فاروق شودري فاروق شودري

الحركة الاحتجاجية في منطقة اليورو

تتفاقم الاحتجاجات بأشكال شتى، في منطقة اليورو المتأزمة  التي تعتريها حالة من عدم الاستقرار، من انتخابات حكومية إلى مظاهرات، ضد البنوك، بينما تشهد الساحة اليونانية،حالة من الضبابية في أزمتها المتفاقمة.

د. نبيل حوج

لم تكن البنوك على دراية تامة بقدرة اليورو على التفاعل مع الأزمة، مما أدت سياساتهم التجريبية إلى ظهور العلل التي يعاني منها. وهناك رفض من الناخبين للبنوك، وشبه احتجاج سياسي  لا مثيل له، والساسة من الشعب يقفون ضد سياسات البنوك، والوضع يشبه نقل معبد بارثيون الإغريقي من اليونان إلى بريطانيا، فالبنوك لا تدرك علاقة السياسة مع الدين والتقشف. فالأزمة المالية الأوربية، ومشاكل أوربا السياسية تتفاعل مع بعضها.

ترفض الشعوب في كل من فرنسا واليونان معايير التقشف في الانتخابات الوطنية، وقد عبرت الانتخابات المحلية في إيطاليا الرسالة ذاتها، فاليونان وضعت ديمقراطيتها في مأزق سياسي، الشعب ومن ضمنهم قوات الشرطة في بريطانيا يبدون معارضة تجاه تدابير التقشف، الغاضبون في شوارع إسبانيا التي ألقت الأزمة البنكية ظلالها عليها، سقوط الحوكمة في هولندا، التدابير المالية في إيرلندا والبرتغال أصبحت موضع تساؤل، الاقتصاد الفرنسي معتل، تلك هي حالة هذه القارة المريضة.
ومن جانبه يقول كلاس كنوت  عضو مجلس المصرف  المركزي الأوربي: إن حدوث تضاعف الكساد قد أصبح أمراً حتمياً في  أوربا.البنك المركزي الهولندي حذر في تقريره السنوي الأخير من الواقع المالي الهولندي إذا لم تحل أزمة اليورو التي تواجه أوربا من خلال وجوه متعددة للأزمة يمكن  أن تؤدي لمشهد من الأنواع التالية:  فترة طويلة من الركود، النمو الاقتصادي الضعيف، انخفاض الإنفاق الاستهلاكي،  الاستثمارات غير الكافية. وتضعف البلدان المجاورة مع ضعف الأداء المالي العام والاقتصادي، وتهاوي القطاع المصرفي،
وقد حذر البنك الفرنسي في تقريره الأخير، من خلال توقعات اقتصادية تتنبأ بأن الاقتصاد الفرنسي يخطو نحو الركود خلال فترة ستة أشهر.
ونقلاً عن استطلاع للرأي أجرته Bloomberg بأن 57% من المستثمرين البالغ عددهم 1.253، المحللون والتجار افترضوا بأن هناك بلداً واحداً على الأقل سيخرج من منطقة اليورو بنهاية عام 2013، ووفقاً لاستطلاع أجراه 35 من أصل 65 من الاقتصاديين يتوقعون بأن تكون اليونان خارج منطقة اليورو بحلول عام 2013. والحالة اليونانية الآيلة للسقوط من منطقة اليورو شبه ميئوس منها، فالشعب والساسة يبدون الكثير من النقد حيال ذلك.
 وقد أعرب معهد التمويل الدولي عن قلقه  من الركود في اليونان، الذي يمثل الدائنون حسب شكل دينهم، فإذا خرجت اليونان من منطقة اليورو فإن أعضاء معهد التمويل الدولي سيمنوون بخسائر فادحة، وقد حسب البنك الفرنسي حجم الأضرار على الاقتصاد فيما لو خرجت اليونان من منطقة اليورو بما يلي: القضاء على 20% من الناتج المحلي الإجمالي لليونان، ارتفاع التضخم بنسبة 40-50%، وستقفز نسبة الدين/الناتج المحلي الإجمالي إلى 200%، وهذا من شأنه أن يكون مهدداً لانهيار القطاع المصرفي.
والآن تبدي البنوك المركزية الأوربية استعدادها لخروج اليونان من منطقة اليورو، فرئيس البنك المركزي الألماني جنس ويدمان حذر من أنه لا توجد مساعدات جديدة لليونان فيما لو لم يتم الوفاء بالتزامها بالإنقاذ، ورئيس البنك المركزي الإيرلندي باتريك هونوهان لا يعتقد بأن خروج اليونان سيؤدي لمقتل اليورو، والاقتصادي أولي رين يقول بأن أوربا الآن لديها تقبل  لخروج اليونان.

