استغلال بالجملة للعاملات بالقطعة
غزل الماغوط غزل الماغوط

استغلال بالجملة للعاملات بالقطعة

لا توجد أرقام دقيقة أو بيانات واضحة تشير إلى عدد المشتغلات في المنازل من النساء السوريات، إلّا أن الثابت أنهن في تزايد مع انتشار البطالة والتهجير واستمرار تدهور الوضع المعيشي، وفقدان المعيل بفعل سنوات الحرب، وغالباً ما ترتبط المهن التي تزاولها النساء في المنازل بأعمال الخياطة وشك الخرز «وصف الستراس» إضافة إلى مشغولات السنارة والسنارتين، وقص الشعر..

 

انتشار واسع
بالنسبة إلى أم وعد، فقد بدأت العمل في حياكة الصوف بعد تقاعدها من عملها كمدرسة، ورغم أنها كانت قد تعلمت الحياكة منذ عقود، إلّا أنها لم تفكر من قبل في تحويلها إلى مصدر رزق لها، لكن تراجع أحوالها المادية بسبب عدم كفاية أجرها التقاعدي، ووفاة زوجها دفعها إلى استثمار هذه المهارة حيث أنشأت مع ابنتيها مشروعها الخاص لبيع المنتجات الصوفية اليدوية.
وصحيح أن مشروعها هذا محدود الربح إلى جانب ما يتطلبه من جهد كبير، إلا أنه بالنسبة إليها «الحصاة» التي تسند جرتها الثقيلة، في حين أن الأمور أكثر تعقيداً لمن لا تمتلك أي مصدر دخل ثابت، مثل: جمانة التي تلقت دورة تدريبية وحقيبة مهنية في إحدى المنظمات الدولية، ضمن مجال الكروشيه لتبدأ بعدها بحياكة ألبسة الأطفال والأخفاف والقبعات، لقاء ربح يتراوح بين 500 ليرة إلى 3000 ليرة للقطع الصعبة، وهي مبالغ زهيدة للغاية مقارنة مع الوقت والجهد الذي يتطلب إنجازها.
أجر زهيد
أما شك الخرز ولصق الستراس فهما الأقل مردودية من بين الأعمال المنزلية كما تؤكد العاملات في هذا القطاع، إذ تذكر فاطمة: أنها تعمل ما لا يقل عن خمس ساعات يومياً، وبالكاد تجني 15 ألف ليرة شهرياً، رغم خبرتها التي تتعدى سبع سنين في هذا المجال، وهو ما تؤكده هناء حيث تصف هذا العمل: إنه استغلال بحت، إذ تتقاضى العاملة 300 ليرة على القطعة في حين يربح صاحب العمل أكثر من ألفي ليرة عليها، ناهيك عمّا تسببه من آلام للظهر والعينين.
استغلال كبير
صحيحٌ أن قطاع العمل غير المنظم رأى النور قبل الأزمة بسنوات، لكنه تنامى بشكل مضطرد إثر التراجع الكبير في قيمة الليرة وانحسار سوق العمل، ويعد العمل المنزلي للسيدات أحد أوجه هذا النشاط، وأحد أكثرها عرضة للاستغلال لأنه قائم على تشغيل ربات منازل لا يملكن مؤهلات علمية غالباً، وهن بأمس الحاجة إلى أي دخل إضافي يمكن أن يعيل أسرهن، وفي الوقت نفسه ينسجم مع طبيعة بعض المجتمعات التي ما تزال تجد مشكلة في خروج المرأة للعمل، وبين هذا وذاك تبقى عمالة المرأة مجالاً خصباً للاستغلال، لأن ظروف هذه الفئة تدفعها إلى القبول بأجور أدنى.
واللافت، أن كثيراً من الجهات بدأت تدعم هذا النمط من العمل تحت مسمى المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وجلّها منظمات تتلقى تمويلاً خارجياً، وهي تقدم مشاريعها هذه لدعم الأسر المتضررة من الحرب عبر توفير فرص العمل لربات المنازل، لكنها في الوقت نفسه لا تمتلك سوى حلولاً فرديةً ليس في وسعها أن ترتقي إلى حجم الأزمة التي يعانيها المواطنون، كما أنها تحمل أجندات خارجية غير واضحة المعالم، مما يثير حولها العشرات من إشارات الاستفهام، ويأتي انتشارها بالتزامن مع تراجع دور الحكومة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتحولها إلى ماكينة لنهب المواطن.
لا أرقام رسمية
تشير الأرقام على أن العمل غير المنظم احتل ما يفوق 65,6 % من حجم سوق العمل السوري قبيل الأزمة، بنسب أعلاها في حلب وإدلب طبقاً لمسح قوة العمل لعام 2010، في حين كانت النسبة الأعلى من حيث المؤهل العلمي لفئة التعليم الابتدائي، في حين لا تتوافر أية أرقام رسمية أو تفاصيل دقيقة عنه خلال الأزمة وحتى يومنا هذا.