فشل حرب من أجل النفط
جان بيار سيريني جان بيار سيريني

فشل حرب من أجل النفط

بالنسبة للشعب العراقي، الأمر بديهي. أما بالنسبة لصقور البنتاغون، فالأمر مخالف للمنطق. هل أنّ حرب العراق، التي شرّدت 1،8 مليون خارج البلاد وعدداً موازياً من المهجّرين، كانت حرباً من أجل النفط؟

بفضل مجموعة من الوثائق الأميركية التي تمّ مؤخراً رفع الحظر على مراجعتها، وبالرغم من إنكارات السيد جورج بوش، ومن نائبه رتشارد تشيني، ووزيره للدفاع دونالد رامسفيلد، وكذلك حليفهم الوفي طوني بلير، الذي كان رئيس وزراء بريطانيا لحظة الاجتياح، أصبح باستطاعة المؤرّخ أن يردّ على هذا السؤال بالإيجاب.

في كانون الثاني 2001، لدى وصوله إلى البيت الأبيض، اضطرّ السيد بوش لمواجهة معضلة قديمة: انعدام التوازن بين الطلب على النفط، الذي يرتفع بسرعة نتيجة تصاعد نفوذ الدول الناهضة كالصين أو الهند، والعرض الذي لا يواكبه. الحلّ الوحيد القابل للنظر موجود في الخليج، الذي يحتوي على 60 في المئة من الاحتياطات العالميّة، مع ثلاث دول ضخمة هي السعودية وإيران والعراق، ومنتجين مهمّين آخرين هما الكويت والإمارات العربية المتحدة.

ما من أجيرٍ في شركة «إكسون» مستعدّ «للموت من أجل بئر»

لكنّ الإنتاج متعثّر لأسباب إمّا ماليّة، أو سياسية. ومن جهة دول الخليج، تكتفي العائلات المالكة الثلاث فائقة الثراء، آل سعود، وآل الصباح وآل نهيّان، بمستوى أرباحهم المريح جداً (نظراً لعدد السكّان المنخفض)، ويفضّلون الاحتفاظ بنفطهم الخام تحت الأرض. أما إيران والعراق اللّتان تتمتّعان سويّة بحوالي ربع الاحتياط العالمي من الوقود، فيمكنهما التعويض عن الفارق بين العرض والطلب، لكنهّما خاضعتان لعقوبات- أميركية فقط على طهران ودولية على بغداد- تحرمهما من التجهيزات والخدمات النفطيّة الضرورية. وترفض واشنطن، التي تصنّفهما بين «الدول المارقة»، وضع حدّ لها.

كيف يمكن إذاً سحب المزيد من النفط من الخليج دون تعريض الهيمنة الأميركية في المنطقة للخطر؟ اعتقد المحافظون الجدد- الذين هم في الأساس مثقّفون ديموقراطيون مرتدّون نحو مناصرة إمبريالية متخلّصة من العقد عقب انهيار الاتحاد السوفياتي- بأنّهم وجدوا الحلّ. وهم لم يقبلوا أبداً بقرار الرئيس جورج بوش الأب، في العام 1991، خلال حرب الخليج الأولى، بعدم الإطاحة بصدّام حسين. ففي رسالة مفتوحة إلى الرئيس بيل كلينتون، مستوحاة من المشروع الذي وضعوه «لأجل قرنٍ أميركيّ جديد»، أوصوا منذ العام 1998 بتغيير النظام في العراق. وكان توجّه المحافظين الجدد بسيطاً: يجب إخراج صدّام حسين من بغداد بالقوّة، وإدخال القوات الأميركية إلى العراق. وقد وجد العديد من الموقعين على المشروع أنفسهم بدءاً من العام 2001 في فريق الإدارة الجمهورية الجديدة.

وفي العام التالي، كان أحدهم، هو السيد دوغلاس فيث، الذي يمتهن المحاماة، والذراع الأيمن للسيد رامسفيلد في وزارة الدفاع، يشرف على عمل الخبراء حول مستقبل الصناعة النفطية العراقيّة. وكان قراره الأول يقضي بمنح إدارتها، بعد الفوز، إلى شركة Kellog، Brown & Root  التابعة للمجموعة النفطية الأميركية  Halliburton، التي كانت خاضعة لفترةٍ طويلة لإدارة السيد تشيني. أمّا خارطة الطريق التي وضعها فتقضي بالمحافظة على مستوى الإنتاج العراقي كما كان في بداية العام 2003 (2،840 مليون برميل يومياً) من أجل تفادي حصول انهيار من شأنه بلبلة السوق العالمية.

