قضية الأجور ليست ثانوية

قضية الأجور ليست ثانوية

زيادة الأجور والرواتب لا تعتبر مسألة ثانوية أو رجاء تتأمله الطبقة العاملة من السلطة الحاكمة أو تنتظر منها منة تمن بها على العمال بل هذه المسألة عميقة وجوهرية تماماً والموقف منها هام جداً لأنها ترتبط بمعدل توزيع الثروة والذي هو هدف أساسي لعملية التغيير الجذري والشامل وحوله سوف يندلع الصراع بعد إنجاز الحل السياسي.

موقف السلطة الحالية

تتحدث الحكومة عن عدم القدرة على زيادة الأجور والرواتب وتستمر بالحديث مع الاتحاد العام لنقابات العمال عن هدفها وهو زيادة متممات الأجور من حوافز ومكافآت ولكن هذه المتممات مرتبطة بالإنتاج وزيادته مرتبط بسياسة الحكومة التي يتوجب عليها ضخ الأموال اللازمة لزيادة الإنتاج في القطاع العام الاقتصادي، وهو ما لم تقم به الحكومة منذ عقود، بل جل همها كان فقط إعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام الاقتصادي تمهيداً لخصخصتها كما هو مخطط لها مسبقاً تحت حجة أنها شركات خاسرة ولا جدوى اقتصادية من دعمها (مع العلم أنها مخسرة وليست خاسرة) فهل من المعقول أن يتجه القطاع الخاص ويضع أمواله في إعادة استثمار شركات خاسرة مسبقاً؟!! مع العلم أن المادة الثالثة عشرة من الدستور نصت على (أن يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية الهادفة على زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشة الفرد وتوفير فرص العمل).
وهنا ينكشف زيف مقولة زيادة متممات الأجور والرواتب من حيث إنها مجرد ذر للرماد في العيون من جهة وللتغطية على المخالفة الدستورية من جهة أخرى التي نصت على أن الأجور يجب أن ترتبط بالأسعار وتأمن المتطلبات المعيشية بالحد أدنى وليس بالإنتاج حسب ما نصت عليه المادة الأربعون من الدستور.

انسداد الأفق أمام هذه السياسات

وتبقى سياسة تجميد الأجور ووضع الحد الأدنى للأجور والرواتب ما يقارب الـ 70 ألف ليرة سورية في ظل تكاليف معيشية وصلت إلى ما يقارب المليون ليرة سورية وهذه جريمة بحق الطبقة العاملة ونهب واضح للثروة لصالح طبقة معينة لا تمثل إلا قلة قليلة من المجتمع وحصر الثروة في يدها حيث تحصل تلك الطبقة على 87% من الثروة وهي لا تمثل سوى 10% من المجتمع في حين يحصل 90% من المجتمع على 13% من الثروة فقط.
وفي حين تراكم طبقة قليلة الأموال في يدها فإنها تراكم وتفرض البؤس والحرمان والفقر والجوع، وما نتج عنها من أزمة سياسية وأمنية هددت وجود البلاد وما سينتج عنها من أمراض اجتماعية واقتصادية في الضفة الأخرى تحتاج إلى وقت طويل لإصلاحها.
لذلك زيادة حصة الأجور من الثروة الوطنية يتطلب تعديل ميزان توزيع الثروة وتوزيع عادل للثروة كما نص عليه الدستور الذي أكد أن الاقتصاد السوري هدفه الوصول إلى رفع معدلات النمو والعدالة الاجتماعية، وتوزيع عادل للثروة يفرض وجود إرادة سياسية حقيقية نحو هذا الاتجاه وهذه الإرادة غير متوافرة لدى السلطة وبرنامجها يسير عكس هذا الاتجاه تماماً وهو ما يعقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أيضا في البلاد.
وفي ظل هذا التعنت من السلطة على مخالفة نصوص الدستور والمضي بسياساتها القائمة على دعم وحماية أصحاب الأموال وقوى الفساد وتضمن سيطرتهم ونهبهم للدولة والمجتمع، وهي غير قادرة بنيوياً على تغير سياساتها التي وصلت إلى طريق مسدود، وليس هدف العمال التأمل والرجاء منها لتعديل سلوكها، بل يبقى الحل عند أصحاب المصلحة الحقيقيين وخاصة الطبقة العاملة التي يقع على كاهلها وكاهل القوى الوطنية وضع برنامج يعبر عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والذي يعبر بالنهاية عن مصلحة الغالبية العظمى من السوريين وفرضه على الساحة السياسية السورية كقوى أساسية في الصراع الجاري اليوم لضمان تغيير حقيقي وجذري وشامل يعبر عن مصالح الأغلبية المنهوبة، حيث إن انسداد الأفق أمام السياسات الحالية يفرض انفتاحاً للأفق أمام السياسات المغايرة.
بحيث يصبح الموقف من الرواتب والأجور بما يعنيه تعديل مستوى توزيع الثروة هو موقف جوهري يعبر من خلاله عن خطط القوى السياسية وبرامجها الاقتصادية، حيث إن أغلب القوى السياسية اليوم تختفي خلف شعارات سياسية وديمقراطية خافية برامجها الاقتصادية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028