 

اليونان: الشعب ضد الدائنين

يلاقي قرار الشعب اليوناني معاناة بسبب  سيطرة الدائنين، الذي أظهر في الانتخاب الأخير:رفض ازدياد غنى البنوك. لكن الساسة الرئيسيين، المرفوضين من الشعب، متوحدون ضد المقاومة الشعبية المتمثلة  في رفض شروط الدائنين، التقشف. وتحت تحذيرات من صندوق النقد الدولي، المستشارة الألمانية والمفوضية الأوربية، يسعى السياسيون لتشكيل ائتلاف من شأنه دعم الدائنين، والموعد النهائي هو 17 أيار حيث يجاهد الرئيس اليوناني الآن  لتشكيل ائتلاف من شأنه السيطرة على الانتخاب، وهذا يلغي – القرار الشعبي- إنها الممارسة الديمقراطية البرجوازية، وبالفعل فشلت ثلاثة أحزاب كبيرة من يمين الوسط إلى أقصى اليسار كتلة Syriza وباسوك الاشتراكي في تشكيل تلك الحكومة.
ووفقاً لاستطلاع جديد، حتمي إلى حد ما أنه على أبعد تقدير في 17 يونيو، ستجرى انتخابات أخرى ستغير من الدينامية السياسية اليونانية والتي من شأنها أن تقض مضاجع البنوك.
الدائنون لم يكونوا في أية مرحلة من التاريخ الإنساني  مهتمون بمعاناة الناس، فاليونان تفقد 922 فرصة عمل يومياً، ومعدل البطالة ارتفع إلى 21.7% في شهر شباط، وتعداداً كان أكثر من مليون شخص، وفي الفئات العمرية التي تتراوح بين 15-24 سنة سجلت معدلات أعلى وصلت 54%. وفي شهر شباط كانت 15.2%، وهذه تعتبر مرآة لنتائج تدابير الإنقاذ- التقشف التي فرضها الدائنون. وواحدة من القضايا المركزية في البلاد.
وسيلة  الاستقرار المالية الأوربية،صندوق إنقاذ بقيمة 799 بليون يورو، وقد وافق على دفع 5.2 بليون يورو  إلى اليونان كجزء من خطة الإنقاذ  والذي سيعود عملياً أكثر من نصفه للبنك المركزي الأوربي  والبنوك المركزية الأخرى في منطقة اليورو خلال أسبوع. وأيضاً تفتقر أثينا للنقد لدفع الرواتب، في حين سيتم دفع 4.2 بليون يورو كدفعة أولى، وستوزع على الموظفين والبقية سيحددها التطور السياسي في البلاد، وهذا بحد ذاته تحذير للشعب فإما أن تخضع لشروط الدائنين أو سيتم فقدان الأجور والرواتب. والدائنون يخلقون الرعب لاستمرار ممثليهم في الدراما السياسية في اليونان، ولكن  الشعب يناضل من أجل الخلاص من سيطرة صندوق النقد الدولي والبنوك الأوربية فقد دعا سكرتير الحزب الشيوعي أوليكا باباريغا لانتخابات جديدة لإنهاء مهزلة تشكيل الأئتلافات ، مكرراً عدم قبول حزبه للمشاركة في أية حكومة، واتهم كتلة Syriza بعدم المسؤولية تجاه ما يجري، مضيفاً بأن هناك تمويهاً يسارياً يسعى لإقناع الناس بإمكانية تعايش العمال والرأسماليين  معاً بسلام. وSyriza يتجنب اتخاذ موقف صريح من عضوية الناتو وفي القضايا الخارجية السياسية الكبرى. ويقول باباريغ بأن المغامرة أحياناً لها كاريزما صاخبة.
الأيام القادمة ستشهد صخباً سياسياً في اليونان، والتي سترصد بعصبية في بروكسل وعواصم منطقة اليورو الأخرى.

