مكافحة فساد تثير السخرية
أديب خالد أديب خالد

مكافحة فساد تثير السخرية

عملية مكافحة الفساد التي تقودها الحكومة حسب زعمها تثير سخرية الكثيرين وذلك لأنها مكافحة مضحكة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، والمضحك أكثر الحملات الإعلامية المرافقة لهذه الحملة والتي ترينا بأن الدولة وأجهزتها كافة مستنفرة لمكافحة الفساد ولكن أي فساد تكافح؟؟؟

مكافحة من؟؟؟

عينة على من تدعي الحكومة مكافحتهم فقد رأينا على إحدى الشاشات الفضائية كيف تصرخ المذيعة في وجه رجل عجوز يبيع بعض الخضار وتهدده بأنها ستخبر التموين وأن مصيره السجن لأنه لا يضع التسعيرة !!!
كما انتشر خبر على وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية مفاده أنه تم القاء القبض على شخص يتاجر بمادة المازوت وقد عثر في مزرعته على ما يقارب ألف ليتر مازوت ليتبين أنه اشتراها من السوق السوداء من أجل القيام بأعمال زراعية وعلى رغم من ذلك تم تنظيم الضبط اللازم بحقه وتمت إحالته إلى القضاء المختص بتهمة المتاجرة بمواد مدعومة من قبل الدولة وكأنه إنجاز عظيم وتاريخي في مكافحة الفساد وسيحل مشاكل انعدام المحروقات وارتفاع أسعارها مع العلم أن جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها لا تستطيع الاقتراب من صاحب كازية مع أنّ فساده ظاهر للعيان فما بالك ممن يتاجر حقيقة بالمحروقات ويحتكر استيرادها ويرفع أسعارها كل فترة وبمباركة حكومية.
ويبقى المواطن البسيط الذي يضطر لشراء المحروقات من السوق السوداء هو كبش فداء وهو سبب الأزمة التي نعاني منها منذ سنين وهو سيواجه عقوبة السجن لمدة سنة على الأقل مع دفع غرامة مليون ليرة سورية، وتتم مصادرة من يحمل ليترات معدودة من المحروقات في سيارته عبر الحواجز.

