الفساد وحقوق العمال
أديب خالد أديب خالد

الفساد وحقوق العمال

جاء في افتتاحية قاسيون للعدد 951 الأسبوع الماضي بأن (الفساد الكبير يسيطر على جهاز الدولة عملياً، ولم تعد مجدية أية أحاديث عن حلول جزئية هنا أو هناك، بل بات تغيير البنية الاقتصادية والسياسية والقانونية طريقاً إجبارياً لاجتثاث الفساد الكبير، وتالياً لحل مشكلات الناس وإنهاء معاناتها، ولأن قوى الفساد الكبير تعرف عدوها بشكل جيد، فإنها وعبر تغلغلها في جهاز الدولة وتشابكها معه في البنية تفرض مستوى حريات سياسية متدنية، تمنع السوريين من اتخاذ زمام المبادرة للقيام بما يلزم من تغيير جذري للبنية التي باتت مهددة لاستمرار الدولة نفسها).

الإضراب

قوى الفساد الكبير تمنع السوريين من الاستفادة من بعض الحقوق الدستورية والمشروعة التي منحها لهم دستور عام 2012، ومنها حق الإضراب الذي بات سلاحاً دستورياً مشروعاً بصراحة المادة الرابعة والأربعين من الدستور التي نصت على أن (للمواطنين حق التظاهر السلمي والإضراب عن العمل) بعدما كان محرماً لعشرات السنين، وما زالت تشرعن الدستور السابق وتعمل على تطبيقه وخاصة المادة الثامنة منه، وأبقت على سيطرة عقلية الحزب القائد على منظمات العمال خاصة وفرض الوصاية على الاتحادات العمالية والمهنية.

الدفاع عن الدور الحقيقي للنقابات مهمة وطنية

لقد بات اليوم الدفاع عن منظمات العمال بوجه قوى الفساد هدف الطبقة العاملة عبر الضغط نحو تطبيق نصوص الدستور الجديد لتخليص منظمات العمال من عقلية التحكم السابقة، وتحريرها من التبعية لأية جهة كانت، حسب ما نص عليه الدستور في المادة العاشرة منه بأن (المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات... تضمن الدولة استقلالها... إلخ)، وإعادتها كمنظمة تمثل العمال فقط، وتدافع عن مصالحهم وتتبع لهم فقط وذلك يكون عبر إيصال مناضلين حقيقيين يمثلون العمال فعلاً، من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وهذا سيؤدي حتماً إلى إلغاء شعار نحن والحكومة شركاء، وتحويل النقابات إلى قوى ضغط ليست عمالية فقط، بل وشعبية تستطيع من خلالها فرض إرادتها على الحكومة، وتعديل ميزان القوى في المجتمع لصالح الأغلبية الفقيرة.

دستور عام 2012 أعطى فرصة للنقابات وفوتتها

لو اتبعت نقابات العمال المنهج الدستوري في الدفاع عن حقوق العمال لما وصلت أحوال الطبقة العاملة إلى هذا المستوى من الانحدار، ولما تجرأت الحكومة على السير بسياساتها الاقتصادية الحالية، وهذا ما تعرفه تمام المعرفة قوى الفساد الكبير، لذلك تعمل وبكل جهد على تكبيل نقابات العمال بسلاسل تبقيها تدور في فلكها كي تنسلخ عن ممثليها العمال، وينفضون من حولها، ولا يبقى لها أي صوت أو أثر، وكل هذه السياسة تتستر تحت شعار نحن والحكومة شركاء، الذي فرض على نقابات العمال وما يزال يفعل فعله.

فترة انتقالية

عدا أن قوى الفساد تسعى من خلال تأخير الحل السياسي والإصرار على تطبيق الدستور السابق، وعلى تثبيت مواقعها عبر تهيئة البيئة القانونية والتشريعية التي تشرعن وجودها, وتضمن لها مصالحها في المرحلة القادمة من خلال إصدار قوانين تصب في مصلحتها, بدءاً من قانون الاستثمار رقم 10 وليس انتهاء بقانون التشاركية عام 2015 الذي مرر دون أن يثير اعتراضاً مهماً لدى نقابات العمال، وإبداء ملاحظات شكلية عليه، والذي يهدف إلى تصفية القطاع العام وإنهاء دوره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بما ينعكس سلباً على العمال خاصة والشعب السوري عموماً.
ولكن المرحلة القادمة وبعد الحل السياسي، ولكي يبقى للنقابات دورها النضالي الممثل للعمال ومصالحهم، لا بد من محاولة التخلص من بقايا الدستور السابق، وما أنتجه على مستوى النقابات على الأقل لأن من يتلطى اليوم بقوة العطالة وقلة الحيلة أمام المهام الملقاة على عاتقه، فإنه سيحاسب على موقفه هذا، وعندها لن تنفعه لا المادة الثامنة القديمة ولا الجديدة حتى، وسيخرج من حياة السوريين كلها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
952
آخر تعديل على الأربعاء, 12 شباط/فبراير 2020 12:23