من تاريخ إضرابات عمال سورية

من تاريخ إضرابات عمال سورية

بدأ التكون الجنيني للطبقة العاملة السورية مع تكوين الحرف الصناعية البسيطة إبّان فترة الاستعمار العثماني، ونشطت نضالاتها ضد اضطهاد الولاة العثمانيين منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث اتسمت هذه النضالات بالمطلبية البسيطة، هذا إضافة إلى تحركات العامة، وخاصة في المدن الكبرى كدمشق وحلب، وأول شريحة عمالية قد نضج عودها كانت شريحة عمال السكك الحديدية، حيث نفذوا أول إضراب جماعي في عام 1908 قام به عمال السكك الحديدية في سورية ولبنان مطالبين بتحسين شروط العمل وزيادة الأجور وتنظيم العمل، وقد استطاعوا نيل مطالبهم هذه ومن ثم أخذت الحركة الإضرابية تتصاعد في البلاد.

في حزيران من عام 1913 قام عشرات الآلاف من عمال النسيج باحتجاجات مختلفة من إضرابات واعتصامات مطالبين ببعض حقوقهم، ومنها تحسين ظروف وشروط العمل، وكذلك زيادة أجورهم، حيث استطاعوا تحصيل بعض مطالبهم في صراعهم هذا، ومنها زيادة أجرهم. وقد قدر عدد العمال المشاركين في هذه الاحتجاجات بأكثر من أربعين ألف عامل، ويذكر في كتاب «أضواء على الرأسمال الأجنبي في سورية» لمؤلفه الدكتور بدر الدين السباعي أنه في منصف القرن التاسع عشر كان يعمل في مدينة حلب خمسة عشر ألف نول في النسيج الحريري، وكذلك مثل هذا العدد في مدينة حمص، وبهذا الخصوص، يمكن الإشارة إلى شهرة السيف الدمشقي، والنسيج النوعي الممتاز الذي اقترن باسم دمشق دامسكو أو دامسق الشهير حتى الآن في معظم بلدان العالم.
وتعتبر الصناعة في سورية حديثة العهد لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الاستقلال الوطني، حيث كانت قد بدأت مع انهيار الدولة العثمانية في عام 1918، والطبقة العاملة أخذ يتبلور وعيها الطبقي، ونشأ منذ هذا التاريخ وحتى عام 1933 ما يقارب 185 مشروعاً صناعياً كبيراً وصغيراً، ووسعت ما يقارب 320 منشأة قديمة، وكان معمل إسمنت دمر من أكبر المعامل الذي انشئ عام 1928 حيث سبقت ذلك بعض الصناعات، مثل مكننة للحرير، والتبغ وظهور خطوط السكك الحديدية كما ذكرنا آنفاً. وتشكلت طبقة عاملة صناعية منذ عام 1929 حيث نشطت وازدادت حركة الإضرابات منذ عام 1926م وخاصة عمال السكك الحديدية وعمال النسيج وعمال المطابع وعمال التبغ. وتم إنشاء عدة نقابات، مثل نقابة عمال الطباعة، والميكانيك والنجارين وصناعة النسيج الميكانيكية، وبلغ عددها حتى نهاية عام 1936 أكثر من /390/ نقابة، وكانت أولاها نقابة عمال التريكو التي أنشئت عام 1925 في دمشق، حيث لعبت هذه النقابة دوراً متميزاً، وقامت بقيادة الحركة النقابية، ليس على مستوى مدينة دمشق فقط، وإنما على كافة عمال سورية، وما زالت حركة الإضرابات مستمرة منذ عام 1930 حتى عام 1934 وخاصة في حلب والمدن السورية الأخرى، وكان يغلب في كثير من الأحيان على هذه النضالات طابع العفوية.
في عام 1938 أعلن المؤتمر العام الثالث لاتحاد نقابات العمال الدعوة إلى إضراب عام، مما أجبر الحكومة في العام نفسه على إصدار تشريع خاص بإنشاء نقابات خاصة بالعمال. لقد ناضلت الطبقة العاملة السورية طوال سنين عديدة من أجل حرية التنظيم النقابي، وأيضاً في كافة المجالات الوطنية والتضامن العمالي العالمي، وضد الاستعمار بكل أشكاله والرجعية، وفي سبيل التقدم الاجتماعي للشعب السوري، وتراكمت لدى الطبقة العاملة السورية تجاربها النقابية والمطلبية ووصلت إلى مرحلة جديدة هامة في موقعها ومكانتها في الجغرافية الطبقية الوطنية، وأيضاً في وعيها الطبقي الاجتماعي والسياسي، حيث امتلكت حركتها النقابية المستقلة، وشكلت القاعدة الجماهيرية لكافة النضالات التي خاضها الشعب السوري، وخاصة ضد الاحتلال الفرنسي، حيث دخل إضراب العمال الستيني الذي دام /60 يوماً/ التاريخ كأحد أشكال انتزاع معاهدة الاستقلال، وتعتبر إضرابات عمال دمشق وحلب من أقوى الإضرابات، حيث ساهمت في إسقاط الديكتاتوريات العسكرية، وضد الأحلاف الاستعمارية، وكانت الطبقة العاملة أساس المقاومة الشعبية، وفي نهاية السبعينات من القرن الماضي قام عمال النفط في حقول الرميلان بإضراب عن العمل، وطالب العمال بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، وتركوا أعمالهم في إدارة وتشغيل حقول النفط، ولم تستطع الأجهزة المعنية كسر الإضراب أو إنهائه باستعمال القوة، مما اضطر الحكومة إلى تقديم بعض التنازلات وحصل العمال على زيادات في الأجور.

معلومات إضافية

العدد رقم:
950
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 15:24