبة لحالات التسمّم عالميّاً. ويشمل ذلك البشر والحيوانات البريّة والبحريّة، مع الإشارة إلى أنّ آثار معدن الرصاص تبقى في البيئة عشرات السنين.

الأرجح أنّ تلوّث البيئة العراقيّة بالرصاص أمر مزمن أكّدته دراسات علميّة محليّة ودوليّة. وطرية في الذاكرة الدراسة العلميّة التي أجراها فريق علمي برئاسة الدكتور شوكت كاظم، أستاذ الكيمياء في جامعة الكوفة وخصّصت لها قناة «آسيا» الفضائيّة العراقيّة تغطية موسّعة في صــيف العام الحالي. وورد فيها أنّ التــــقرير يبرهن علميّاً على وصول التلوّث بالرصاص إلى مستوى الوباء الذي لا يكف عن التوسّع، ما يهدّد حيوات أعداد كبيرة من العراقيّين.

وكذلك أشار التقرير التلفزيوني إلى أنّ الدراسة استمرت ثلاث سنوات، وشملت مئات العراقيّين الذين أخذت منهم عيّنات جرى فحصها مخبريّاً من قبل مختصين. وفي ضوء النتائج، توصّل الفريق البحثي إلى تراكم واسع لترسّبات من الرصاص، لعل أخطرها تلك الموجودة على هيئة ثاني أكسيد الرصاص في جدران العظام المحيطة بالدماغ.
وفي ذلك الصدد، أكّد رئيس فريق البحث أنّ الرصاص يتراكم أيضاً على قشرة الدماغ التي تحتوي مراكز أساسيّة في التفكير والحركة والعواطف والشخصية وغيرها. وأشار إلى أنّ الرصاص لا يخرج من الجسم بعد دخوله، بل يتلبث مترسباً في الأعضاء والأنسجة، ما يهددها بالتلف.