«ديمقراطية» و«حياد» الإعلام الغربي مهزلة العصر!
عدد من الكتاب عدد من الكتاب

«ديمقراطية» و«حياد» الإعلام الغربي مهزلة العصر!

كتب الدبلوماسي البريطاني السابق كريغ موراي، حان الوقت لنسأل كيف وصلنا إلى هذه النقطة، وما نوع الطبقة السياسية لدينا القادرة على إيصالنا إلى هنا... ترسل كلّ من المملكة المتحدة والولايات المتحدة مساعدات عسكرية إلى إسرائيل لارتكاب أعمال إبادة جماعية، محسوبة ومتعمدة. قتل حتى الآن أكثر من 500 طفل في غزة وأصيب أكثر من ألفين آخرين بتشوهات. ورغم قطع الغداء والماء عن غزة، وتصنيفها في القانون الدولي جريمةً دولية كبرى، يرفض المؤيدون الغربيون لـ «النظام القائم على القواعد» إدانتها.

ترجمة: قاسيون

لا يوجد مثال صارخ على الافتقار للديمقراطية الحقيقية أكثر ممّا يحصل اليوم في بريطانيا والولايات المتحدة، والذي يبدأ من عدم وجود حزب سياسي حقيقي يعارض الإبادة الجماعية يعكس المعارضة الشعبية الهائلة لها. إنّ الطبقة الإعلامية والسياسية التي تم شراؤها ودفع ثمنها في الغرب متوترة للغاية على طول العالم الغربي، والآن بعد أن وصلوا إلى الإبادة الجماعية التي لطالما حملت الصهيونية شعارها، فهم مضطرون للتعامل مع المقاومة الشعبية المتزايدة لدى الجماهير.
هناك في جميع أنحاء أوروبا فجوة هائلة بين الإجماع الصهيوني لدى السياسيين، والفهم الأكبر بكثير للوضع الفلسطيني بين عامة الناس. من المثير للاهتمام أنّ رد فعل الطبقة السياسية الصهيونية كان عبارة عن موجة من القمع الفاشي الصريح. في فرنسا، جعل ماكرون جميع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين غير قانونية، ولكن كما هو الحال في كثير من الأحيان، لا يؤيد الشعب الفرنسي هذا النوع من الاستبداد. أمّا في بريطانيا فقد اعتمدت الشرطة أسلوباً جباناً يتمثل في اعتقال عدّة أشخاص بسبب مشاركتهم في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين بهدف إرهاب البقية عبرهما. فبموجب التشريع القاسي سيء السمعة الذي أقره توني بلير «لمكافحة الإرهاب»، فمن الممكن أن يواجهوا عقوبة السجن لمدة تصل إلى 14 عاماً. المثير للسخرية أنّ أحد الشبان البريطانيين قد تمّ القبض عليه في مانشستر في الموقع ذاته لـ «مذبحة بيترلو» الشهيرة، والتي تعلمت أجيال من البريطانيين في المدرسة أنّها جريمة فظيعة تنتهك الحق في حرية التعبير والتجمع. لا تحتاج المفارقة إلى شرح.
يمكنك اليوم الخروج في الشوارع الأوروبية حاملاً العلم «الإسرائيلي» وأنت تصرخ بأنك تؤيد تطهير كلّ فلسطيني في غزة، فهذا أمر قانوني. أمّا أن تخرج وتقول بأنّ للفلسطينيين حقّ في مقاومة الإبادة الجماعية، فهذا غير قانوني. يبدو أنّ هذا التحليل القانوني الغربي له هدف بسيط، ترويعنا جميعاً.
لقد كانت المفوضية الأوروبية بدورها صهيونية جداً ومتحمسة لهذه الإبادة الجماعية الفلسطينية. حيث قامت بعرض العلم «الإسرائيلي» على مقرها في بيرلايمونت، لتظهر انحيازها الصارخ. لم يقتصر الأمر على العلم، بل دأبت المفوضية بالعمل بنشاط من أجل إغلاق المعلومات والتعليقات المؤيدة للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي. أرسلت المفوضية إلى جميع مؤسسات التواصل الاجتماعي الكبرى مهددة إياها بغرامات باهظة إن لم تقم بإزالة المعلومات التي لا يوافق عليها الاتحاد الأوروبي.
من الواضح بأنّ المفوضية الأوروبية تريد السيطرة على التدفق الإعلامي بحيث تقرر ما هي المعلومات الصحيحة وما هو التعليق المشروع. تييري بريتون، وهو المفوض الأوروبي المسؤول عن هذه العملية، هو الرئيس التنفيذي السابق لشركات الإلكترونيات – ومقاولي الدفاع - Atos and Thomson. هو لا يملك أيّ اهتمام حقيقي بحريّة التعبير، وهو منخرط في عملية إسكات المعارضة لتحقيق أهداف عسكرية. هذه عملية فاشية بكل بساطة. الحقيقة أننا نشهد قيام الحكومات الغربية ومؤسساتها وهي تتعمّد تسهيل المذابح والتطهير العرقي، والإبادة الجماعية. إننا نشهد انقلاب جميع الحكومات الغربية على شعوبها لسحق المعارضة وإجبارها على التواطؤ في الإبادة الجماعية. الديمقراطية الغربية ميتة منذ فترة طويلة، ولكنّ أحداث غزة أثبتت هذا الموت بشكله الفاقع ليس أكثر.