أمّا المسألة الكبرى الأخرى التي انقسم حولها الخبراء، فتتعلّق بخصخصة النفط العراقي. فمنذ العام 1972، تمّ استثناء الشركات الأجنبية من قطاع يديره العراقيون بنجاح. وبالرغم من الحربين- مع إيران (1980-1988) وحول الكويت (1990-1991)- وأكثر من خمسة عشر عاماً من العقوبات، توصّلوا في العام 2003 إلى مستوى إنتاج يوازي مستوى العام 1979-1980 الذي سجّل رقماً قياسياً ضمن ظروف طبيعية وسلميّة.

تمّ اقتراح خيارين على أصحاب القرار في واشنطن ولندن: العودة بحكم الواقع إلى نظام الامتيازات الذي كان قائماً قبل التأميم في العام 1972، أو بيع أسهم شركة النفط العراقية الوطنية، وفق النموذج الروسيّ، من خلال منح السكّان قسائم قابلة للتحويل.

وافق الرئيس بوش في كانون الثاني 2003 على الخطّة التي وضعها البنتاغون ووزارة الخارجية. وتسلّم السيد جاي غارنر، وهو جنرال سابق مقلّد بالأوسمة إنّما قديم الطراز بعض الشيء، رئاسة الإدارة العسكرية (مكتب إعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية) التي كانت مكلّفة بحكم العراق في فترة ما بعد صدّام. والتزم بإجراءات قصيرة الأمد، دون الجزم بين الخيارات التي يقترحها التقنيّون.

خلال التحضيرات، لم تبقَ الشركات الدولية الكبرى مكتوفة الأيدي. السيد لي رايمون، صاحب ExxonMobil، أكبر شركة نفطيّة أميركية، هو صديقٌ قديم للسيد تشيني. لكنّه يواجه جرأة السياسيين بحذر الصناعيين(..).

وفي لندن، أعربت شركةBritish Petroleum  عن قلقها إزاء الحصّة التي ستخصّص لها. فمنذ تشرين الأول 2002، عبّر ممثّلوها لوزارة التجارة عن مخاوفهم من رؤية البيت الأبيض يمنح الكثير من الامتيازات للشركات النفطيّة الفرنسية، والروسيّة والصينية، مقابل عدول حكوماتها عن استخدام حقّها بممارسة الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن في شباط 2003، لم تعد تلك المخاوف قائمة، فالرئيس جاك شيراك وضع فيتو على القرار الذي كانت الإدارة الأميركية تؤيّده، والحرب الثالثة في العراق ستتم دون تغطية من الأمم المتحدة. ولم تعد مطروحة مسألة احترام الاتفاقيات التي تمّ التوقيع عليها من صدام حسين مع شركة Total وغيرها من الشركات، التي لم تصبح أبداً نافذة ميدانيّاً بسبب العقوبات، إنّما التي كانت خططها جاهزة.

بغية تطمين الشركات الأنكلوساكسونية، عيّنت الحكومة الأميركية عشيّة الاجتياح اثنين من أعضائها لمتابعة الملفّ: السيدين غاري فوغلر (شركة ExxonMobil) وفيليب ج. كارول(Shell)  ثمّ سيتم استبدالهما في تشرين الأول 2003 من خبيرين هما السيد روب ماك كي (ConocoPhilips) وتييري آدامز من (BP). وكان الأمر يقضي بخلق موازنة لهيمنة البنتاغون، وعبرها للمحافظين الجدد الذين عيّنوا رجالهم في المناصب كافّة تقريباً، لكنهم بقوا عرضة للانتقاد في أوساط الإدارة نفسها. هكذا لن يساعد هذا الأمر في استيضاح المطامع الأميركية التي ستتأرجح باستمرار بين قطبين. فمن ناحية، ضاعف المنظّرون العقائديون الأفكار المتهوّرة: فهم أرادوا بناء أنبوبٍ للنفط لنقل الخام العراقي نحو «إسرائيل»، وتفكيك منظمة الدول المصدّرة للنفط، أو حتّى جعل العراق «المحرَّرة» اختباراً أوليّاً لنموذج نفطيّ جديد يُسعى لتطبيقه في ما بعد على الشرق الأوسط بكامله. ومن الناحية الأخرى، عبّر المهندسون ورجال الأعمال الذين يبحثون عن تحقيق الأرباح والنتائج، عن واقعيّة أكثر ابتذالاً.

