فيليسيتي أربوتنو - ترجمة قاسيون  8  شباط 2008 فيليسيتي أربوتنو - ترجمة قاسيون 8 شباط 2008

عملية «مذبحة الصحراء».. تأمّل من أجل يوم للهولوكوست

تحل اليوم الذكرى السابعة عشرة لتورط أمريكا وبريطانيا العظمى في «حلهما النهائي» للسكان العراقيين.

ذلك القصف المكثف الذي استمر اثنين وأربعين يوماً الذي انضم إليه بجذل 32 بلداً آخر، وتعرض له بلدٌ يعدّ خمسةً وعشرين مليون نسمة، مزودٌ بجيشٍ من المجندين الشباب، نصف السكان، لا تتجاوز أعمارهم ستة عشر عاماً، لم يكن إلا بداية حصارٍ كامل، تحت رعاية الأمم المتحدة، وبضراوةٍ قروسطية. وبعد أن أعاد القصف العراق، كما تبجح جيمس بيكر بأنه سيفعل، إلى «العصر قبل الرأسمالي»، أنكر عليه كل وضعٍ طبيعي: فقد حرم من التجارة والمساعدات والاتصالات والطاقة ومعالجة المياه المالحة وتصليح تمديدات مياه الشرب والبذار والغذاء والأدوية والتجهيزات الطبية...

قبل سبعة عشر عاماً من كتابتي لهذه الأسطر، كان العراق يدخل أسبوعه الثاني من القصف الهمجي المكثف، على مدار الساعة تقريباً، في انتهاكٍ، مثلما هي الحال اليوم (أذكّر بذلك، خشية أن ننساه مجدداً)، للبروتوكول الإضافي رقم 1 في اتفاقية جنيف للعام 1977، وإليكم نصها:

«يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر»..

كان القصف العنيف الموجه ضد العراق يستهدف عمداً كل ما هو «لا غنى عنه لبقاء السكان المدنيين».

على مدى أربعٍ وعشرين ساعة، جرى تدمير القسم الأكبر، فقد قطعت الكهرباء بعد ساعتين من القصف، ما أدى إلى وفاة مرضىً موصولين بآلات تنفس اصطناعي والأجهزة الحيوية كافة، الرضع في الحاضنات، أو الأشخاص المحتاجين لمساعدة تنفسية تحت الأوكسجين. أخذت الثلاجات تفقد تجميدها، وتلفت الأدوية كافة التي تحتاج للتبريد، وكذلك أكياس نقل الدم والمحاليل الملحية المستخدمة للجرحى. بدأ الغذاء يفسد، وبين القصف وإغلاق المصارف (بعد فترة وجيزة، خشية النهب والسلب)، أصبحت قطع الغيار نادرة، ثم لم تعد موجودة.

في النجف، تُوُفي سبعون من مرضى القصور الكلوي المحتاجين لغسيل الكلية، «أصدقاء منذ زمن طويل»، كما أعلنت الممرضة المسؤولة عن ذلك القسم، بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وقد جرى تدمير شبكة مياه الشرب عمداً، ورفضت لجنة العقوبات المقيتة التي يسيطر عليها الأنغلو ـ أمريكيون ـ وهي لجنة لم يكن أيٌ من أعضائها يتمتع بهيكل عظمي ـ لاحقاً الموافقة على شراء العراق لقطع الغيار، ولا تزال مياه الصنبور قاتلة حتى اليوم.

كانت تلك خطة القيادة المركزية الأمريكية منذ البداية على ما يبدو. وقد وصف البروفيسور ناجي ستيفاني ميلر تدمير شبكة مياه الشرب في العراق كما يلي: «هولوكوست بطيء». نادرون هم الشهود الذين كان بوسعهم وصف الوضع بصورةٍ أفضل.

