بصراحة: مكافحة الفساد بتحسين الأخلاق؟

يقول أحد أركان الحكومة في ندوة: «تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد»

إن حركة الفساد أصبحت مستشرية في مجتمعنا، والندوة المعقودة لهذا الشأن خلصت في توصياتها واستنتاجاتها بأن مكافحة الفساد تبدأ من الفرد مروراً بالأسرة ثم بالمؤسسات التعليمية، ولم يحدد المشاركون في هذه الندوة كم من الزمن الضروري من أجل تنظيف المجتمع من الفساد، لأن الزمن باعتقادنا عامل مهم، هل هو يحتاج إلى عقد أو عقدين من الزمن ونصل بعدها إلى مجتمع نظيف تماماً؟

أيضاً، الحكومة تصدر بلاغاً بخصوص الموظفين «المفيشين» أي: الذين لا يعملون ويحصلون على أجور بمعية المسؤولين عن عملهم أو بدعم من الجهات التي يحظون عندها بوقعٍ خاصٍ يجعلهم محميين من المساءلة أو المحاسبة عن تفيشهم.

الحكومة تذهب «بمكافحتها» للفساد بهذه الطريقة إلى شكل القضية بينما مضمون المكافحة ينطلق من إرادة وقرار سياسي يعتبر فيه مكافحة الفساد هي قضية وطنية، مثلها مثل مقاومة الإرهاب والعدوان الخارجي، فلهذه القضية أدواتها، وأدواتها الأساسية الشعب الفقير المنهوب والمفقر بسبب الفساد الكبير الذي أكل الأخضر واليابس ولم يترك إلا بعض الفتات، والشعب العنيد له مصلحة حقيقية في مواجهة الفساد الذي ينهشه كما هي مصلحته في الدفاع عن وطنه، وحتى يتمكن من المواجهة مع كلا العدوين يحتاج إلى الكثير من الأمور، في مقدمتها: قدرته في التعبير عن مصالحه وحقوقه والدفاع عنها بكل الأشكال التي ضمنها له الدستور، القضية إذاً ليست أخلاقية بمعنى شكل التربية للأجيال فقط، هي قضية سياسية بامتياز، تحددها السياسات بمجملها ومنها: السياسات الاقتصادية، هل هي إلى جانب الفقراء ومصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ أم هي إلى جانب قوى رأس المال وقوى الفساد الظاهرين علاناً والمتوارين منهم.

بالعودة إلى موضوع الموظفين «المفيشين» الذي طرحته الحكومة مؤخراً فهو موضوع قائم منذ أمد بعيد وليس مستجداً، وهو يعكس جانباً من الفساد الإداري الذي يحمَّل الإنتاج تكاليف باهضة، ليس هذا فحسب، بل يمنع الراغبين والمحتاجين من حق العمل الذين هم بحاجته لحساب المدعومين وهذا تؤكده المسابقات التي تجريها الوزارات لتعيين موظفين تكون بمعظمها للمحظيين والمدعومين وليس لطالبي العمل الحقيقيين.

الأمور تبدأ من السياسات المعمول بها، وتنتهي عندها، أليس كذلك يا سادة؟!