اتّضح بأن الصدمة التي تسبّب بها الاجتياح على الصناعة النفطية العراقية كانت مدمِّرة. أقلّه بسبب سيل القنابل والصواريخ التي أسقطها الطيران الأميركي منه بسبب النهب المعمّم الذي وقعت ضحيته الدولة في تجسيداتها كافة، حيث الإدارات والمدارس والجامعات والأرشيفات، والمكتبات والمصارف والمستشفيات والمتاحف والشركات تعرّضت للنهب والتفريغ والتخريب بشكلٍ منهجيّ. وتمّ تفكيك آليات الحفر لاستخراج قطع النحاس الافتراضيّة التي تحتوي عليها، فتحوّلت إلى هياكل مفكّكة وغير فعّالة. واستمرّت عمليات النهب عشرة أسابيع من 20 آذار إلى نهاية شهر أيار من العام 2003. ثلث الأضرار التي أُلحقت بالصناعة النفطية وقع خلال المعارك، في حين وقع الثلثان الآخران فيما بعد.

نهب عام وسرقة تجهيزات وإحراق مبان

كلّ شيء جرى على مرأى ومسمع مجموعة Task Force RIO إعادة تشغيل النفط العراقي، المحاطة بهيئة المهندسين العريقة التابعة للجيش الأميركي US Corps of Engineers ومقاوليها الخمسمئة، بالرغم من كونهم محضّرين ومدرّبين بشكلٍ خاص لحماية المنشآت النفطية. التنفيذ السريع للعمليات العسكرية هو وحده الذي منع أتباع صدام حسين من تفجير الآبار، لكن منذ بداية حزيران/يونيو 2003 بدأت عمليات التخريب.

المبنى الوحيد الذي بقي محميّاً هو المجمّع الذي يأوي وزارة النفط الضخمة، حيث يعمل خمسة عشر ألف موظّف يديرون اثنين وعشرين شركة متفرّعة. فلم الدفاع عن المناجم والوزارة وليس عن شركة تسويق النفطStateOil Marketing Organization (SOMO)  التي تسوّق النفط الخام المصدّر، أو التجهيزات؟ تشكّل الاحتياطات الموجودة في الأرض بالنسبة للمحتلّين الكنز الحقيقي الوحيد للعراق. وهم لم يهتمّوا لا للمنشآت ولا العاملين. هكذا لم تكن الوزارة بمنأى عن إهمالهم في نهاية المطاف، سوى لأنّها تحتوي على معطيات جيولوجيّة ولمسوح زلزاليّة عن حقول النفط الثمانين المعروفة التي تحتوي على 115 مليار برميلٍ من النفط الخام. أمّا الباقي فيمكن دائماً استبداله بتجهيزاتّ أحدث «مصنوعة في الولايات المتحدة»، وبخبرة وتقنيّات الشركات الدولية التي يجعلها التخريب ضروريّة أكثر فأكثر.

بعد ثلاثة أيام، حضر السيد تامر الغضبان، المدير العام الأكثر شباباً للوزارة، إلى المبنى الخالي وأصبح- بدلاً عن وزير النفط المكلّف، في غياب وجود حكومة عراقية- الرجل الثاني للمؤسّسة، تحت الإدارة المدقّقة جداً للسيد ميشال موبس، المحافظ الجديد الآخر الذي يحظى بثقة البنتاغون. السيد بول بريمير، الحاكم المتعجرف، تمّ تسليمه مجمل الصلاحيات لمدّة سنة (أيار 2003- حزيران 2004)، وترأس أسوأ عام شهده القطاع النفطي منذ انطلاقته قبل سبعين سنة. هكذا شكّل انخفاض الإنتاج بمعدّل مليون برميل يومياً، أي ما يوازي ثلث مستواه قبل الحرب، فواتاً للربح يفوق 13 مليار دولار.

