الصين الماوية وبناء الاشتراكية... التأسيس لقاعدة تنمية اقتصادية سيادية (2)
فريد إنغست فريد إنغست

الصين الماوية وبناء الاشتراكية... التأسيس لقاعدة تنمية اقتصادية سيادية (2)

اعتاد الناقدون الغربيون على توجيه اتهامات عدة للنهج الماوي في الصين، من بينها أنّه سيّس الناس بإفراط، مما أدّى إلى التقويض المستمر للاستقرار. وللوقوف على حقيقة تلك المرحلة، نقدم فيما يلي حواراً أجراه أونوركان أولكر، مع فريد إنغست، الذي قضى الكثير من وقته في الصين الماوية. يناقض انغست بشدة الانتقادات السائدة لماو، ويقدم رؤىً هامةً حول بناء الاشتراكية في الصين.

تعريب وإعداد: عروة درويش

كانت الصين دولة فقيرة ومتخلفة جدّاً، السؤال الذي وجب طرحه: كيف يمكن التحوّل للتصنيع؟ لقد احتاجوا لنوعٍ ما من تراكم رأس المال البدئي. لم يكن بإمكان الصين تحقيق هذا الأمر بالطريقة التي فعلتها بريطانيا من قبل، عبر «تسييج» الأراضي الزراعية، وطرد الفلاحين خارجها. أو عبر القيام ببساطة باستغلال بلدان أخرى من أجل مراكمة رأس المال. إذاً كيف كانت الصين ستجمع ما يكفي من رأس المال للبدء بعملية التحوّل للتصنيع، في حين أنّ غالبية سكانها من الفلاحين؟ ففي بداية الخمسينيات، كان هنالك أكثر من 80% من الصينيين لا يزالون في الريف.
يقول الكثيرون اليوم، وليس في الغرب فقط بل في الصين أيضاً: أنّ وضع الصينيين المثقفين أكاديمياً في الحملات السياسية، وإرسالهم إلى الأرياف، أو المعامل في الحقبة الماويّة، هو بمثابة: «تضييع جيل». وبأنّ الناس قد ضحت بحياتها في سبيل صراع على السلطة في الأعلى لا يخصهم. ما رأيك بهذا؟
كان أمام الصين إمّا فرض ضرائب على المزارعين لكونهم يشكلون غالبية السكان، أو المضي في عملية «تبادل لا متساوٍ» بين المنتجات الصناعية، والمنتجات الزراعية. كانت الضرائب ستكون باهظة جدّاً وصعبة التحصيل، ولذلك قررت الدولة أن تعتمد على التبادل بين البضائع الصناعية، التي تزيد أثمانها عن الثمن الحقيقي، وبين البضائع الزراعية التي تنخفض أثمانها عن الثمن الحقيقي، لكونها آلية يمكن من خلالها مراكمة رأس مال يسمح بالتحوّل للتصنيع. ومن أجل إنجاح ذلك، ومنع التجار من ملء جيوبهم، عبر استغلال الفجوة بين أثمان البضائع الصناعية، والبضائع الزراعية، أنشأت الصين احتكاراً للمنتجات الزراعية. كما أنّ احتكار شراء الحبوب قد تطلّب نظاماً للسماح بالإقامة. فساكنو المدن سيحصلون على مؤونتهم من الحبوب بأدنى الأسعار، وهو ما سيمكن العمّال الصناعيين بالحياة بأدنى الأجور. كان يتمّ شراء الحبوب من الفلاحين بأسعارٍ منخفضة، ويتم بيع المنتجات الصناعية- من ضمنها الملابس، أو المنتجات الصناعية الخفيفة، مثل: أوعية حفظ الحرارة، والمصابيح اليدوية والمغاسل... إلخ - بأسعار عالية.
سمح هذا، كمثال، لمنتجات عمالة سنة واحدة من النسيج، أن يتمّ تبادلها مع عمالة عدّة بل مئات من فلاحي الحبوب لسنة. كان السبب وراء هذا بسيطاً: عليك حتّى تتمكن من التحوّل إلى التصنيع، أن تحصل على مناجم وحديد وآلات إنتاج ومبانٍ... الخ. لم يكن المزارعون بحاجة أيّ من هذه الأشياء. يجب أن تنجّم لتحصل على الفحم وأن تعدّن الحديد الخام، وأن تصهره من أجل أن تصنع الآلات، وأن تبني آلات خياطة وآلات نسيج من أجل الثياب... إلخ. يجب إنشاء سلسلة طويلة جدّاً من التصنيع ليحدث هذا، ويجب أن يأكل العامل الذي يعمل في وظائف التصنيع. ومن أين يأتي الطعام؟ من الفلاحين. هذه هي طريقة التبادل اللامتساوي الذي بدأ في العمليات الصناعية.
