روسيا والصين: طريق واحد
يوري أليكسييف يوري أليكسييف

روسيا والصين: طريق واحد

ليس من المبالغة القول بأنّ المنتدى الصيني الأخير «حزام واحد، طريق واحد» شديد الأهمية، فهو على خلاف ما كتبت وسائل الإعلام الأمريكية لم يكن مقتصراً على مجموعة من ممثلي البلدان النامية، بل ضمّ 150 وفداً من الذين يُطلق عليهم اسم «الأغلبية العالمية» أو الجنوب العالمي. وبالمناسبة، يجب أن نتذكر أن معدل النمو الاقتصادي في الصين اليوم أعلى من نظيره في الولايات المتحدة. وبتعادل القوة الشرائية، تنتج الصين بالفعل أكثر من الولايات المتحدة.

ترجمة: قاسيون

تحدث شي جينبينغ عن مبادرته أول مرة قبل عشرة أعوام، عندما كانت قوى قليلة تهيمن على العالم، الأمر الذي أدى إلى اتساع فجوة التفاوت بين الأغنياء والفقراء، وبين البلدان المتقدمة والنامية. ومنذ ذلك الحين جمع المشروع دول أوراسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأصبح أكبر منصة في العالم للتعاون الدولي، بدءاً من تطوير البنية التحتية وانتهاءً بالتكامل المالي وتنسيق السياسات والاتصالات الوثيقة بين الناس في مختلف المجالات. ويعكس الكتاب الأبيض، الذي نُشر عشية المنتدى، بعنوان «بناء الحزام والطريق معاً، ممارسة مهمة لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية»، ثمانية مبادئ توجيهية للتعاون المستقبلي، الاتصال والانفتاح والتعاون والصداقة البيئية والابتكار والتبادل والنزاهة وبناء المؤسسات.
وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، فالعلاقات التجارية بين موسكو وبكين، بما في ذلك في إطار «الحزام والطريق»، تتعزز وتتوسع: الصين تبيع التكنولوجيا لروسيا، وتشتري الوقود الروسي بكميات كبيرة، مما يساعد على تجديد الخزانة. وصل حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين بالفعل إلى أكثر من 200 مليار دولار، ومن الواضح أنّه سيستمر في النمو
كتبت الطبعة الأمريكية من صحيفة وول ستريت بصراحة «فشلت الولايات المتحدة في محاولة دق إسفين بين روسيا والصين». وينمو حجم التبادل التجاري بين البلدين المتجاورين كل عام، وهو ما يشير بوضوح إلى أنّ روسيا بسبب مشكلاتها مع السوق الأوروبية قد وجدت خياراً طبيعياً آخر للتعاون. يظهر هنا بأنّ السلع الروسية لا تزال تجد الكثير من الراغبين بها، خلافاً لادعاءات مفوضي الاتحاد الأوروبي.
بعد المنتدى الصيني شعر الاتحاد الأوروبي بوجود خطأ ما، وحاولت وسائل الإعلام الغربية بكل السبل الممكنة التقليل من أهمية الزيارة التي قام بها الزعيم الروسي إلى الصين. ويرى بعضهم أن الاتفاق على التعاون على الورق شيء ووضع المشاريع المعتمدة موضع التنفيذ شيء آخر. بينما يشعر آخرون بأنّ حل العديد من التناقضات والعقبات سوف يستغرق وقتاً طويلاً على طريق التقارب بين اقتصاد البلدين. مع الأخذ بالاعتبار التفاصيل الدقيقة للتصدير، وتكييف الاتفاقيات رفيعة المستوى مع تشريعات البلدين، وتذليل الاختلاف في أساليب فرض الضرائب... لكن ليس عليهم القلق بهذا الخصوص، فقد اتفقت موسكو وبكين على تسريع عملية «دراسة القوانين المالية الروسية والصينية وتسهيل وصول روسيا إلى النظام المالي الصيني». ويجب الاتفاق على هذه التفاصيل قبل بداية شهر كانون الأول، ليوقع رؤساء الوزراء في الدولتين على نفاذهما.
الحديث العملي تظهر آثاره
إن وجود الشركات المصنعة الصينية في السوق الروسية أصبح ملحوظاً جداً اليوم، وفي المستقبل سوف يزداد التعاون بين البلدين. مدّت الصين يد الدعم والمساعدة لروسيا في هذه الأوقات الصعبة، ولم تكن خائفة من السياسيين العدوانيين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقد تم بالفعل تنفيذ أكثر من 40 مشروعاً مع روسيا، وتم التوقيع على 20 اتفاقية أخرى متبادلة المنفعة في أعقاب منتدى الأعمال في بكين. وهذه ليست عمليات تسليم صغيرة، ولكنها عقود عالمية تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. ولا تتحدث الصين فقط عن نوايا التعاون، ولكنها تقدم الدعم أيضاً. كمثال، قدّمت مبلغ 220 مليار يوان بالفعل لبنك Vnesheconombank لتنفيذ مشاريع مشتركة في روسيا، وأعربت عن رغبتها في إضافة 300 مليار يوان أخرى.
