الحركة العمّالية ستذهب بعيداً في مطالبها؟
عادل ياسين عادل ياسين

الحركة العمّالية ستذهب بعيداً في مطالبها؟

منذ تأسيس أول نقابة عمّالية منفصلة عن النقابات المشتركة مع أرباب العمل، كان الهاجس الأول للنقابيين الأوائل استقلال نقاباتهم في كل شؤونها، وهذه الاستقلالية كانت جزءاً من القاعدة المتينة التي استندوا عليها في تطوير نضالاتهم العمالية من أجل أجورهم، ومن أجل ثماني ساعات عمل، ومن أجل تأمين شيخوختهم. 

خاضوا نضالاتهم تلك انطلاقاً من وعيهم لمصالحهم الأولية التي تشكّلت بفعل التجربة المريرة التي عاشها العمال، والتي تطور فيها الوعي والدور بعد تلك المرحلة بفعل عوامل عدة، وأهمها الواقع الموضوعي بالإضافة إلى
تطور الصناعة من الحرفة اليدوية إلى الآلة، ودخول قوى وأفكار جديدة سلحتهم ببرامج، وكانت على رأس نضالاتهم بمختلف مراحلها، وتضامن نقابي عمالي أممي كان يساعدهم بخبرته.
لقد ساهمت تلك العوامل مجتمعة بالانتقال إلى مراحل نضالية متقدمة، مثل: القدرة على التفاوض مع أرباب العمل والإضرابات والاعتصامات العمّالية الشاملة التي كانت تحدث في كل المدن الرئيسة التي فيها صناعات، والتي لعب فيها المناضلون الأوائل دوراً ريادياً في قيادتها، وتحقيق وحدة الحركة العمالية والنقابية، وخلق أشكال مختلفة من التضامن فيما بين العمال المضربين، وبهذا تَكوّن التكافل والتضامن بين أبناء الطبقة العاملة السورية، وأصبحوا قوة وطنية أساسية تناضل ليس من أجل حقوقها فقط، بل من أجل الدفاع عن الوطن أيضاً.
أي: إن قوة الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية لم تأتِ من فراغ، بل وُلدت في خضمّ المعارك الوطنية، والطبقية التي خاضتها إلى أن وصلت لمرحلة استطاعت فيها انتزاع حقّها بقانون عمل لبَّى إلى حدٍّ ما جزءاً من حقوقها، ونظمت علاقاتها مع أرباب العمل وذلك عبر الضغط المباشر على نواب البرلمان والحكومة بإعلان الإضراب العام حتى تحقيق مطالبهم المقدمة لتلك الجهات.
لقد جرى تطوّر كبير في واقع الطبقة العاملة من حيث عددها ومستواها التعليمي والمهني وتجمعها في منشآت صناعية كبيرة نسبياً، منذ تأميم المعامل في عهد الوحدة وإلى الآن، وتوسع التنظيم النقابي في مهن جديدة لم تكن موجودة سابقاً، وتعتمد التكنولوجيا المتطورة في الصناعة، حيث انعكست تلك التطورات إيجابياً على واقع الطبقة العاملة، من حيث استقرار أجورها وتناسبها إلى حد ما مع الأسعار الرائجة في تلك المرحلة التي رفع فيها شعار «المعامل للعمال»، وأن سورية في مرحلة الانتقال للاشتراكية، بينما واقع حال علاقات الإنتاج ليس كذلك، فقد كانت تسير باتجاه معاكس لتلك الشعارات المرفوعة.
لقد دخلت علاقات الإنتاج الرأسمالية إلى مفاصل الصناعة، وبدأت تتكون عند العمال تقاليد جديدة في المواجهة والتنظيم، وهذا أتاحه وجود حريات سياسية ونقابية نسبية مكنت العمال والنقابات من القدرة على التحرك بانتزاع جزء من مطالبهم وعلى رأسها قانون عمل متضمنّةٌ فيه تلك المطالب، حيث كانت موازين القوى السائدة تسمح بمثل ذلك من السلوك.
خط التراجع في دور الحركة النقابية والعمالية بدأ مع الوحدة السورية المصرية واستمر حيث تمت المصادرة والهيمنة عليهما باسم «الاشتراكية» وما تبعها من شعارات يعرفها الجميع.
تتالت التطورات في واقع الحركة النقابية عبر أشكال مختلفة من العمل ضمنها، وتحديد الخطوط الأساسية التي تعمل في إطارها من النقابية السياسية إلى القوانين والتشريعات التي عملت على تجريد الطبقة العاملة السورية من أسلحتها في المواجهة مع مغتصبي حقوقها ورافضي مطالبها، بالإضافة إلى شكل ومضمون العمليات الانتخابية التي يجري فيها تقاسم الكعكة النقابية وتكون فيها إرادة العمال وخياراتهم في تحديد من يمثلهم، آخر همّ لواضعي تلك السياسات الانتخابية.
قانون التنظيم النقابي /84/ والعديد من الوثائق الأخرى، خلقت تناقضاً بين ما هو مرفوع من شعارات وما يمارس على الأرض من إجراءات تجاه كل إنجازات تلك المرحلة اقتصادياً واجتماعياً، وتعمقت تلك التناقضات أكثر مع تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، والذي جوهره اقتصاد السوق فقط، وما رافقه من إجراءات، وما طرح من سياسات اقتصادية شككت في بدايتها بجدوى ما أنجز وما تحقق، إلى حد أن قطاع الدولة لم يعد قادراً على تحقيق النمو المطلوب.
ومع كل تلك التبدُّلات المؤلمة التي جرت فإن إمكانية تجاوز هذا الوضع ممكنة، خاصة مع التغيّر في موازين القوى، حيث من الضروري أن تقوم النقابات بمراجعة حقيقية تمكنها من إعادة دورها الريادي الذي كانت تقوم به من أجل مصالح الطبقة العاملة، والدفاع عن الإنجازات الذي كانت شريكة حقيقية في تحقيقها، دون أن تكبل نفسها ومن طرف واحد بشراكة لا تلبي مصالح الطبقة العاملة، إن تجاوز هذا الوضع سيردم الهوة بين الطبقة العاملة والحركة النقابية.
السياسات الاقتصادية التي سارت بها الحكومات المتعاقبة وانعكاسها على حقوق العمال ومصالحهم، وعدم استجابة الحكومة للمطالب التي يطرحها العمال، وتدويرها من عام إلى آخر دون جدوى، خاصةً الطلب الأساس والمستمر للعمال بزيادة أجورهم لتتناسب مع مستوى المعيشة المتدهور باستمرار، كان ينعكس في المؤتمرات النقابية برفض العمال لتلك السياسات وتذمرهم منها.
إن تصاعد حدة الاستياء عند العمال وتذمرهم بسبب أوضاعهم المعيشية وخسارتهم للكثير من حقوقهم، واستمرار السياسات الحكومية على الوتيرة نفسها، سيدفع العمال للبحث عن وسائلهم الخاصة وإيجاد أدواتهم التي تمكِّنهم من الدفاع عن حقوقهم، بما فيها حقهم بأجور عادلة تُلبي حاجاتهم الأساسية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
936