الانهيار القادم للنظام المصرفي الأمريكي
توماس مالينين توماس مالينين

الانهيار القادم للنظام المصرفي الأمريكي

من حسن الحظ أنّ الشتاء الماضي كان معتدلاً إلى حد غير عادي في أوروبا، الأمر الذي أدى إلى تخفيف أزمة الطاقة وبالتالي إنقاذ الاقتصاد والبنوك. تم تأجيل طوفان إفلاس الشركات «الذي حذرنا بأنه سيأتي في كانون الأول 2019». ومع ذلك، كان الربع الثاني من هذا العام هو الربع السادس على التوالي التي تزيد فيه حالات إفلاس الشركات في أوروبا، وهو اتجاه لم يسبق له مثيل منذ أن بدأ يوروستات في جمع البيانات في عام 2015. وبالتالي فإنّ أوروبا والقطاع المصرفي الأوروبي يواجهان ما من المرجح أن يكون شتاءً قاتماً.

ترجمة: قاسيون

لكن الذي يثير القلق بالفعل هو النظام المصرفي للولايات المتحدة. كشف التحليل المتعمق بأنّ خطر انهيار النظام المصرفي الأمريكي أصبح أعلى من أيّ وقت مضى منذ أزمة الكساد الأكبر في ثلاثينيات القرن العشرين. ونحن نعمل حالياً على تحديد البنوك الأمريكية الأكثر أماناً والأكثر خطورة. في أوائل تشرين الأول 2022 لاحظت بأنّ البنوك تتعرض لانخفاضات حادة في قيمة السندات الحكومية التي تستخدمها كضمان، وأنّ ذلك قد يؤدي إلى خسائر متتالية على البنوك، ربّما بسرعة وحجم وعرض لم يسبق له مثيل. وكما شهدنا فقد تحقق ذلك في الولايات المتحدة بعد حوالي ستة أشهر.
الذراع التنظيمي العالمي للبنوك التجارية هو لجنة بازل للرقابة المصرفية BCBS، والتي تعمل تحت إشراف بنك التسويات الدولية BIS الذي يُشار إليه على أنّه «البنك المركزي للبنوك المركزية». في أعقاب الأزمة المالية الكبرى أصدرت لجنة بازل مجموعة قواعدها الثالثة للبنوك «بازل 3»، وكان المفهوم الأكثر ابتكاراً فيها – والأكثر تدميراً أيضاً – هو إنشاء نسبة تغطية للسيولة LCR. كان المقصود به «أن يحتفظ البنك بما يكفي من أصول سائلة لمنع البنوك المركزية من أن تصبح مقرض الملاذ الأول». وقد وضعت قواعد السيولة التي فرضتها لجنة بازل سندات الخزانة الأمريكية ضمن فئة الأصول السائلة الأكثر أماناً، ممّا يعني أنّها لم تكن خاضعة لـ «تقليم» قيمتها عندما تحتفظ بها البنوك في ميزانياتها العمومية.
ورغم أنّ القواعد كانت ضمن فترة انتقالية، ولذلك لم تطبّق بشكل كامل في الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن الفترة الانتقالية أثرت على كيفية تعامل البنوك مع إدارة المخاطر، فالبنوك كانت تعلم بأنّها مسألة وقت قبل تطبيق قواعد تغطية السيولة بشكل كلي. الأمر الآخر أنّ «بازل 2» الذي طبقته الولايات المتحدة في 2008، وضع أوزان مخاطر مختلفة على رأس مال البنك، مثالاً، تتمتّع سندات الخزانة الأمريكية بأقل وزن مخاطر. كانت هذه المبادئ التوجيهية التي وضعتها لجنة بازل وفرضها بنك الاحتياطي الفيدرالي، تعني في الأساس بأنّ سندات الخزانة كانت مفضّلة كرأس مال للبنك، بالإضافة إلى النقد واحتياطات البنك المركزي. دفع هذا البنوك الأمريكية إلى معادلة المخاطر للتعويض عن التدفق الكبير للودائع، وهذا ما فعله بنك سيليكون فالي وأدّى به إلى الإفلاس في النتيجة.