في الواقع، كان هذا في مصلحة الفلاحين على المدى الطويل كذلك. ففلاحو المستقبل لن يكون عليهم البقاء في مزارع صغيرة. كان التصنيع سيحررهم من كلّ تلك العمالة الثقيلة التي تكسر الظهر، فكانوا سيلجؤون إلى الجرارات عوضاً عنها. لكن إن أردت استخدام الجرارات فستحتاج إلى الحديد، وإن أردت الحديد فستحتاج إلى الحديد الخام والفحم. فهذه الأشياء ليست من الأشياء التي كان بإمكان الفلاحين أن يشتروها بداية، لكنّ التعاونيات مكنتهم من شراء الآلات، كما أنّها سهلت عملية نقل الحبوب إلى المدينة. لذلك كانت عمود الأساس في «الهوكو» أو نظام السماح بالإقامة.
لكن علينا أن نبقي في أذهاننا، أنّ لكل شيء جانبان: الكلمة الصينية لما أوشك على قوله هي «Wunài»، وتعني «أفضل الحلول السيئة الممكنة». نعم لقد كان التبادل اللامتساوي هو الخيار الأفضل أمام الصين، من أجل مراكمة رأس المال في ذلك الوقت، لكن كان له أيضاً أثر جانبي: فبسبب هذا النظام، شعر الناس في المدن بأنّ عمالتهم تساوي أكثر من عمالة الفلاحين. ولم يكن هذا صحيحاً بكل تأكيد، فالتبادل اللامتساوي كان مجرّد حصيلة لاحتكار الدولة للحبوب. لكن بناء عليه، بدأ الناس في المدن يشعرون بأنّهم أعلى شأناً. لقد أمنوا الغذاء، وأمنوا الملابس بأسعار زهيدة... إلخ. ولم يكن أمام الفلاحين فرصة الانتقال للمدينة بشكل عشوائي، بسبب نظام بطاقات الحبوب. فعندما تأتي إلى المدينة لن يكون لديك أيّة حبوب، ولن يكون بمقدورك أن تعيش، فالحبوب لم تكن مضمونة إلّا لساكني المدن. يقول الليبراليون الرأسماليون: أنّ هذا قيّد حريّة حركة الناس. في الواقع يمكنك أن ترى كيف عملت تلك «الحرية» على إفقار الناس في أمريكا اللاتينية والهند، وبقية البلدان النامية اقتصادياً، مع أنّ الناس يملكون «حرية» الحركة هناك.
كان الجانب السلبي لذلك النظام، هو حصول المدينة على منشآت تعليميّة وطبيّة أكثر تطوراً، وعلى قدرة وصول أعلى للفنون وللآداب ...إلخ. كانت حياة الناس في المدينة تتحسن بشكل أسرع من حياة الناس في الأرياف. كان هذا الانقسام من سمات المجتمع الرأسمالي، وتمّ الحفاظ عليه في المجتمع الاشتراكي. الهوّة بين الريف والمدينة لم تكن ضخمةً وحسب، بل كانت تستمرّ بالتوسع، فما الذي كان ممكناً فعله حيال ذلك؟
إذاً بهذا السياق، كان إرسال الشباب إلى الريف ذا معنى. لماذا؟ أولاً: لأنّه سمح لسكان المدينة أن يردوا فضل الفلاحين عليهم بطريقة أو بأخرى. فقد حملوا معرفتهم وخبراتهم معهم إلى الريف. كما أنّ ترك الشباب يرون الأرياف على حقيقتها أعطاهم رسالة واضحة: «لا تظنّ بأنّ الميزات التي تحصل عليها في المدينة هي حقك الطبيعي. عليك أن تفكر وتعلم كيف يعيش الفلاحون، أي: الغالبية العظمى من الناس في هذه البلاد». لقد كان هذا الأمر هو العمود الفقري للصين. قد تقول: أنّ هذا الأمر لم يكن هو الطريقة الأكثر فاعلية، لكنّ هذا ما حصل. بأية حال، كانت هذه إحدى الطرق ليردّ سكان المدن الفضل للفلاحين على المزايا التي حصلوا عليها على حسابهم.