تدمير كل شيء

وكانت شبكة اتصالات بغداد هي أيضاً من بين الأهداف الأولى. كانت مقر تلك الشبكة أنيقاً، يقع قرب حي المنصور، وجثا مكسوراً وملتوياً، مثلما جثت أجساد العاملين فيه. هكذا قطع العراق عن العالم، فبقي مدى القصف وفظائعه مجهولةً على نطاقٍ واسع لفترة زمنية معتبرة. لم تعد لدى العراقيين المقيمين في أرجاء العالم كافة أية وسيلة تسمح لهم بمعرفة إن كانت عائلاتهم وأصدقاؤهم وأحباؤهم وأزواجهم على قيد الحياة أم لا. كما قصفت محطات الإذاعة والتلفزيون في العراق كيلا يمكن تقديم أي تحذيرٍ للمدنيين (عادةً، يتمتع الصحافيون هم أيضاً بالحماية عبر إجراءات نوعية، لكنّ أصحاب القرار ليسوا أميين فقط على ما يبدو، بل إنهم يجهلون القوانين).

قصفت أيضاً المستشفيات والمستوصفات والمدارس ورياض الأطفال، فاجتث التعليم لدرجة أنّ مخزونات المواد التعليمية المتواجدة في مبانٍ منفصلة عن المدارس (عادةً في نقطة توزيع مركزية، على بعد بضعة كيلومترات من المدن) قصفت هي أيضاً.

كذلك استهدفت الزراعة بأشكالها كافة عمداً. إذ أطلقت النار بالرشاشات على المداجن وقطعان الغنم والماعز، ومات نحو نصف الجواميس، واختفت منتجات المزارع، كما تحولت الصوامع والحظائر الزراعية والمصانع الغذائية إلى أطلال. كانت تلك جريمة حربٍ مذهلة في اتساعها، لم يقدم بسببها أي صانع قرار أو أي طيارٍ قاتل ومرتكب للإبادة الجماعية وقاتل للأطفال إلى أية محكمة...

لم توفر مصانع الأدوية ومعامل تصنيع المحاقن الطبية. وبسبب سياسةٍ ذهانيةٍ بامتياز، قصفت البلدان التي كانت شريكة تجارية للعراق وبنت مصانع وبنى تحتية في هذا البلد، كلٌ بدوره، كلاً منها، وبصورة خاصة تلك المصانع والمعامل التي بنتها هي نفسها! انقض طيارو أمريكا لقصف مصانع ببسي وكوكا كولا. لم تبلغ «البسالة» العسكرية حتى ذلك الحين مثل هذه الدرجة من الانحراف والعته والتخلف العقلي.

الإبادة القادمة من الأعلى

استخدم النابالم ومبيدات الأوراق بكميات كبيرة، فمات نصف أشجار العراق، بما في ذلك حقول النخيل القديمة الممتدة، ولم تحمل أشجار النخيل المتبقية أية ثمار طيلة خمس سنوات. في المزارع الهادئة، العائلية، وسط أشجار النخيل، أجهضت النساء والمواشي، وكثيراً ما كانت تموت أثناء الوضع. يصف جميع الناجين «بخاراً» يخرج من الطائرات، ثم عواقبه ـ الرهيبة ـ على البشر المقيمين في ظل أشجار النخيل أو الأدغال، الباحثين عن البرودة النسبية تماماً، لكن المرغوبة أثناء جحيم الصيف في العراق. وبطبيعة الحال، في هذه الإبادة القادمة من الأعلى، مع الرمي اليومي لعددٍ من القنابل يفوق ما رمي وسطياً في الحرب العالمية الثانية يومياً، بلغت القوة الانفجارية التي اجتاحت العراق خمسة أضعاف ما تعرضت له هيروشيما.

كانت القنابل المستخدمة تتضمن اليورانيوم المستنفد، الذي لا يزال يؤثر على العراق ومحيطه والمنطقة والبشر والحيوانات والنباتات حتى اليوم، وستواصل التأثير لمدة أربعة مليارات سنة ونصف! ... «حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد» نصٌ آخر في اتفاقية جنيف، التي تنص أيضاً على «حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة أو بقاء السكان».

لا يمكن أن تكون المخالفات أسوأ من الحكم على أجيالٍ لا تعد ولا تحصى بأن تولد في الموت والتشوه. لقد جرى تجاوز مبادئ نورنبورغ عبر الطريقة التي عومل بها المدنيون والجنود: «قتل أو تعذيب... أسرى الحرب، علاوةً على الإبادة... والمعاملة المهينة للإنسان تجاه أي سكان مدنيين».

مجزرة طريق البصرة

«المعاملة المهينة للإنسان» التي مورست ضد الشعب العراقي في العام 1991 هي من مقومات جرائم الحرب التي ليس بوسعنا سوى أن نأمل بأن تسكن مرتكبيها حتى موتهم، إذ لم يجر تقديم أيٍّ منهم للعدالة.