الشراهة في الودائع

تغيرت قاعدة الودائع الأمريكية بشكل جذري خلال السنوات الثلاث الماضية، وينطبق هذا بشكل خاص على الودائع تحت الطلب القابلة للسحب بسهولة والتي تتكون من حسابات يمكن سحب الأموال منها دون إشعار مسبق. كان السبب وراء هذه الزيادة الفلكية في الطلب على الودائع بين 2020 و2022 هو مزيج من عمليات الإغلاق بسبب كورونا، والتحفيز النقدي الضخم من قبل الاحتياطي الفدرالي. عندما تمّ إغلاق الاقتصاد الأمريكي عدة مرات خلال عامي 2020 و2021، لم يكن أمام الناس سوى خيارات قليلة لاستخدام أموالهم واستهلاكها. وهكذا بقيت شيكات التحفيز التي أصدرتها حكومة الولايات المتحدة غير مستخدمة في الغالب وتراكمت في حسابات الأسر، في حين أصدر بنك الاحتياطي الفدرالي أكبر عملية «طباعة أموال» على الإطلاق خلال ربيع عام 2020، والتي شهدت نمو ميزانيته العمومية من حوالي أربعة ترليونات إلى أكثر من سبعة تريليونات دولار خلال أربعة أشهر فقط. انفجرت كمية الأموال الموجودة في التداول في الولايات المتحدة.
أدّت الزيادة الهائلة في الأموال المتداولة إلى إشعال فتيل التضخم عندما انفتح الاقتصاد، وأجبر هذا الاحتياطي الفيدرالي على بدء دورة رفع أسعار الفائدة. كانت مشكلة البنوك هي أنّ العائد وسعر السند يرتبطان عكسياً، فانخفض سعر السندات التي تحوزها. كانت الولايات المتحدة واقعة في قبضة تهافت «صامتة» على البنوك منذ صيف 2022. وفي آذار الماضي تصاعد الأمر إلى الانهيار. تشير التقديرات إلى أنه في نهاية 2022 كانت البنوك الأمريكية تتكبد خسائر غير محققة بقيمة 2 ترليون دولار تقريباً. وبسبب ذعر السلطات من أن يؤدي انهيار بنك سيليكون فالي إلى هروب الأموال من البنوك الأخرى على مستوى البلاد، ابتكروا إستراتيجية استثنائية مكونة من 3 خطوات، 1- ضمان أموال المودعين المؤمنة وغير المؤمنة، ضخ الاحتياطي الفيدرالي 300 مليار دولار سيولة في النظام والإعلان عن توفير أموالٍ إضافية، 3- ظهور الرئيس بايدن على التلفاز الوطني لضمان بأنّ إيداعات البنوك آمنة.
في 1984 فشل بنك «كونتيننتال إلينوي الوطني»، وكان سابع أكبر بنك تجاري في الولايات المتحدة حينها، بسبب «القروض المعدومة bad loans» التي استحوذ عليها من بنك «بنك بين سكوير» ومانتج عن ذلك من جريان 30٪ من ودائعه. وفقاً للبيانات التي تمّ جمعها من الربع الثاني هذا العام 2023، قرابة 2800 بنك سينهارون إن واجهوا في ودائعهم الوضع ذاته الذي واجهه بنك «كونتيننتال». وللملاحظة نسبة الودائع الجارية من حسابات بنك سيليكون فالي كانت 87٪، و52٪ لدى سيلفر غيت، و29٪ لدى سيغنتشر بنك.
تمتلك البنوك الإقليمية الصغيرة في الولايات المتحدة حالياً أغلبية كبيرة من القروض العقارية، ما يقرب من 2000 مليار دولار. في البنوك الإقليمية نمت هذه القروض بنسبة 35٪ منذ بداية 2020، وبنسبة هائلة بلغت 147٪ منذ أن وصلت إلى القاع في آخر أسبوع من 2011. وكما نعلم، فالعديد من المدن الأمريكية تقع في قبضة «انفجار بيع التجزئة»، حيث من المرجح أن تتفاقم سوءاً عندما يأتي الركود. وكما أظهر سقوط بنك «فيرست ريببلك»، فالبنوك لا يمكنها تسييل قروضها إلا بشروط شديدة التقييد.
تضغط هذه المسألة على البنوك اليوم. مثالاً تكونت محفظة بنك «فيرست ريببلك» من 80٪ من قروض الرهن العقاري. تكبّد الخسائر من محفظة قروضة، فقد كان لديه سيولة محدودة للغاية لمواجهة تدفق الودائع إلى الخارج. هناك المئات من البنوك الأمريكية التي تمتلك حصة أعلى من القروض العقارية في محفظة قروضها مقارنة بما امتلكه «فيرست ريببلك». علاوة على ذلك، آلاف البنوك الأمريكية لا يمكنها التأقلم مع جريان الودائع الذي واجهه بنك «كونتيننتال».
يمكن لتراكم خسائر القروض في الميزانيات العمومية للبنوك أن تطلق جولة أخرى من التهافت على سحب الودائع، ممّا سيؤدي إلى إفلاس مجموعة كبيرة من البنوك الأمريكية. وفي أسوأ الأحوال فإننا نسير نحو انهيار كامل للنظام المصرفي الأمريكي.

بتصرّف عن:
The Coming Collapse of the US Banking System

معلومات إضافية

العدد رقم:
1141
آخر تعديل على الجمعة, 20 تشرين1/أكتوير 2023 23:51