في بداية الأمر، دعم غالبية الشباب هذه السياسة. لقد أدركوا المصاعب، وقبلوا الخوض فيها. شعروا بأنّ من مسؤوليتهم المساعدة في الأرياف. لسوء الحظ، حدث الكثير في الفترة ذاتها. كان بالإمكان تضييق الهوّة بين الريف والمدينة بشكل كبير في الستينيات، بعد «ثلاثة أعوام صعبة» من 1959 إلى 1961. كان يجب تخفيض الأثمان الصناعية، ورفع الأثمان الزراعية، لكنّ البلاد كانت في مأزق: كان هنالك صراع حول مستقبل الصين، والكثير من الأشياء لم يتمّ إيلاؤها العناية التي تستحق. فالذي كان واجب الحصول، هو: إرسال الشباب إلى الأرياف من جهة، وتخفيض الهوّة بين الأرياف والمدن من جهة ثانية في الوقت ذاته. لكنّهم قرروا بسبب الأشياء الكثيرة التي كانت تجري، أن يُبقوا على التناقض الرئيس قائماً.
عندما استلم دانغ السلطة، قام بتدمير سياسة إرسال الشباب إلى الريف. ما يتداوله الناس اليوم، هو: أنّ دانغ ألغى هذه السياسة لأنّ الشباب ثاروا، لكنّ سبب ثورة الشباب هو موضوع لم يتطرق الكثيرون لدراسته بشكل حقيقي على حدّ علمي. فالشباب لم يثوروا ضدّ هذه السياسة، بل ثاروا عام 1977 بعد أن أنشأ دينغ نظام الامتحانات. حيث همّ جميع النخب بمغادرة الريف ليذهبوا إلى الجامعات. تخيّل فقط أنّك أحد أولئك الشباب الذين كانوا يعملون في الأرياف مع الفلاحين، لقد بدأوا فجأة يتساءلون: «إذاً يمكنك أن تختار أن تغادر، بينما عليّ أنا أن أبقى هنا طوال حياتي!»، لقد كان هذا الأمر هو ما كسر عزيمة الشباب وإجماعهم، وهو ما كسر الحافز الرئيس من وراء تلك السياسة. عندما كان الجميع مع بعضهم البعض، كان كلّ شيء بخير. لكن عندما أصبح واضحاً، أنّ هنالك أشخاص «متساوون أكثر من غيرهم»، فقد ثاروا بشكل مفهوم.
كتب الكثير من الشباب الذين تمّ إرسالهم إلى الأرياف حول تجربتهم هناك على شكل مذكرات. نادراً ما نرى في مذكراتهم نقداً لتغيير السياسة الذي تمّ بعد ماو، ولكننا نجدهم يستهدفون سياسات حقبة ماو وخاصة حملة الأرياف ككل.
نعم. لكن بأيّة حال، أنا لم أرَ أي توثيق لثورة شبابية ضدّ هذه السياسة قبل وصول دينغ إلى السلطة. كان هنالك بالتأكيد بعض المصاعب، وكانت هنالك بعض العقبات. نشأت في عام 1975 حركة مخفيّة، وكانت بمثابة السلف للحركة ضدّ سياسة الذهاب إلى الريف عام 1977. عندما التقيت أناساً من شنغهاي ينتقدون تلك السياسة، سألتهم فقط سؤالاً بسيطاً: «لماذا كانت هنالك ضمانات السماح بالإقامة في شنغهاي برأيكم؟ ما الذي فعلتموه للغالبية من الفلاحين في الريف، ليصبح مثل هذا الأمر ممكناً؟»، وكانوا غالباً يجيبون: «ليس هذا من شأننا». لقد شعر الشباب بالإساءة إليهم على المستوى الفردي، لكن الناس عموماً، وحتّى الذين انتقدوا سياسة الذهاب إلى الأرياف، قد حظوا بتجربة لا تنسى هناك. ومثلما يندر أن ترى في الآداب ما يمجد تلك الحقبة، ويتماشى مع الحنين إلى الماضي، التي تتركه لدى معظم شباب تلك المرحلة، فكذلك لا نرى في الأدب ما يمجد العمل في المصانع، مع أنني أذكر مع رفاقي الذين عملنا معهم في المصانع أيام ماو، تلك الحقبة بالكثير من الحنين.
