روسيا والصين وصلتا إلى نقطة اللا عودة مع الغرب
مكسيم ستوليتوف مكسيم ستوليتوف

روسيا والصين وصلتا إلى نقطة اللا عودة مع الغرب

من الواضح أن الرسالة حول «قمة السلام» المحتملة في سويسرا هذا الصيف تم طرحها الآن لغرض واحد: وقف تدفق المعلومات من الصين فيما يتعلق بالزيارة الناجحة لوزير الخارجية الروسي. ففي سياق الانهيار الوشيك للقوات المسلحة الأوكرانية، وفقدان مئات الآلاف من الجنود الأوكرانيين، والاستسلام الوشيك لهذا «المعقل» للنازية الجديدة، أصبحت نتائج اجتماع لافروف مع وزير الخارجية وانغ يي، محبطة بالنسبة إلى حلف الناتو.

ترجمة: قاسيون

أكدت روسيا والصين عدم جدوى اللقاءات بشأن أوكرانيا التي تتجاهل مصالح موسكو. من الواضح أن هذا التصريح يعني أن الصين سوف تتجاهل «مؤتمر السلام» المقرر عقده في حزيران في سويسرا بشأن أوكرانيا، وبأنّه مجرّد ثرثرة سياسية. إن فكرة توحيد جهود روسيا والصين في معارضة عالم يسير وفقاً للقواعد الغربية كانت تلوح في الأفق منذ عدة سنوات. ومع ذلك، فإن مفهوم «الرد المزدوج» قد تبلور الآن فقط. على عكس روسيا، التي وصلت إلى نقطة اللا عودة في العلاقات مع الغرب في شباط 2022، كان الوضع مختلفاً إلى حد ما بالنسبة إلى الصين. على مدى السنوات الماضية، كانت بكين تبحث بصبر كبير عن سبل بناء شراكة متكافئة مع الولايات المتحدة. وبينما ظلت تدعو باستمرار إلى شراكة متساوية طول هذه السنوات، كانت الولايات المتحدة مستمرة بالقدر نفسه في فرض نموذج مختلف من العلاقات عليها: «المنافسة الموجهة». يجعل نموذج العلاقة هذا المواجهة الخفية حتمية.
نظراً لهذا، فإن استراتيجية «الرد المزدوج» التي تنتهجها بكين قد تعني أن صبر الصين قد نفد وأن علاقتها مع الولايات المتحدة قد تجاوزت أيضاً نقطة اللا عودة. التفاعل الوحيد الممكن هو المقاومة. لكن ليس وحدها، بل جنباً إلى جنب مع روسيا. من الناحية العملية، واستجابة لسياسة الاحتواء الأمريكية متعددة الأطراف ومتعددة المستويات، بدأت بكين وموسكو في بناء دفاع متعدد المراحل في المجالين العسكري والاقتصادي، وهو ما يمنح الاستراتيجية الجديدة معنىً جديداً.
في 2023، وصل حجم التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 240 مليار دولار. تمّ تسهيل ذلك من خلال استيراد النفط الروسي وتصدير السيارات والإلكترونيات الصينية. على وجه الخصوص، زادت الصادرات الصينية إلى الاتحاد الروسي بنسبة 46.9% - إلى ما يقرب من 111 مليار دولار، وارتفعت الواردات من روسيا بنسبة 12.7% - إلى 129 مليار دولار. تبيّن أنّ روسيا أصبحت سادس أكبر شريك تجاري للصين. ومع ذلك، من حيث معدل نمو حجم التجارة الثنائية، احتل الاتحاد الروسي المركز الأول بين أكبر 20 شريكاً تجارياً للصين.