قانون حماية المستهلك لمواجهة من؟؟؟

ليس بعيداً عن المحروقات وعن صلاحيات وزارة التموين هناك المواد الغذائية والمواد المدعومة حيث صدر قانون حماية المستهلك الجديد والذي نص على عقوبات مشددة بحق من يخالف أحكامه تصل إلى السجن والغرامات المالية وحصلت له تغطية إعلامية كبيرة وعنه تحدث المحللون الاقتصاديون والقانونون للمدح بمزاياه والتنبؤ بنتائجه التي لم يلمسها المواطن ولن يلمسها وكأن هذا القانون «لح يشيل الزير من البير» كما يقال، ولكن للإشارة فقط فإن هذا القانون لم يوضع لمكافحة احتكار استيراد المواد الغذائية من قبل كبار قوى الفساد ولا للاقتراب من ملك السكر والأرز ولا لبقية الملوك بل هذا القانون وضع لمكافحة الصغار ووضع كامل المسؤولية على البائع المفرق أو الجملة البسيط وكأن البقال البسيط في حيّنا ومستوى ربحه الضئيل هو السبب الجوهري في ارتفاع أسعار الصرف وانخفاض مستوى الرواتب وتدني القوى الشرائية للأجور.
أما عن الخبز فدوريات الشرطة والتموين تكافح بكل عزم بائعي الخبز هؤلاء المارقين أصحاب البطون المنتفخة الذين لا يشبعون شفط مليارات من استيراد القمح والطحين وحساباتهم في الدول المجاورة جاوزت ملايين الدولارات وكل فترة تخترع وزارة التموين طريقة جديدة لتوزيع الخبز عبر البطاقة الذكية للحد من سرقة هؤلاء المنتفعين وإيصال الدعم إلى مستحقيه.
ودوريات المحافظة لا تترك مجالاً للبسطاء لبيع بضائعهم بالشوارع فهي لهم بالمرصاد وبكل عزم ومصادرة بضائعهم على قدم وساق لأنهم يشوهون المنظر الحضاري لطرقاتنا ويتعدون على الأملاك العامة في حين يسمح لأصحاب المولات و المقاهي بالمناطق المخملية بالسيطرة على رصيفٍ كامل وربما الشارع بأكمله..
اقتراحات بعض المحللين الاقتصاديين أو الخبراء كما يسمون أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي و أعضاء مجلس الشعب الذي يتحدثون ليلاً ونهاراً عن الدعم وفاتورته الكبيرة على الاقتصاد وفي النهاية مقصدهم رفع الدعم عن المواطن كحل نهائي لمكافحة الفساد حسب زعمهم ليصوروا للمواطن وكأن الفساد سببه الدعم!!!
أخيراً، هؤلاء جميعهم يصرحون ويمهدون لقرارات حكومية ومن باب جس نبض الشارع وقياس ردة فعله على قرار إنهاء الدعم الحكومي ورفعه نهائياً عن المواطن، وهذا التوجه ليس جديداً، بل بدأ منذ سنوات، وسمي وقتها بعقلنة الدعم واليوم يحاول هؤلاء الاستفادة من نتائج الأزمة السورية والعقوبات الدولية ليكملوا مخططهم، وليحملوا وزرها للشعب الفقير فقط عبر إطلاق رصاصة الرحمة الأخيرة عليه، وكأن الفساد في سورية سببه الدعم الحكومي، وليس الفساد هو سياسة بعينها ولكنها تختبئ تحت مسميات عديدة منها الليبرالية التي يجري من ضمنها رفع الدعم وبيع القطاع العام وإنهاء دوره الاجتماعي بأبخس الأثمان وتسليم اقتصاد البلاد لحفنة من التجار والمستثمرين الأجانب وهذا ما يتبين من خلال القوانين الاستثمارية التي تصدر وتقدم مزايا وإعفاءات بالجملة للمستثمرين في حين يطبق قوانين جزائية وتفرض عقوبات على المواطنين البسطاء.

ما هو الفساد؟

الفساد هو أن تدار السياسة الاقتصادية للدولة لحساب 10% من السوريين فقط وترك 90% من الشعب يعيش تحت خط الفقر بسبب الليبرالية التي هي الفساد بعينه ومن ينظر لليبرالية ينظر للفساد، فالليبرالية تعني الفساد والتدمير للبلدان، والنهب للقطاع العام وتجويع الملايين ومن يصدر لمصلحتهم القوانين الاستثمارية هم الذين يجب أن يحاسبوا وهم الذين يجب أن يكونوا هدفاً للقوانين الجزائية ومن جيوبهم يجب سحب المليارات لزيادة الأجور ولدعم الوطن والمواطن وليس العكس.

أليس هذا فساداً وإرهاباً؟

بينما تستجيب الحكومة لمطالب التجار والمستثمرين في رفع الأسعار بسرعة عجيبة كان آخرها رفع أسعار الأدوية بنسبة 30% بعد مطالبة شركات ومعامل الأدوية للحكومة برفع أسعارها بينما لا تستجيب لمطالب العمال وباقي فئات الشعب بضرورة رفع الرواتب والأجور ورغم تهديد الجوع لنسبة 60% من المواطنين إلا أن الحكومة وبشكل غير إنساني ومخالف للدستور ترفض هذا المطلب تحت حجة انعدام الموارد، بينما تخلق الموارد مباشرة لأصحاب رؤوس الأموال لتلبية مطالبهم، هذا هو الفساد بعينه وربما إرهاب يفوق الإرهاب الذي عاشه المواطن السوري خلال الأزمة وأصبحت قضية الأجور والرواتب قضية أساسية وسياسية من الطراز الرفيع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1024