ولهذا فإنّ الأمر الرئيس الذي افتقده الناس في تلك التجربة، والتي دفعتهم للثورة عليها هي: المشاركة، إنّه الشعور بالمساواة، وبأن تكون في حال تضامنية مع الآخرين. ليست تجربة مشاركتك في كونك مقموعاً في مصنع، أمر تودّ أن تحياه من جديد، لكنّ تجربة تعاونك مع رفاقك دون قمع، مهما كان العمل شاقاً، من أجل بناء شيء ما، ومن أجل بناء الصين الحديثة، هو أمر يستحق أن تتذكره بالحنين. لا يمكنك أن ترى هذا الأمر في مصانع الولايات المتحدة، أو في أي مجتمع رأسمالي آخر. ربّما تراه فقط في الجيش في أمريكا. فالجيش، بغض النظر عن كونه يخدم الإمبريالية، ومن وجهة نظر نفسيّة فقط، يعمل فيه الجنود بشكل تضامني.
 في الحقبة التالية لماو، اقتصرت الاشتراكية في الخطاب الرسمي الصيني على التنمية الاقتصاديّة، أو على نمو الناتج المحلي الإجمالي. كما نعلم، كانت الاشتراكية أكثر من ذلك بكثير بالنسبة لماو. فطبقاً لمعلوماتي، كان يفكر- أثناء التحول التدريجي إلى مجتمع بلا طبقات- أيضاً بعملية إنشاء ديمقراطية مباشرة للكادحين. سؤالي هو: هل كانت هذه هي المسألة الحقيقية في الصين الماويّة؟
بكل تأكيد. فالمدافعون عن سياسات حقبة ماو، يمكنهم الاعتماد على أوجه الديمقراطية في مقارباتهم. لكن وفي الوقت نفسه، لا يجب أن نقع ضحية للادعاءات الكاذبة غير الحقيقية التي يسوقها الرأسماليون، عن كون التنمية الاقتصاديّة أصبحت أسرع في حقبة ما بعد ماو. هذا الأمر غير صحيح البتّة. لقد كنت أتفحص في الأشهر الماضية البيانات الصادرة عن «المكتب الوطني للإحصاء» في الصين، من أجل إجراء بعض المقارنات. إنّ الناتج الإجمالي المحلي هو أحد المقاييس بكل تأكيد، لكنني بدلاً من الاعتماد على معدلات الناتج المحلي الإجمالي، اعتمدت مقاييس إنتاج الحبوب، وإنتاج الملابس، وسكك الحديد، وتوليد الطاقة، وإنتاج الفحم وبعض العناصر الأساسية الأخرى في النمو الاقتصادي. فخلافاً لإنتاج الملابس وأرقام الناتج المحلي الإجمالي، كانت سرعة التطور الصناعي أثناء حقبة ماو أعلى بكثير من سرعته في حقبة دينغ. في الواقع لم يكن هنالك وجود لمقياس «الناتج الإجمالي المحلي» في حقبة ماو، وقد لفقه المسؤولون في وقت لاحق. إضافة إلى حقيقة أنّ قطاع الخدمات لم يكن يحتسب في حقبة ماو.
لقد كان لدينا فنادق وكافتيريات ودور حضانة ومكتبات ومدارس مهنية وغيرها في المصانع. لم يتم احتساب أيّ من هذه الأشياء كجزء من الناتج المحلي الإجمالي. لكن بعد أن فصلوهم عن بعضهم البعض، باتوا يدخلونهم في الناتج المحلي الإجمالي. لذلك عندما يتمّ أخذ كلّ هذا بالاعتبار، يمكننا أن نرى بأنّه حتّى خلال السنوات العشر الأخيرة من عهد ماو، والتي يفترض بأنّها «فوضويّة»، كانت سرعة النمو أسرع، أو مساوية لسرعة النمو في الحقبة التالية لماو. يمكننا أن نرى هذا بوضوح.