 

فرنسا: مساومة الطموحات

ستكون المساومة  هي الكلمة السحرية للرئيس الجديد، فرانسوا هولاند. الاشتراكي الرمزي الجديد في فرنسا، والذي أعلن مراراً بأن عالم المال هو (عدوه الحقيقي)، ولكن حقيقة الأمر مخالفة لذلك. وسيعجل هولاند من زيارته الموعودة إلى برلين بعد ساعات من تأديته اليمين الدستورية للقاء المستشارة الألمانية انجلا ميركل،  والتي ستستقبل بالأحضان اشتراكياً معتدلاً، وقد قالت مراراً بأن التعاون الفرنسي الألماني هو ضرورة لأوربا، ويدرك الرئيس الجديد أيضاً هذه الحقيقة. والفوائد المصرفية سوف تعرض للمساومة، وجدول أعمال برلين لن يقدم جديداً: سيكون القديم نفسه أزمة منطقة اليورو والتأكيد على الشراكة الفرنسية الألمانية. التي ستطرح من خلالها المنافسة المستمرة.
إن تمسك هولاند بالوضع الحالي سيجعله منافساً-حليفاً لميركل، وقد كان وعده الانتخابي: إعادة النظر بالتحالف في منطقة اليورو، والتي كانت من نتاج أفكار ساركوزي- ميركل، ولكن الزعيم الألماني عنيد، لا يريد فتح الحديث عن هذا الحلف، فهولاند  يفضل الاستثمار في الاتحاد الأوربي في المشروعات الكبرى، بينما ميركل تختار التعديلات البنيوية لعمل الأسواق والمعاشات التقاعدية، وهولاند يفضل تعزيز النمو.
ومع ذلك، ستقدم البنوك على النظر في مسألة النمو جنباً إلى جنب مع من يميل للتقشف. لقد حذر الناخبون البنوك من ذلك.
وقد دعا رئيس المجلس الأوربي هيرمان رومبوي زعماء الاتحاد الأوربي لعقد قمة عن النمو في هذا الشهر، ويمكن أن يتبع ذلك إصدار (ميثاق للنمو) والتي يتعين اعتمادها من الاتحاد الأوربي في شهر حزيران المقبل، ميركل وهولاند سيكونان معاً، ولكن هذا لن يكون اتفاقاً وحلاً وسطاً بين زعيمين، بل  مساومة مع الوضع القائم،  وسيكون درساً لكل القادة في كل مكان  الذين يرفضون التعلم من الواقع، بان الواقع غير مطيع دائماً لأرباب العمل.
ومع وعوده الانتخابية بتغير مصير فرنسا، يواجه حالياً هولاند اقتصاده المتأزم في الداخل:تعثر النمو، الديون العامة،الصناعات المعتلة، بطالة قياسية، رفض الناخبين الفرنسيين للسياسات اليمينية والتي كان سبب احتجاجهم، وأيضاً تشمل الوعود الانتخابية للرئيس الجديد خلق نحو 60 ألف فرصة عمل جديدة في مجال التعليم، وفرض ضرائب على أولئك الذين يحصلون على أكثر من مليون يورو سنوياً وبنسبة 75%، لكنه سيواجه معوقات كبيرة من أجل ذلك.

