المصلحة العامة نقيضٌ لتطبيق الليبرالية
أديب خالد أديب خالد

المصلحة العامة نقيضٌ لتطبيق الليبرالية

رغم ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة والوصول إلى مستويات مخيفة من انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض الناتجة عن سوء التغذية في المجتمع، خاصة بين الأطفال، ما تزال الحكومة تعمل على سحب يد الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، عكس ما تقتضيه الضرورة والظرف الحسّاس والأزمة التي تمرّ فيها البلاد منذ ثلاثة عشر عاماً، رغم أن القرارات الحكومية دائماً تُرَوَّس بعبارة «لمقتضيات المصلحة العامة»، وهي عكس ذلك تماماً؛ فما تزال الحكومات السورية المتعاقبة مصرّة على السير بالسياسات الليبرالية رغم أنّ أعتى الدول الرأسمالية في الغرب تغيّر من سياساتها وتتدخّل في المجتمع والاقتصاد في أوقات الحروب والأزمات لكي تخفّف من آثار الأزمات قيد الإمكان وتحمي نفسها من الانهيار.

ففي الدول الأوروبية على سبيل المثال وخلال انفجار الأزمة المالية الرأسمالية عام 2008 وتبعاتها، عمدت العديد من الدول في أوروبا إلى تأميم الشركات المعرضة للإفلاس وتم ضخ الأموال اللازمة لإعادة إنعاشها.
وفي فرنسا بالذات، أثناء الحرب العالمية الثانية اضطرت السلطات الفرنسية إلى التدخل وتعديل العديد من القوانين بما يتناسب وتحقيق العدالة في المجتمع وتراجعت عن بعض مبادئها الرأسمالية، لا بل تدخّلت في تحديد المراكز القانونية للأفراد في المجتمع حيث أنصفت الطرف الضعيف في العلاقات التعاقدية في شتى أنواع العقود لمواجهة آثار الحرب. وفي أعقاب أزمة فيروس كورونا، والإغلاق الذي فرض في القارة الأوروبيّة بسببه، سمحت المفوضية الأوروبية بتأميم الشركات في دول الاتحاد، وقالت حينها إنّ تدخل الدولة في الاقتصاد يجب أن يتم من أجل المصلحة العامة وعلى وجه الخصوص من أجل تجنب تقليص عدد الوظائف أو لمنع إفلاس مؤسسة مبتكرة أو استراتيجية.
لكن في سورية، والعديد من دول العالم والمنطقة، وخاصة التي تواجه أزمات، يجري العمل عكس المصلحة الوطنية والعامة تماماً، لا بل تأتي سياساتها الحكومية وكأنها تتناغم مع الأزمات لتزيد من تأثيرها الكارثي على المجتمع والدولة معاً ولتعقّد عملية إنهاء الأزمات والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، وهم مصرّون على السير بركب الليبرالية وكأنها حبل نجاة وطوق للشعوب وكأنّ لا بديل لها.
لذلك لا يمكن الاعتماد على حكومات هذه الدول ولا التعويل عليها في تأمين الخروج الآمن من الأزمات طالما استمرّت على هذا النهج، بل أصبح التغيير في الداخل وبالتعاون مع الوطنيين والحراك الشعبي وبالاستفادة من التوازن الدولي الجديد وظهور عالم متعدّد الأقطاب ضرورةً لا بدّ منها لإنجاز عملية التغيير لمصلحة شعوب تلك الدول وإعادة السلطة للشعب ليقرر مصيره بنفسه. وهذا ما يؤمّنه الحلُّ السياسي للأزمات في المنطقة وإبعاد خطر قوى الفساد (المتآمرة مع الخارج) وما تغذّيه من عنفٍ وعسكرةٍ في المجتمع، وما تسبّبه من آلام ودماء ودمار كانت الشعوب في غنىً عنها.
فعملية الإصلاح التي يتحدث عنها البعض وما يقدّمونه من اقتراحات ودراسات وحلول لن تؤتي ثمارها إلا بتغيير العقلية وإيجاد الإرادة السياسية الجدّية للخروج من الأزمة، وبالتعاون والاشتراك مع القوى الحيّة في المجتمع كافة، أمّا فرض الحلول من طرف واحد وبالعقلية الحالية نفسها فلن يؤدي سوى إلى مزيد من الأزمات والكوارث على المجتمع.
وفي بلادنا ليس هناك حلٌّ لأيِّ أزماتٍ من أيّ نوع كانت، صغيرة أم كبيرة، سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية، إلا بإنجاز التغيير الجذري والشامل من خلال الحلّ السياسي وتطبيق القرار 2254.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1167
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 10:44