لماذا يثور الجنوب العالمي وما الذي يحتاجه؟
فيخاي برشاد فيخاي برشاد

لماذا يثور الجنوب العالمي وما الذي يحتاجه؟

يقول فيخاي بارشاد، الباحث ومدير معهد البحوث الاجتماعية Tri-Continental، بأنّ الجنوب العالمي عليه أن يخوض عدداً من المعارك من أجل نيل استقلاله، أبرزها معركة النظام المالي، ومعركة الإيديولوجيا والمعلومات. إليكم جزءاً من مقابلة أجرتها صحيفة «المراقب» الصينية معه.

ترجمة: قاسيون

ما رأيك في تزايد النقاشات حول توسيع قدرات البلدان النامية التي تتخلى عن استخدام الدولار للتخلّص من النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة؟ لماذا تثور الدول النامية، في القطاع المالي على الأقل؟

وصفك دقيق، في القطاع المالي على الأقل. لا ينبغي أن نبالغ في التغييرات التي تحدث في النظام العالمي اليوم. أمريكا لن تتحطّم مثل سيارة تنقلب في الهاوية. القوة العالمية لأمريكا في حالة هشة، والأسباب الكامنة وراءها بحاجة إلى فهم دقيق للغاية. أعتقد أن هناك بالفعل عاملين يجب مراعاتهما. أولاً، تواجه الولايات المتحدة أزمة شرعية خطيرة. شعب هذا البلد مستقطب سياسياً، والمعارضة تزداد حدة، ويتجلى ذلك في الاستقطاب السياسي الحاد بين الحزبين. تعكس المواجهة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري تمزّق التوافق بين النخب الأمريكية والمجتمع الأمريكي. لطالما كانت النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة غير قادرة على حل المشكلات التي يواجهها السكان المحليون، سواء كانت نسبة البطالة أو زيادة الفقر، وما إلى ذلك. إحدى نقاط الضعف الحقيقية في المجتمع الأمريكي هي عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للغالبية العظمى من السكان.

لعقود من الزمن كانت الولايات المتحدة أكبر مشترٍ للسلع المصنّعة في العالم، بما في ذلك الصناعات التحويلية في الصين التي تزود السوق الأمريكية بالمنتجات إلى حد كبير. لكن إذا حدث استقطاب سياسي واجتماعي في الولايات المتحدة، واستمرت الديون في الزيادة، وسقطت السوق المحلية في حالة ركود، فالبلدان في جميع أنحاء العالم ستفكر فيما إذا كان إنتاجها الصناعي يمكنه أن يعتمد حقاً على السوق الأمريكية.

السبب الثاني هو الأخطاء الدبلوماسية التي ارتكبتها الولايات المتحدة، فقد أدت سلسلة من أعمال التوسع العسكري مثل غزو العراق والضربات الجوية على ليبيا إلى إضعاف الشرعية السياسية للولايات المتحدة على المستوى العالمي. لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بالهيمنة العالمية. القادة الأمريكيون يذهبون لزيارة الدول الإفريقية، والزعماء الأفارقة لم يعودوا يصغون إليهم بجدية. لقد جلبت هذه الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة في التاريخ كوارث خطيرة للشعب في العراق وأماكن أخرى. لقد انهار الاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة لا تزال قادرة على الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين. جميع الدول تتساءل، أين يمكن للعالم الحصول على الاستقرار؟ هذا السؤال هام جداً اليوم.

لهذا السبب في عام 2009 قامت دول مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا بشكل مشترك بتأسيس منظمة «بريكس». إنّها تساعد القوى غير الغربية على السعي وراء نوع مختلف من الاستقرار في نظام غير الذي تقوده الولايات المتحدة. إنّ العديد من الدول قررت الابتعاد عن استخدام الدولار، وإلغاء الدولار في الواقع ردّ فعل على إضعاف الهيمنة الأمريكية. أدّى توسّع «بريكس» إلى إحياء آمال العالم، لكن لا تزال بريكس لم تلعب الدور الذي يمكنها أن تلعبه بشكل كلي. نحن نعلم أنّ هناك شيء يموت وينتهي، ولكن بانتظار أن نشهد ولادة شيء بديل.