روسيا والصين في عملية تكامل

يعني هذا أنّ روسيا لن تسمح للولايات المتحدة بتجويع الصين، التي لا تستطيع إطعام سكانها البالغ عددهم ملياراً ونصفَ المليار بشكل مستقل. هذا هو بالضبط معنى أحد أكبر العقود في تاريخ العلاقات الثنائية الموقعة في بكين لتوريد الحبوب من روسيا بقيمة 25.7 مليار دولار على مدى 12 عاماً. وقد أطلق على توريد 70 مليون طن من الحبوب والبقوليات والبذور اسم «ممر الحبوب البرّي الجديد». الخبراء واثقون من أنه بفضل التوسع المستمر في مجموعة السلع والخدمات الروسية المقدمة إلى الصين وإنشاء المزيد والمزيد من المنصات الجديدة للتفاعل الاقتصادي، فإن حجم التجارة الثنائية في عام 2024 سيسجّل رقماً قياسياً تاريخياً جديداً، وزيادة في حجم التجارة إلى 300 مليار دولار.
للمقارنة. ارتفع حجم التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي في 2022 بنسبة 2.3% ليصل إلى 258.6 مليار يورو. وهذه هي أعلى قيمة منذ 2014. ثمّ حدث الانخفاض الحاد المستمر حتّى اليوم. في نهاية عام 2023، بلغت واردات السلع الروسية إلى 27 دولة في الاتحاد الأوروبي 50.64 مليار يورو، وتبلغ صادرات الاتحاد الأوروبي إلى روسيا 38.32 مليار يورو بحسب إحصائيات يوروستات. في الفترة ذاتها، انخفض حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة بنسبة 13%. وهذا يعني أن الصينيين يقومون بتسويق بضائعهم بنجاح خارج الولايات المتحدة. إن نموذج «تشيميريكي»، الذي وضعه هنري كيسنجر ذات يوم، والذي بموجبه كان من المفترض أن تكون الصين عبارة عن متجر تجميع للسلع الرخيصة للبيع في محلات السوبر ماركت الأمريكية، بات في غياهب النسيان. تقوم القيادة الصينية ببيع منتجاتها بنجاح في بلدان الجنوب العالمي، التي تشهد الآن نمواً سريعاً. وهذا يعطّل سلاح الأمريكيين المفضّل المتمثّل في العقوبات التجارية.
إنّ جوهر مشكلة واشنطن هو أن السوق الأمريكية، على الرغم من أهميتها بالنسبة للصين، أصبحت الآن معتمدة على المنتجات القادمة من الصين. على مدى سنوات العولمة، أصبحت أمريكا معتادة على عدم الإنتاج، بل تلقي أكبر مجموعة من السلع الضرورية لعمل الاقتصاد الأمريكي. على وجه الخصوص، أصبح أكثر من 300 منتج رئيسي بالغ الأهمية لعمل الجيش الأمريكي يعتمد بشكل كامل على الإمدادات من الصين. بمعنى آخر، في حالة تفاقم الصراع الحالي، لن يكون هناك شيء يحل محله.
لم تعد الصين تريد البقاء خارجاً. يشي بذلك تصريح وزير الخارجية الروسي حول بدء حوار حول الأمن الأوراسي، بالاتفاق مع نظيره الصيني وانغ يي. يرى ممثلو روسيا والصين أنه من الضروري أن تدرج في هذا الحوار دول أخرى تشاركهم رؤيتها للأمن والاستقرار في أوراسيا. أي إن الصين من الآن فصاعداً تعتبر الوضع في هذه المنطقة جزءاً من مهامها ومشاكلها. يتمثل النهج المبدئي في هذا السياق في الاقتراح المقدم من روسيا والصين بإنشاء منصة جديدة لمناقشة القضايا الأمنية الدولية، والتي ينبغي أن تقوم على احترام مصالح المشاركين كافةً وضمان التوازن في المنطقة. سيتم إنشاء المنصة على أساس ناديين دوليين - منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس.
كما أنّ الجانب العسكري له مكانه. بالنسبة للصين، في سياق الحظر الفعلي على صادرات الأسلحة من الدول الغربية والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، فإن التفاعل مع الاتحاد الروسي له أهمية قصوى في المجال الأمني. من الواضح أن هذا النوع من التعاون مغلق في الغالب، ومن الصعب تقييم حجمه وديناميكيته. لكن يمكن الخروج ببعض الاستنتاجات والتعميمات. تواصل الصين الحصول على أحدث التقنيات من روسيا، مما يسمح لها ببناء قوتها العسكرية وزيادة القدرات القتالية للأسلحة والمعدات العسكرية. إنّ الصين الشعبية راضية بشكل عام عن المستوى الذي تحقق في تطوير التعاون العسكري التقني مع روسيا. في الوقت نفسه، تسعى بكين جاهدة إلى التخلي تدريجياً عن شراء كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الروسية ونقل التعاون العسكري التقني إلى مستوى جديد نوعياً. يجب أن يتميز هذا المستوى بالتفاعل العلمي والتقني والصناعي التكنولوجي الوثيق من أجل التطوير المشترك لأنواع جديدة من الأسلحة والمعدات العسكرية، والتي يواجه المتخصصون الصينيون صعوبات في إنشائها. بطبيعة الحال، اليوم هذه العملية مفيدة للطرفين.
في الواقع ليس لدى روسيا والصين خيار سوى إنشاء أوراسيا الكبرى ليكون حصنهما المنيع. ولهذا يجب بناء هذا الحصن وضم الدول الأخرى إليه، مثل باكستان والهند وغيرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1171
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 21:56