لم أستخدم في مقارناتي مقاييس مضللة، مثل: إجمالي الإنتاج، أنا نظرت فقط لكمية الملابس التي أنتجت وكميّة الصلب والحديد الذي أنتج، وكميّة الطاقة التي تم توليدها ...إلخ. يمكننا عبر استخدام هذه المقاييس أن نتفادى مخاطر حساب الشيء ذاته أكثر من مرّة. قمت كذلك باستثناء البيانات العائدة للأعوام ما بين 1949 إلى 1951 والتي يجب فيها حساب التخريب عقب قيام الثورة، وهي الفترة الضرورية التي كانت لازمة لتعافي ماو. قمت باحتساب البيانات بين 1952 و1976، ثمّ قارنتها ببيانات حقبة دينغ وما تلاها. لقد كانت النتائج مذهلة. فعند الحديث عن حقبة ماو، يدعي الكثير من الناس بأنّه قد تمّ التضحية بالشعب، لكنّه مجرّد هراء فارغ لا أكثر. فلن تتمكن من الحصول على هكذا تطور اقتصادي سريع، إلّا عبر جعل الشعب يتسيّد المجتمع.
إنّ التنمية الاقتصاديّة في ظلّ الرأسمالية سريعة جداً بالمقارنة مع مثيلاتها في الهند والبرازيل، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. ولهذا يستمر الناس بالحديث عن «المعجزة الصينية» اليوم. لكن الحقيقة هي أنّ التنمية الاقتصادية في ظلّ الاشتراكية كانت أسرع. لنلاحظ حقيقة تاريخية بسيطة: بعد سحق السوفييت للرجعيين في الحرب الأهلية، تحولت روسيا في الفترة ما بين 1921 إلى 1941 من كونها مجتمعاً صناعياً متخلفاً في طرف أوروبا، إلى قوّة كبرى عالية التصنيع. لقد حدث كلّ ذلك خلال عشرين عاماً بعد حرب مدمرة. إنّ ما حصل في الصين خلال الأربعين عاماً الماضية، لا يعدّ شيئاً بالمقارنة مع التنمية التي حدثت في الاتحاد السوفييتي في تلك الحقبة. وعلى غرار الاتحاد السوفييتي، حققت الصين الاشتراكية في عهد ماو نجاحاً اقتصادياً ملحوظاً. لذلك فالقول بأنّه قد تمّ التضحية بالتنمية الاقتصادية من أجل إشعار الناس بالسعادة في عهد ماو، هو مجرّد مغالطات كاذبة غير حقيقية.
إضافةً إلى ذلك، لم يكن تطوير الإنتاج في الصين الماويّة أسرع بكثير ممّا بعده وحسب، لكنّه جعل الشعب يؤمن بأنّه سيد مجتمعه. لقد كان ذلك هو السبب الرئيس في أحداث عام 1989. نزل الناس إلى الشوارع بأعداد كبيرة للتظاهر، لأنّهم ظنوا بأنّ الحكومة تنتمي لهم. كانت هذه هي روح الثورة الثقافية. على أيّة حال، لطالما تمّ تجاهل هذه الحقيقة عند دراسة الباحثين من التيار السائد للانتفاضة.

النموذج الصيني...قصة نجاح
يبدي اقتصاديو الاتجاه السائد جهلاً شديداً بخصوص التنمية. يعود السبب في معاناة التنمية في بلدان «العالم الثالث» إلى الإمبريالية. الإمبريالية هي من تسمح للشركات متعددة الجنسيات بسحق أيّةِ جهود تنموية تتحدى سلطتها الاحتكارية في بلدان «العالم الثالث». ولذلك فإنّ السبب الذي سمح للصين بالصعود في عصر الإمبريالية هو حفاظها على سيادتها. وضعت القاعدة الاقتصادية التي بُنيت في حقبة ماو الأسس للتنمية الاقتصادية السياديّة. هذا هو السبب الرئيس. حتّى اليوم، انظر إلى أنحاء العالم كافة، أيّ بلد لديهِ السيادة في المسائل العسكرية والسياسيّة والاقتصادية؟ الصين وروسيا فقط. والهند بدرجة قليلة. إن لم تستطع فهم منطق التنمية الاقتصادية في العصر الإمبريالي، فستبقى جاهلاً بأسباب قدرة الصين على النمو. ولهذا ومن مفارقات التاريخ المضحكة، كان عليك أن تحظى بالاشتراكية أولاً من أجل بناء أساسٍ للتنمية الرأسمالية. قال ماو ذات مرّة: «الاشتراكية وحدها تستطيع إنقاذ الصين». ويمكننا أن نضيف الآن: «الاشتراكية وحدها تستطيع إنقاذ الرأسمالية في العالم الثالث».