 
بريطانيا: الشرطة من أجل الشعب وليس للربح..
في انكلترا، ويلز، ضباط الشرطة قادوا مظاهرة كبيرة ضمت 30. ألفاً مع عائلاتهم، في الآونة الأخيرة تطالب بالتخفيضات ووقف خصخصة الخدمات، والحقوق الصناعية الكاملة، وهناك يافطات مكتوب عليها ( الشرطة من أجل الشعب، وليس من أجل الربح). وقد ذكرت الصحافة البريطانية بأن  هناك احتجاجاً من طاقم الشرطة ضد تخفيض رواتبهم وتغيير شروط عملهم، وقد ذكر على لسان أحد المتظاهرين بأنهم يريدون حقوقهم الكاملة إضافة لحق الإضراب، ومن هذه التظاهرة يبدو جلياً الإجماع على ضرورة التغيير، والسير نحو المزيد من النهوض بهذه الحالة، وهذه العملية تكونت في المجتمع وفقاً للظروف الحالية، وترسخ التحالف المتصاعد بين الشرطة والشعب دفاعاً عن قضاياهما المشتركة.
ومن جملة القضايا الناشئة في بريطانيا، اتساع الهوة  بين شرائح المجتمع، وتضخم الثروة، والعجز الديمقراطي وانخفاض مستوى الرعاية الصحية،
هذه الظواهر تؤثر في المجتمع البريطاني، وتؤثر على الوعي الجمعي ، إلا أن البنوك تسعى إلى المزيد من النهب، والمزيد من التخفيضات .

 

أسبانيا: الغاضبون مجدداً

الغاضبون مجددا في الشوارع بعد جولتهم الأولى في آذار، تحت شعار ( نحن بحاجة لاستعادة الثروة، وإعادة التوزيع إلى حد ما).حيث عشرات الآلاف من المحتجين في شوارع اسبانيا،ضد السياسيين والبنوك، وهناك الحكومة التي اتخذت إجراءات صارمة ضد المحتجين، ومع ازدياد البطالة في صفوف الشباب التي تجاوزت 50% تدعو الحركة الاحتجاجية  للعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، وحقوق الإنسان والسلام العالمي. وطالبت بوقف التخفيضات في مجالي الصحة والتعليم، وهذه المطالب عميقة الجذور ولكن الناهبين يتجاهلونها.
الشعب في كل من البرتغال،إيطاليا،بلجيكا،ألمانيا، بريطانيا سيشارك أيضاً في هذه الحركة.
ومع ذلك النخب الإسبانية، لديها أجندتها، وهي تعزيز التعاون بين البنوك، وأباطرة العقارات.
Bankia وهي رابع أكبر بنك في البلاد، والمؤممة جزئياً، تم بيع معظم الأسهم إلى الأشخاص العاديين، والان يواجهون خسائر فادحة، واستهلكت البنوك في اسبانيا نحو 16 بليون يورو من الأموال العامة، وضمن الأشهر القليلة القادمة سوف تستهلك حوالي 50 بليون يورو آخر. إنها نعمة للمصرفيين.

 

إنها ليست هامشية: النازيون في اليونان

 مع اقتراب حدوث الكوارث الاقتصادية،، والحالة المزرية لعموم الشعب، وانتهاك مبادىء الديمقراطية، وضعف التثقيف السياسي، يتم صعود النازيين في السياسة اليونانية.
ويخبرنا التاريخ بأن الرأسمالية، تحتاج لمرات عديدة للنازيين، وهي تؤسس البيئة لهم، وتأخذ خطوات صارمة، لأن النازيين/ الفاشيين هم بمثابة أداة مطيعة لفرض الخطة اللازمة مثل خلق بيئة من الخوف، وتهديد الصحافة للتعتيم، وإقصاء حرية التعبير، فهم يعتبرون حلفاء تكتيكيين للقيام بعمليات إبادة لمصلحة الرأسمال المتأزم.
وبحصولهم على 21 مقعداً، و7% من الأصوات ظهر الحزب النازي الجديد في اليونان، وهم يعملون على تهديد الصحفيين، ويطالبونهم بالوقوف باستعداد فيما لو دخل زعيمهم القاعة، ويريدون زرع الحدود اليونانية كاملة بالألغام الأرضية، وتخليص البلاد من (الروائح الكريهة) للعمال المهاجرين. من جانب آخر يثني زعيم النازيين الجدد على هتلر ويستعمل الصليب المعقوف كشعار له، ويشيد بتفوق العرق الآري. ويدعو إلى القيام بهجمات عنصرية وإبادة للمهاجرين.
وهذه السياسات ليست خاتمة الأحزان بالنسبة للقارة المريضة، فما زال هنالك مجال للتلاعب في الفضاء الرأسمالي ..