مجزرة طريق البصرة السريع، التي ارتكبت بعد وقف إطلاق النار، ضد المدنيين الهاربين والقوات الضالة والمنسحبة، فجزأهم «صيد الحمام» الذي قام به الجنرال شوارزكوف أشلاء أو حولهم إلى رماد. لكن كل الحرب كانت مماثلة بالطبع. كان صدام حسين قد عرض، بل إنه بدأ في الواقع، الانسحاب من الكويت قبل بدء الجحيم، لكن، كما هي الحال دائماً بالنسبة للولايات المتحدة، كان الأوان «قد فات» لإجراء مصالحة. كما استهدفت الحافلات والسيارات الخاصة طيلة اثنين وأربعين يوماً من المجزرة المستمرة. فقد أحرقت شاحنات تحمل أدويةً ولحوماً ومنتجاتٍ أساسية مع سائقيها. وصوّر جنودٌ غربيون «صوراً للوحات صيد» رهيبة، تضمنت بقايا مزرية لضحايا محروقين ومبتوري الأطراف.

حين طبعت صحيفة الأوبزرفر البريطانية صورةً أصبحت رمزاً لفظائع عام 1991 الرهيب ـ ذلك الجندي العراقي ووجهه كالذائب على واقية سيارته، دوّت صرخة استنكار. لم يكن ممكناً مواجهة حساسية القراء بمثل تلك الفظائع. في مقالٍ نشرته مجلة الغارديان ويكلي (16 كانون الأول 1995)، وصفت ماغي أوكرين الحقيقة غير القابلة للتحمل. آباءٌ يتوسّلون كي يتمكن أحباؤهم من النجاة من جحيم حديثة، أي مجزرة طريق البصرة السريع. يوم انتهت الحرب، في محطة حافلاتٍ جنوبي بغداد، كان الليل يهبط والطريق مليئاً بنساءٍ محزونات.

كان الناجون العراقيون من «صيد الحمام» على طريق البصرة السريع يجرجرون أنفسهم عائدين إلى منازلهم بجروحٍ مفتوحة ومتقرحة. كانت زوجاتهم يرتمين على الحافلات الصغيرة والشاحنات المصابة، متوسلات: «أين هو؟ هل رأيته؟ أليس معك؟» كان بعضهن يسقطن راكعاتٍ على إسفلت الطريق حين يسمعن الخبر الذي لا يمكن تحمله.

بعضهن الآخر كن يتراكضن من حافلةٍ إلى شاحنة، من شاحنةٍ إلى حافلة، من حافلة إلى سيارة، أملاً في رؤية ابنٍ أو زوج ـ الجنود العراقيين السبعة والثلاثين ألفاً الذين لن يعودوا أبداً إلى بيوتهم. تواصل ذلك الليل بأكمله، وكان ذلك أكثر ما رأيته حتى ذلك الحين من المشاهد يأساً وإثارةً للأسى. بل كان هنالك ما هو أسوأ... 

فظائع لا تُصدَّق

فكروا في تلك الفظائع التي أغرقت وسائل الإعلام الغربية قارئيها بها منذ سنوات، تلك الفظائع التي ارتكبها أناسٌ من ثقافاتٍ أخرى، يحملون سماتٍ أخرى: ستالين، بول بوت، وبالطبع صدام حسين، واطلعوا على المقطع التالي في مقال ماغي أوكين:

«لدى عودة الرقيب جو كين إلى مدينته برايسون في كارولينا الشمالية بعد حرب الخليج، أول ما رآه كان يافطةً كبيرة أمام مطعم هارديز برغر، كتب عليها: «أهلاً بك في البيت يا جو كوين». كان جو كوين، الذي تلقى ميداليةً برونزية، يريد الترويح عن نفسه بعد الحرب، لكنّ مدينة برايسون لم تفهم الأمر على هذا النحو. كان جو كوين، ذو التسعة عشر عاماً، أول جندي مشاة أمريكي يعبر الحدود السعودية فور انتهاء عاصفة الصحراء على متن بلدوزر مصفح. تمثّلت مهمته في دفن عراقيين أحياء في خنادقهم، ثم تغطية هذه الخنادق جيداً كي يتمكن ما تبقى من الكتيبة الحمراء الكبيرة، وهو لقب الكتيبة المصفحة المؤللة الأولى، من أن تتبعه بلطفٍ ويسر. لا يعرف جو كوين عدد الجنود العراقيين الذين دفنهم بهذه الصورة أحياء على الجبهة.