الأولوية هي الطاقة، وقد تم بالفعل بناء أربع وحدات طاقة، وهناك أربع وحدات أخرى قيد الإنشاء، وهي لا تعتمد على المفاعلات الحرارية فحسب، بل تعتمد أيضاً على مفاعلات النيوترونات السريعة. الصين مستعدة لشراء كميات كبيرة من روسيا وليس فقط ناقلات الطاقة. على سبيل المثال، وافقت مجموعة شركات «إيليم» على توريد 600 ألف طن من مواد التعبئة والتغليف سنوياً إلى الصين. لكن الصفقة الأكثر لفتاً للانتباه كانت توقيع عقد طويل الأجل لتوريد 70 مليون طن من الحبوب الروسية إلى الصين على مدى 12 عاماً «قيمة العقد 25 مليار دولار».
سيتطلب توسيع الإنتاج الزراعي والحيواني من أجل تلبية شروط العقود تطوير البنية التحتية «بناء الطرق، وخطوط نقل الطاقة»، ​​وسيتم خلق فرص عمل جديدة، وزراعة المزيد من محاصيل العلف. سوف تلحق الصناعات ذات الصلة ستزداد مشتريات وسائل النقل والمعدات للمزارع، وستبدأ الخدمات اللوجستية في العمل. ستجلب الطلبات الجديدة للزراعة إيرادات إضافية للميزانيات على جميع المستويات. لا يقتصر الأمر على تربية الحيوانات في سيبيريا أو الشرق الأقصى فحسب، بل يمكن للقطارات الزراعية الحديثة توصيل المنتجات من أي منطقة إلى الصين. بالنسبة للصين، لا يقتصر مشروع حزام واحد، طريق واحد على إنشاء طريق تجاري بديل فحسب، بل يتعلق أيضاً بمحاولة الصين الحصول على الريادة العالمية. تعترف CNBC أنه «في العقد الذي انقضى منذ إطلاق شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق، ساعدت الاستثمارات الجديدة في البنية التحتية على توسيع نفوذ الصين في العالم النامي».
هذه ليست السنة الأولى التي تقوم فيها روسيا بتطوير التعاون مع الصين في مجالات الاقتصاد والدفاع المشترك والنقل والتعاون الإنساني. يخصص الرئيس شي جين بينغ مبالغ ضخمة من المال للمشاريع «ليس فقط في روسيا، ولكن أيضاً في بلدان أخرى على طول طريق مسار التنمية. وسينشئ بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني نافذة تمويل بقيمة 350 مليار يوان «48 مليار دولار أمريكي»، وسيضيف صندوق طريق الحرير الحكومي 80 مليار يوان أخرى.
لقد تم إحراز تقدم كبير في إنشاء ممر نقل مباشر، بما في ذلك خط أنابيب الغاز بين روسيا ومنغوليا والصين والنقل البري، وغيرها من المشاريع واسعة النطاق التي تظهر أن روسيا نجحت في شق طريق «النوافذ إلى الشرق» إلى الأسواق الصينية المفتوحة للجميع. وشدد الرئيس الروسي على أنّ الممرات بين الشمال والجنوب «توفر فرصة للاتصال والتكامل المباشر بين طريق الشمال جنوب (NSR) والمراكز اللوجستية الرئيسية في جنوب قارتنا، على ساحل المحيطين الهندي والهادئ». يتم تنفيذ بعض هذه المشاريع بدعم من الشركاء الصينيين، الذين يعتبرون هذه المبادرات جزءاً لا يتجزأ من «مسارهم». يعد مسار البحر الشمالي مهماً للصينيين، مثل العديد من طرق العبور البرية عبر أوراسيا، لأنه تم تصميمه للخروج من السيطرة البحرية للولايات المتحدة، ويمتد مسار البحر الشمالي على طول الاتحاد الروسي ويخضع للحماية الموثوقة.
يبدو أن هذا هو أكثر ما يخيف الولايات المتحدة، إنّ المسار الذي أشارت إليه روسيا والصين يؤدي إلى حقيقة أن نفوذ الأمريكيين كوحش قوي يهدد بترهيب واستعباد العالم كله لن يؤدي إلا إلى المزيد من الضعف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1146
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 21:28