تونس..  عودة موجة الشعب الغاضب*
سمير أمين  سمير أمين 

تونس.. عودة موجة الشعب الغاضب*

عادت جماهير الشعب التونسي تتجمع بكثافة، حتى فاضت بها الشوارع، للتعبير عن غضبها. وقد نشأت هذه الموجة الثانية من الانتفاض في مدينة القصرين (وسط البلاد) يوم 20 يناير (كانون الثاني)، ثم راحت تنتشر في جميع الأقاليم، وفي تونس العاصمة اليوم التالي.

كانت هذه العودة للتحرك الشعبي متوقعة. والسبب هو أن الحكومات التي تم تكوينها على إثر الانتخابات الأخيرة قد أثبتت عجزها تماماً في تناول القضايا الرئيسية، وهي أولاً قضية البطالة المتفشية والمستمرة في الصعود، قبل وبعد ثورة 2010. 

ويعلم الجميع أن هذه الحكومة أقيمت على مبدأ «الوحدة الوطنية» المزعومة، حيث أنها تضم في صفوفها ممثلين لجميع القوى والتيارات السياسية العاملة في الساحة، انطلاقاً من حزب «النهضة» (وهو الفرع التونسي لشبكة الإخوان المسلمين)، وحتى اليسار، مروراً بأحزاب السلطة التقليدية (البورقيبية)، وفلول نظام بن علي. وكلما تقدم اليسار باقتراح إصلاحات تشريع في سبيل التغيير، وقفت ضده كتلة الرجعية الموحدة (أحزاب السلطة والنهضة معاً)، رافضة لها باسم «حماية الوحدة الوطنية»!

وقد رحبت وسائل الإعلام الغربية السائدة عالمياً بتكوين مثل هذه التسوية «الديمقراطية» للأوضاع، علماً بأن الحكومة تواصل السياسات الليبرالية التقليدية، دون شرط أو تردد. الأمر الذي أدى إلى تواصل، بل تعميق التدهور الاجتماعي، وبالأساس تصاعد مستمر للبطالة. 

كانت إذن هذه النتائج متوقعة، كما سبق أن أوضحناه في تدخلاتنا بمناسبة انعقاد المؤتمر الاجتماعي العالمي لتونس في آذار العام 2015. وفى إحدى جلساته، تقدم الأمين العام للنقابات التونسية، الزميل حسين عباسي، بتصريح واضح تماماً فقال بالحرف: «إن أسلوب انتخابات دون أن يرافقها مشروع سياسة اقتصادية واجتماعية جديدة، تقدمية، تخرج عن إطار الليبرالية التقليدية، لن يفتح السبيل لإنهاء النكبة الاجتماعية، (وبالتحديد تصاعد البطالة) التي سببت ثورة 2010».

واليوم آن الأوان، بعد أن عادت جماهير الشعب التونسي تمارس حقوقها في إعلان غضبها، أن تعي جميع القوى الديمقراطية التقدمية الصحيحة، في تونس والبلاد العربية الأخرى، وعلى صعيد عالمي، ما هي الأهداف التي تسعى القوى الرجعية إلى ضمان إنجازها، ألا وهي أن تظل تونس دولة تابعة، خاضعة لمقتضيات استمرار النهب الإمبريالي، هذا هو الهدف الحقيقي الوحيد، أما سيول الخطاب حول «الديمقراطية»، فلا تعدو كونها ذراً للرماد.

وكذلك، فإن الحديث المتكرر في وسائل الإعلام الغربية، ومفاده أن «الإخوان المسلمين» (حزب النهضة في تونس) قد صاروا حزباً ديمقراطياً»، لن يقنع عدا هؤلاء الذين يسعون إلى تمتين الجبهة الرجعية، حتى تقبل التبعية في الإطار الرأسمالي الإمبريالي المعولم.

أضيف أن تواصل السياسات الليبرالية المذكورة من شأنه أن يشجع على لجوء أطراف من الشباب التي خابت آمالهم إلى الانحياز للحركات الإرهابية. ولا أتخيل أن قيادات الدول الغربية عاجزة عن إدراك هذه الحقيقة المؤلمة، بل ترحب بها. إذ أن الخطر الأعظم بالنسبة إليها هو أن ترتفع درجة وعي الشعوب للمستوى المطلوب، من أجل قيامها الناجح بمشروعات وطنية تقدمية وديمقراطية صحيحة، بعيدة عن الليبرالية الجديدة المكروهة والمدمرة.

 

*نقلاً عن صحيفة «الأهرام» المصرية