هل لك أن تتحدّث أكثر عن معركة المعلومات والإعلام التي على دول الجنوب العالمي أن تواجهها؟ ماذا تعني؟ كيف يمكن لهذه الدول أن تتعامل مع هذه التحديات؟

في عالم اليوم، أول مشكلة نواجهها هي نقص المعلومات الأساسية. عدم التفاهم مع بعضنا بسبب الاستعمار. لأكون أكثر تحديداً هناك شكل ثقافي للاستعمار يؤثر على الناس في كلّ مكان. جميعهم مهتمون أكثر بما يحدث في أمريكا الآن، أو ما هي الفلسفات الجديدة التي ظهرت في بريطانيا وألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة، وما هو الاتجاه الفكري الدارج في جامعة هارفارد؟ ما هو أحدث فيلم في هوليود؟ يدخل الاستعمار في أدمغتنا على المستوى المعلوماتي، ما يجبرنا على التطلّع إلى هوليود أو هارفارد أو واشنطن أو نيويورك بهدف فهم ما يحدث في العالم.

على سبيل المثال، لن يهتم الصينيون بوعي الهند. ما هو نوع النقاش الذي يدور في الأوساط الأكاديمية الهندية اليوم؟ هل هناك مفهوم موحد لكلمة «هندي»؟ المشكلة على مستوى المعلومات هي أنّ جميع الدول تتفق على أنّ «التدويل» يساوي «الغرب». عندما نذكر شيئاً «أجنبياً»، مثل كتاب أجنبي، فأوّل ما يتبادر إلى الذهن هو أنّه من تأليف شخص غربي، فأنت لا تعتقد دون وعي بأنّ كاتب هذا الكتاب من غانا أو البرازيل؟

لذلك في النضال في مجال المعلومات، من الضروري أولاً التخلص من الشعور بالاستعمار. ثانياً، مصدر معلوماتنا يمثّل مشكلة أيضاً، يريد القرّاء الصينيون معرفة ما يحدث في باكستان وكينيا، وعادة ما يعتمدون على وسائل الإعلام. حتى في الصين، تحصل وسائل الإعلام على معلوماتها من وسائل الإعلام المهيمنة مثل سي.إن.إن وأسوشيتد بريس. ينطبق الأمر ذاته على الموجودين في إفريقيا والذين يريدون معرفة أخبار العالم. النضال الذي يتمّ خوضه في مجال المعلومات هو أيضاً صراع خطير حول المعلومات التي نعتقد بأنّها جديرة بالاهتمام. هل يفهم الناس حقاً كيف يعمل النظام السياسي في الهند؟ قد لا تكون دول الجنوب قادرة على فهم المعلومات الأساسية عن بعضها البعض.

ثالثاً، من أين تأتي المعلومات التي كثيراً ما تنقلها وسائل الإعلام الغربية؟ المعركة الثانية هي معركة الأفكار. على أي أساس نفهم العالم؟ على سبيل المثال، عندما تقع حادثة في أفغانستان أو موزمبيق، تزعم وسائل الإعلام الغربية أن الحادث نتج عن صراع بين الغرب والإرهاب. اليوم لديّ مصادري الخاصة للمعلومات في موزمبيق، وبالفعل فإنّ «تنظيم الدولة الإسلامية» المتطرّف متورط في صراعات محلية. لكن من أين يحصلون على الدعم؟ في الواقع يحصلون عليه من سطوة الشرطة المحلية والاحتجاجات الوطنية التي سببها الفقر. إذا لم تكن لديك مجموعة من النظريات أو الافتراضات الإيديولوجية التي يمكن أن ترى من خلالها سردية الرأي العام الغربي السائد، فستكون ملزماً برؤية العالم من خلال روايتهم هم.

على سبيل المثال، يشير الرأي العام الغربي السائد إلى أنّ الحكومة الصينية أو الشركات الصينية تسرق التكنولوجيا من الشركات الغربية. قال ترامب ذلك ذات مرة. في معركة الأفكار اتهم ترامب الصينيين بعدم الابتكار وبسرقة التكنولوجيا من الغرب وحسب. لكن في الواقع علينا أن نقاوم هذه الفكرة، لأنّها ليست صحيحة بكل بساطة. أنشأت الصين نظام بحث علمي شامل في وقت مبكر من السبعينيات. منذ ذلك الحين أقامت الصين أيضاً مشاريع مشتركة مع شركات أجنبية للمشاركة في تطوير التكنولوجيا. لا يمكن أن تصبح الصين أكبر مصنع في العالم للمعدات الكهروضوئية من خلال «سرقة» التقنيات ذات الصلة من الشركات الألمانية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1133