أمّا المنشآت التي حرسها ما يقارب الثلاثة آلاف وخمسمئة حارس مجرّدين من الإمكانيات، فتعرّضت للتخريب المستمرّ (مئة وأربعين عملية تخريب بين أيار/مايو 2003 وأيلول/سبتمبر 2004) تُقدّر كلفتها بسبعة مليارات دولار(..). أمّا الضربة الأكثر قساوة، فستوجّه إلى مجموعة الأشخاص الذين كان يديرون الصناعة النفطية. فحتّى العام 1952، كان جميع الكوادر تقريباً في شركةIraq Petroleum Company (IPC)  من الأجانب. وكان يسود في الحقول تمييزٌ عنصريّ فعليّ. إذ كانت تُخصّص لهم المنازل الفخمة والمروج الخضراء المصفّفة في المجمعات السكنية، المسيّجة والمحروسة بدقّة، في حين كانت اليد العاملة العراقية تعيش عند أبوابها في قرى من الصفيح(..).

البرلمان المدعوم من الرأي العام يتحرّك ويقاوم الخصخصة

واشنطن التي كانت مهووسة بسابقة اجتثاث النازيّة من ألمانيا بعد هزيمتها في العام 1945، فرضت عملية «اجتثاث للبعث» أكثر صرامةً. إذ كان مجرّد الانتساب إلى الحزب الأوحد، البعث، الذي حكم العراق منذ العام 1968 إلى العام 2003، يُعاقب بالطرد أو بالإحالة إلى التقاعد أو أسوأ من ذلك. فقد تمّ طرد سبعة عشر مديراً عاماً من أصل أربعة وعشرين تحصيهم الشركة الوطنية، إضافةً إلى مئات المهندسين، هؤلاء أنفسهم الذين أبقوا الإنتاج مستمرّاً في ظروف مروِعة منذ خمس وعشرين سنة. وتمّت تصفية مجموعة الآباء المؤسّسين لشركة النفط الوطنيّة، وذلك من الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث التي يديرها أشخاص كانوا مغتربين خارج بلدهم.

لاحظ السيد ماك كي الذي حلّ مكان السيد كارول في منصب أساسي، وهو المستشار النفطي للحاكم الأميركي للعراق، لدى وصوله في خريف العام 2003 بأنّ «الأشخاص الذين عيّنوا عديمو الكفاءة، وقد تمّ تعيينهم من الوزارة لأسبابٍ دينية، وسياسيّة أو من باب المحاباة. أمّا الأشخاص الذين شغّلوا الصناعة النفطيّة في عهد صدّام حسين، والذين أعادوها فيما بعد إلى الحياة بعد تحرير البلاد، فقد تمّ إقصاؤهم بشكلٍ منهجيّ».

ودون أيّة مفاجأة، فتحت عملية التطهير الباب على مصراعيه أمام المستشارين من كلّ حدبٍ وصوب، أتوا بشكلٍ أساسيّ من وراء الأطلسي. فاحتلّوا إدارات وزارة النفط، وضاعفوا من إصدار التعليمات، والمدوّنات والتقارير المستوحاة مباشرةً من آلية عمل الصناعة النفطية الدوليّة، دون الاكتراث كثيراً لتطبيقها ميدانياً...

سيمنحهم نصّ وثيقتين أساسيّتين، هما الدستور الجديد والقانون النفطيّ، فرصةً غير متوقّعة لتغيير قوانين اللعبة. إذ أصبح استمرار وجود دولة مركزية أمراً مداناً سلفاً: فواشنطن لا تريدها، وذلك باسم محاربة الاستبداد والجرائم التي تمّ ارتكابها بحقّ الأكراد في عهد صدّام. وسيكون هذاً النظام الجديد، الفيدرالي لا بل حتّى الكونفدرالي، لامركزياً لدرجة أن يصبح مفكّكاً. إذ يكفي جمع ثلثي الأصوات في إحدى محافظات البلاد الثلاث من أجل ممارسة حقّ النقض على قرارات الحكومة المركزية.

لكن وحدها كردستان تمتّعت بالإمكانيات والرغبة في ذلك. وفي الواقع ستضحى السلطة في المجال النفطيّ منقسمة بين بغداد وأربيل، التي فرضت قراءتها «الخاصة» للدستور حول الأمر: ستبقى حقول النفط قيد الاستثمار في ظلّ سلطة الحكومة الفيدرالية، لكن منح أذونات جديدة مناط بالأقاليم. هكذا ستشهد العاصمتان نشوب خصومة حادّة بينهما، خصوصاً وأن حكومة كردستان الإقليميّة تمنح الشركات الأجنبيّة شروطاً أفضل بكثير من بغداد.