أليسوا بشراً؟

كتب إليس غيفوري، المتخصص في أمور البلقان وتركيا والشرق الأوسط، عندما هاجمت روسيا بعض مرافق البنية التحتية في أوكرانيا، وصفها الاتحاد الأوروبي «بالإرهاب المحض»، لكنّ المعايير المزدوجة للاتحاد الأوروبي تفاجئ الكثيرين وتثير حنقهم. فقد فرضت «إسرائيل» حصاراً شاملاً على قطاع غزة، وقطعت إمدادات الوقود والمياه والطاقة والغذاء، وتوقفت محطة الكهرباء الوحيدة في غزة عن العمل يوم الأربعاء بسبب نفاد الوقود. تتناقض التغطية الإعلامية والموقف الرسمي مع أبسط حقوق الإنسان. تقول فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، «أحثّ رئيسة المفوضية الأوروبية على إصدار الإعلان ذاته تجاه الحملة [الإسرائيلية] في غزة التي أصدرته ضدّ روسيا. إن لم تفعل ذلك سيرى الناس بأنّ المؤسسات الأوروبية لا تقدّر حماية الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين بقدر ما تقدّر حماية الأوكرانيين. لا يوجد عمل سياسي والمعايير المزدوجة تشوه القيم ومبدأ سيادة القانون... لا أفهم عدم التعاطف مع الشعب الفلسطيني، وكذلك عدم المساءلة عن الاحتلال [الإسرائيلي] الذي طال أمده، والجرائم التي ارتكبتها منذ أكثر من 56 عاماً».
وعندما تواصل غيفوري، كما فعل الكثيرون غيره، مع المفوضية الأوروبية للسؤال عمّا إن كانت المفوضة ستدين الإجراءات «الإسرائيلية» كما فعلت مع روسيا، لم يتلق رداً.
نشرت صحيفة SWP البريطانية، ذكرت جميع الصحف البريطانية الأسبوع الماضي بأنّ مقاتلي حماس قد قطعوا رؤوس 40 طفلاً خلال الهجوم، ومعظم هذه الصحف وضعت الخبر على الصفحة الأولى. تمّ استخدام الأمر كدليل على وحشيه حماس، وكمبرر مفترض لقصف غزة وقتل الفلسطينيين. لكن بعد أيام لم يظهر أي دليل يدعم هذا الادعاء، ورغم ذلك لا يبدو أنّ أحداً مهتمٌ بالاعتذار أو محاولة معرفة سبب انتشار هذه الادعاءات.
حتّى البيت الأبيض خرج وسحب تصريحات بايدن بأنّه رأى «صوراً مؤكدة لإرهابيين يقطعون رؤوس الأطفال». لكن هل من المهم تأكيد هذه المعلومات بالنسبة لوسائل الإعلام التي تناقلتها؟ في الحقيقة لا، فكلّ ما كان مطلوباً هو أن يظهر. قال مارك جونز، الباحث في مجال الإنترنت، بأنّ هذ التقرير الذي لم يجد دليلاً له حصل على ما لا يقل عن 44 مليون ظهور، و300 ألف إعجاب، وأكثر من 100 ألف إعادة نشر خلال 24 ساعة، على موقع توتير/إكس وحده.
إنّها مجرّد كذبة أخرى تستخدم لشن الحرب، وقد بدأت هذه الادعاءات من شبكة تلفزيون «إسرائيلية»، اعتمدها السياسيون «الإسرائيليون» وبدأوا التصريح بها. مثال ما قاله وزير الاقتصاد في الكيان «رأينا للتو... سمعنا عن 40 صبياً صغيراً. تم حرق بعضهم أحياء. تم قطع رؤوس البعض. بعضهم أصيب برصاصة في الرأس».
إسرائيل معتادة على الكذب، والغرب معتاد على الوقوف داعماً لها. في 2006 فجر «الإسرائيليون» سبعة مدنيين على شاطئ غزة، وكانت لقطات الناجية الوحيدة، هدى غالية البالغة من العمر 10 أعوام وهي تصرخ وسط أنقاض عائلتها، لا تطاق لدرجة أنّ «إسرائيل» سارعت للادعاء بتشكيل لجنة تحقيق، وسرعان ما برأت جيشها. في حينها أعلنت لجنة التحقيق بأنّ الجيش «الإسرائيلي» قد أطلق قذائف بالفعل، ولكنّ سبب مقتل الأسرة كان «لغماً زرعته حماس على الأرجح».
يمكن للغرب وإعلامه وسياسيوه أن يتجاهلوا بكل وقاحة القتلى تحت الأنقاض عندما يكونون فلسطينيين، ويعتبرونهم متوحشين. لكن هذا ليس بالجديد، فهم يدعمون منذ 1948 الأكاذيب الكبرى، منذ الترويج لكون الأراضي التي استولى عليها المستوطنون بالقوة كانت أرضاً فارغة ولم يكن يملكها بشر يسمون بالفلسطينيين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1144
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين1/أكتوير 2023 15:50