لكن بعد خمسة أعوامٍ من ذلك، أخذ يتذكر جيداً وهو في قاعدته العسكرية في جورجيا كيف تمّ ذلك:

«بلغت نعومة الرمال حداً جعله ينزاح بعد تسويته بشفرة البلدوزر إلى الجانبين على الفور، فلم يكن علينا تكرار التحرك في المكان. هكذا: تتقدم، بسرعة خمسة وعشرين أو ثلاثين أو خمسة وثلاثين كيلومتراً في الساعة، على طول الخندق... ولا تراهم. الرمل يصل حتى عينيك، لكنك تعرف ما يتوجب عليك فعله. لقد فعلته مراتٍ ومراتٍ بحيث تستطيع فعله بعينين مغمضتين... لا أعتقد أنّه كانت لديهم أية فكرة عما يحدث لهم، فقد كان ما نفعله حين نمر فوق طرف الخندق مذهلاً. أثناء انسحابي، رأيت بعض الجنود وهم يحاولون الاستسلام، لكنّهم ماتوا أيضاً: فقد دفنوا! كان هنالك نوعان من البلدوزرات، حقيقية، كلاسيكية، ثمّ أيضاً مصفحات، كانوا يركّبون على مقدمتها شيئاً من قبيل شفرة البلدوزر. رأيت بعض الرجال يسيرون لملاقاتنا وهم يحملون أسلحتهم في الهواء، ليستسلموا؛ وكانت المصفحات تقلبهم فتقتلهم... حفروا حفرةً كبيرة في الرمل؛ رموا فيها الجنود العراقيين، ثمّ قاموا بتسويتها».. وصف أحد المقاتلين العراقيين الناجين كيف دُفن رفاقه على هذا النحو أحياء، أصدقاؤه الذين أكلوا معه، تبادلوا معه المزاح... «أنا عاجزٌ عن وصف ذلك. كنا أصدقاء. لقد شاركت بعضهم وجبات الطعام، وتحدثت مع بعضهم. لا أستطيع التعبير عما أشعر به في هذه اللحظة... رأيت رجلاً قطعه بلدوزر نصفين. كان نصف جسده في جانب، والنصف الآخر في الجانب الآخر، على بعد عدة أمتار».

أتمنى أن تلاحقك كوابيسك وكوابيس زملائك يا جو كوين إلى الأبد. فليتبعك شبح أولئك الذين دفنهم أحياء، أنت وزملاؤك، أينما ذهبت، لقرونٍ وقرون. آمين!

بين الحرب والحصار

تحمل القبور الجماعية أسماء القادة الذين أمروا بإبادة العراق في العام 1991، بقادتها وجنودها ـ يجري تعيين كلٍّ من هذه القبور على هذا النحو. ومن مهازل التاريخ أنّ «القبور الجماعية» التي يقال إنّ صدام حسين صنعها تبدو حتى اليوم وهماً. إذ لم يعثر إلا على قبور عسكرية، وقبور المتمردين الذين شجعتهم الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى بعد انتهاء إبادة العراقيين في العام 1991. بطبيعة الحال، لم تنته الحرب أبداً. فثلاثة عشر عاماً من الحصار أعقبت تلك الحرب قد تسببت في وفاة مليون ومائتي ألف شخص.

فضلاً عن ذلك، قصفت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى العراق (بصورة غير شرعية) حتى غزو العام 2003 (غير الشرعي). في العام 2002، قام البلدان المذكوران بتدمير كل حياة وكل كائن في أحياء سكنية كاملة، بالعائلات التي فيها، والأطفال وهم يلعبون، والأطفال وهم ينجزون واجباتهم المدرسية، وقطعان الخراف والماعز، ورعاة تلك القطعان وأطفالهم في كثير من الأحيان. حدث ذلك قبل عامٍ تقريباً من بدء الولايات المتحدة عملية «البؤرة الجنوبية»، في تغييرٍ لاستراتيجيتها الانتقامية، عبر زيادة العدد الكلي للمهمات وانتقاء أهدافٍ في مجمل المناطق التي منع فيها تحليق الطائرات، بهدف كسر بنية القيادة العسكرية العراقية. ارتفع وزن القنابل التي جرى إلقاؤها من صفر في آذار 2002 و0.3 في نيسان 2002 إلى ما بين 8 و14 طن شهرياً بين أيار وآب، وبلغ ذروةً قدرها 54.6 طناً في شهر أيلول، تحضيراً لحرب العام التالي (المصدر: ويكيبيديا).