بتأييدٍ من الرأي العام الذي لم ينسَ سابقة IPC، عارض البرلمان ذلك، بالرغم من كونه موضع إدانة شديدة. وقد شرح السيد طارق شفيق، الأب المؤسس لشركة INOC الوطنية، أمام كونغرس الولايات المتحدة الأسباب التقنيّة لهذا الرفض. فحقول النفط معروفة ومحدّدة، ليس هنالك بالتالي أيّة مخاطرة من الشركات الأجنبية. ومن الأساس، إنّ تكاليف التنقيب غير موجودة، والاستثمار هو من الأقلّ كلفةً في العالم. هكذا ستقدّم بغداد، بدءاً من العام 2008، إلى المؤسسات الرائدة عقود خدمة أقلّ ربحيّة بكثير: 2 دولار للبرميل الواحد للحقول الأكبر حجماً، دون منحها أيّ حقٍ على الحقول نفسها.

إلاّ أن شركاتExxonMobil، وBP، وShell، وTotal، إنّما أيضاً المجموعات الروسية، والصينية، والأنغولية، والباكستانية أو التركية ستتهافت على أمل أن تتطوّر الأمور بالاتّجاه المناسب لها. هكذا كتبت مجلةNewsweek في 24 أيار 2010 تحت عنوان «الأعجوبة العراقية»: «هذا البلد يملك إمكانيات تؤهّله لأن يصبح بديلاً للمملكة العربية السعودية». لكن بعد عامين، وإذ ارتفع الإنتاج (أكثر من 3 مليون برميل يومياً في العام 2012)، يستاء رجال النفط من الشروط المفروضة عليهم: فالاستثمارات ثقيلة، والمردوديّة لا تزال متواضعة، والحقول لا تدخل ضمن احتياطاتهم الخاصّة، الأمر الذي يتسبّب بتداعي أسعار أسهمهم في البورصة.

الشركات الأجنبية والحكومة التركية تحاول لعب ورقة كردستان

بالرغم من «الفرمان» الصادر عن الحكومة الفيدرالية، الذي هدّد بأن يجرّد من حقوقها الشركات التي قد تستميلها عقود تقسيم الإنتاج في كردستان، لم تمتثل شركتا ExxonMobil ومن ثمّ Total والأسوأ من ذلك هو أنّ الشركة الأميركية ردّت على التهديد بتحريضٍ إضافي: قضى بعرض بيع عقد استثمارها لحقل القرنة الغربيّة، أكبر حقلٍ في البلاد، حيث كان يفترض بها استثمار 50 مليار دولار ومضاعفة الإنتاج الحالي للبلد. أضحت بغداد تحت الضغط: ففي حال استمرّ رفضها للشروط المفروضة، ستولى الأفضلية لكردستان، وإن كانت احتياطاته أقلّ بثلاث مرات من احتياطات جنوب البلاد..

في حين وعدت تركيا، التي لا تفعل شيئاً لتسوية الأمور مع بغداد، بأنبوب نفطٍ مباشر بين كردستان العراق والبحر المتوسط. هل في ذلك ابتزاز؟ لا شكّ أن الأمر كذلك في مكانٍ ما. لكن لولا الحرب هل كانت الشركات لتجد متّسعاً من الوقت لخلق منافسة بين العراقيين؟ مهما كان، نحن بعيدون عن الأهداف التي حدّدتها الولايات المتحدة لنفسها. لأنّه أيضاً في المجال النفطي، شكّلت الحرب بالنسبة إليها فشلاً ضخماً.

السيد آلان غرينسبان الذي تسلّم إدارة الاحتياط الفيدرالي، البنك المركزي الأميركي، من العام 1987 إلى العام 2006، والذي يتواجد بالتالي في المكان المناسب ليعي أهميّة النفط في الاقتصاد الدولي، عبّر حتماً عمّا هو الأقرب إلى الحقيقة حول هذه القضية الدامية: «إنّني آسف بأن يكون من غير اللائق سياسيّاً الإقرار بأنّ الجميع يعلم أن أحد أكبر رهانات حرب العراق كان نفط المنطقة».

لوموند دبلوماتيك ـــ النشرة العربية