بصراحة: الحركة النقابية.. التغيير بين الذاتي والموضوعي

في منتصف القرن العشرين انتقلت الحركة النقابية إلى موقع آخر من حيث وزنها المؤثر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بفرض جزء هام من مطالبها التي كانت قد تقدمت بها إلى المجلس النيابي من أجل إقرارها في قانون العمل، الذي كان يناقش في ذلك الوقت، وأهم تلك المطالب شرعنة حقّ الإضراب للطبقة العاملة، وأقرّ تحت رقم 279 لعام 1946 وهو أول قانون عمل ينظم العلاقة بين العمال وأرباب العمل.

السؤال الأهم في هذا الحدث التاريخي، هو: لماذا تمكنت الطبقة العاملة وحركتها النقابية من انتزاع جزء هام من مطالبها في ذلك الوقت الذي كانت فيه البرجوازية الوطنية في مرحلة صعودها السياسي والاقتصادي، ومع نهايات وجود المستعمر الفرنسي وبدء جلائه عن وطننا.

هناك عدة عوامل مكنت الطبقة العاملة السورية من ذلك، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي مرتبط ببنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية القائدة لنضالاتها.

من حيث الواقع الموضوعي كانت موازين القوى الدولية قد تغيّرت بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا التغيُّر قد عكس نفسه بالضرورة على الوضع الداخلي السوري من حيث مستوى الحريات، ومستوى النشاط السياسي العام للقوى السياسية، ومن ضمنها الحركة النقابية التي اكتسبت خبرة نضالية وتنظيمية مكّنتها من تعزيز وجودها على الأرض، وبالتالي تقديم مطالبها والاستجابة لهذه المطالب.

من حيث الواقع الذاتي للحركة النقابية والعمالية أنها كانت موحدة في اتحاد نقابي واحد، تنشط فيه كل الأحزاب، وخاصة الشيوعيين الذين كان لهم الدور الأبرز في نشوء وتطور الحركة والحفاظ على وحدتها، وهذا أكسب الحركة متانة وصلابة ووعياً أكبر بمصالحها، والقدرة على استخدام أدواتها النضالية، بما فيها حقّ الإضراب والتظاهر في اللحظة التي تراها مناسبة.

منذ الوحدة المصرية السورية، وحتى اللحظة، طرأت تغيرات على بنية الحركة النقابية وكذلك الطبقة العاملة وعوامل أخرى قيّدت الحركة النقابية وجعلتها في وضع صعب من حيث قدرتها على تبني حقوق ومطالب الطبقة العاملة والدفاع عنها بالرغم من التطور الكبير في واقع الطبقة العاملة من حيث النوع والكم ولكن هذا التطور رافقه تضييق شديد على قدرات العمال في الدفاع عن حقوقهم وهذا التضييق مرتبط بالوضع السياسي الذي نشأ منذ الوحدة واستمر، والأساس فيه المادة الثامنة التي كانت في الدستور القديم، وأزيلت في الدستور الجديد ولكن بقيت أدوات التحكم والسيطرة باقية بشكلها القانوني، قانون التنظيم النقابي 84 وقوانين العمل التي قسمت العمال قانونياً إلى قسمين.

خلاصة القول أننا مقبلون على تغيرات هامة، لابدّ أن يُقابلها تغييرات أيضاً في بنية الحركة النقابية القانونية والتشريعية وآليات عملها، لأن البنية القديمة قد استنفذت دورها ولابدّ من التغيير، وهو تغيير موضوعي تتطلبه الظروف التي تعيشها بلادنا وتأمين متطلبات ومصالح الطبقة العاملة وحركتها النقابية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
924