كما كشفت دراسةٌ حديثة قام بها مركز النزاهة العامة أكاذيب إدارة بوش بشأن الغزو.

أحصت تلك الدراسة 935 تصريحاً كاذباً على مدى عامين. ووجدت هذه التصريحات الكاذبة في خطابات وتقارير ومقابلات ومناسبات أخرى. فقد أكد بوش ومسؤولو إدارته بطريقةٍ لا لبس فيها 532 مرةً على الأقل بأنّ العراق يمتلك أسلحة دمارٍ شامل، أو أنه يحاول تصنيعها أو الحصول عليها، أو أنه مرتبط بمنظمة القاعدة، أو الاثنين معاً. أكدت الدراسة بأنّ «بوش يحتل المركز الأول بمائتين وتسع وخمسين كذبة، 231 منها بصدد أسلحة الدمار الشامل في العراق، و28 بصدد صلات مزعومة يقيمها العراق مع القاعدة». لم ينافسه على ذلك المركز إلا باول، بتأكيداته الكاذبة المائتين والأربع والأربعين في ما يخص أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتأكيداته العشرة بصدد الصلات الخيالية بين العراق ومنظمة القاعدة.

يتجاوز عدد الأطفال العراقيين الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام وفقدوا حياتهم في الفترة التالية للغزو (2003-2007) مليون طفل. أما في أفغانستان، فقد بلغ عددهم بعد الغزو (2001-2007) مليوناً وتسعمائة ألف. 

من العراق إلى فلسطين ولبنان..

دعونا نذكر أمراً آخر مشيناً في عصرنا: حصار إسرائيل لقطاع غزة (منذ حزيران 2007، والمستمر حتى الآن)؛ الأعداد الكلية للقتلى غير واضحة. غير أنّ أرقام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA بصدد وفيات الأطفال مخيفة: ففي العام 2004، بلغ عدد الأطفال الصغار المتوفين 23.54 لكل ألف نسمة. أما في السويد، فتبلغ هذه النسبة 2.76 لكل ألف نسمة. نظراً لإلغاء التزويد بالكهرباء ولمعظم المنتجات الأساسية منذ حزيران 2007، نفتقر بشدة إلى معطيات إحصائية جادة ـ وهنالك مطالبات متواصلة ومطلقة باحترام جيراننا في العولمة لحقوق الإنسان في غزة والعراق وأفغانستان، وكذلك لحقوق منسيي الإبادة التي نفذتها عملية «المطر الحارق» في لبنان. ينبغي أن نحترمها نحن الشعب... على مثال التصرفات الإبادية التي مارسها جو كوين، ترتكب الفظائع في تلك البلدان باسمنا. «أن تصمت يعني أن تكون متواطئاً.

«لم يعد هنالك أحد لنقتله»، أعلن الجنرال نورمان شوارتزكوف بعد حمام دم الطريق السريع بين الكويت والبصرة، إذ جرت تصفية الجميع، حتى الجرحى الملوحين بالأعلام البيضاء والأطباء المرافقين لهم.

في لحظة كتابتي لهذه السطور، في يوم ذكرى الهولوكوست، يستحيل على المرء أن يقول لنفسه إنّه ليست هنالك ضرورة لمعسكرات الأعمال الشاقة، ولا للترحيل، ولا لغاز سيكلون ب لصنع هولوكوست. حين سيصل عدد القتلى في العراق وأفغانستان وغزة ستة ملايين، في حين يبقى العالم صامتاً ومتفرجاً، هل سيكون لهم يوم خاص لذكرى الهولوكوست؟

هل سنتعلم جميعاً، أياً كان لون بشرتنا أو ديننا، أي درس قبل أن يفوت الأوان؟

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 13:05